خبر عمى الوجوه

الساعة 08:54 م|04 ابريل 2015

فلسطين اليوم

في الشهر الماضي، فازت (كيت زل) بجائزة (Wellcome Trust) لكتابة العلوم، في الفئة (ب) والمخصصة  “للباحثين غير المتخصصين، بما في ذلك الطلاب الجامعيين”، حيث تم تقديم أكثر من 640 مقالة ضمن هذه الفئة، وكانت لجنة التحكيم تضم 20 حكماً، منهم طبيبة الأعصاب (صوفي سكوت)، وعالم المواد (مارك مايوداونيك) وكاتب العلوم (انجانا أهوجا)، والكاتب في مجلة (Observer) (نيكولا ديفيس)، والكاتب في صحيفة (Guardian) (ايان سامبل)، ومدير (Wellcome Trust) (جيريمي فارار).

موضوع (كيت) الفائز كان يتكلم حول عمى الوجوه (Face Blindness) ، ونلخص هنا بعض ما جاء في موضوع (كيت) باختصار مع تعديل طفيف :

عمى الوجوه – مشكلة شائعة يتم إغفالها بالعادة :

“سألتها مرة، من هي (كلارا) من بين هؤلاء الفتيات ؟  أجابت (راشيل) وكانت محرجة للغاية، لقد غيرت (كلارا) من تصفيفة شعرها، فكيف لي أن أعرفها؟ “

هذه (راشيل)، بنت الأربعة عشر عاماً، والتي تعتبر (كلارا) أحد أقدم وأفضل أصدقائها، (راشيل) لا تعاني من مشكلة في الرؤية، إلا أنه يصعب عليها التعرف على الآخرين، لماذا؟ لأنها مصابة بعمى الوجوه.

معظمنا يعتبر التعرف على الشخص بعد نظرة سريعة إلى وجهه من الأمور المسلم بها، ولكن نحن لا ندرك أن أدمغتنا تقوم بعمل معقد جداً عندما تعمل على تحليل ومقارنة أوجه الأشخاص، ولمعرفة صعوبة العمل الذي يقوم به الدماغ عند التعرف على الوجوه، حاول التعرف على الأشخاص من خلال النظر في أيديهم، بدلاً من وجوههم، هذه هي بالضبط الطريقة التي ترى فيها (راشيل) الوجوه.

تعمل مناطق معينة من الدماغ على التعرف على الوجوه، فإذا أصاب الضرر هذه المناطق الدماغية، سيؤدي ذلك إلى حصول عمى التعرف على الوجوه أو “عمى الوجه”: وهي عدم قدرة الدماغ على التعرف على الوجوه، عمى الوجه ليس أمراً نادر الحدوث، حيث تشير الدراسات إلى أن حوالي 2٪ من السكان لديهم نوع من أنواع عمى الوجوه، والأشخاص الذين يعانون من هذا المرض يولدون بدون أن تكون لديهم القدرة على التعرف على الوجوه، ويعتمد هؤلاء على إشارات أخرى يتميز بها الأشخاص للتعرف عليهم، فهم يميزون الأشخاص من مشيتهم أو تسريحة شعرهم على سبيل المثال.

الباحثة (كيرستن دالريمبل) من جامعة مينيسوتا، هي واحدة من الباحثين القلائل في مجال عمى الوجوه، وينصب اهتمامها على شريحة معينة وهم الأطفال المصابين بهذا المرض، حيث تشير إلى أن بعض الأطفال يستطيعون التعامل والتأقلم مع مشكلة ضعف التعرف على الوجوه، ولكن أطفالاً آخرين يعانون من مشاكل جمة، حيث أن هذا المرض قد يؤدي إلى انعزالهم عن المجتمع، كما أن الطفل المصاب قد يكون عرضة لخطر الذهاب مع الغرباء.

تضيف (دالريمبل) أن نقص الوعي لهذه الحالة المرضية لدى مختصي رعاية الأطفال أو لدى العامة ، هو موضوع  خطير، فوالدي الأطفال المصابين بعمى الوجوه غالباً ما يضيعون الكثير من الوقت والمال في زيارة المختصين للتحقق من سلوك طفلهم الغريب، وعادة يعرف الأهالي أن أطفالهم مصابين بعمى الوجوه بعد البحث على الإنترنت أو من وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة.

إن سبب حصول عمى الوجوه ما زال لغزاً يحير العلماء، ولكن يعتقد أن الدماغ الطبيعي يطور مهارات التعرف على الوجوه من خلال المعرفة الفطرية والقدرة على التعلم، فالأطفال الذين يبلغون من العمر ساعة واحدة، يقومون بتتبع رسومات الوجوه  البسيطة لفترة أطول مما يتتبعون أي شيء آخر، فهم يولدون مع ولع بالوجوه، ولكن تشير الدراسات أن هذه المعرفة الفطرية للوجوه التي تولد مع الطفل لا تكفي للتعرف على الوجوه في المستقبل، فالطفل يحتاج إلى الخبرة لتطوير طريقة التعرف على الوجوه، حيث تشير بعض الدراسات بأن الأشخاص الذي نشؤوا في دور الأيتام يجدون صعوبة في التعرف على الوجوه الجديدة، والسبب في ذلك -على ما يبدو- بأنهم لم يروا سوى عدد قليل من الوجوه في مرحلة الطفولة، ونتيجة لقلة عدد الوجوه التي شاهدوها في حياتهم لم يحصل الدماغ على معلومات وخبرات كافية تمكنه من تحسين قدرته على التعرف على الوجوه.

يتعلم الاطفال كيفية التعرف على الوجوه بعد الولادة فوراً، فالأشخاص الذين ولدوا مع الساد (إعتام عدسة العين) تبقى لديهم مشاكل في التعرف على الوجوه في وقت لاحق من حياتهم، حتى إذا تمت إزالة إعتام عدسة العين في سن شهرين، وهذا يشير إلى أن الاهتمام الفطري بالوجوه لدى الأطفال حديثي الولادة يزول بعد شهر واحد من ولادتهم.

يمكن مساعدة الأطفال للحد من عمى الوجوه عندما يكبرون، ولفهم الطريقة التي يمكن فيها مساعدتهم لا بد من فهم الطريقة التي يتعرف بها الدماغ على الوجوه، فالدماغ بحاجة للإدراك وللذاكرة لتمييز الوجوه، حيث يجب أن يدرك الدماغ أولاً أنه ينظر إلى وجه، وثم يجب أن يتذكر أنه شاهد هذا الوجه من قبل، هاتين العمليتين (إدراك الوجوه) و (تذكر الوجوه) هما عمليتين منفصلتين في الدماغ، ويمكن لكل عملية أن تتم دون وجود العملية الأخرى،  وتشير (دالريمبل) إلى أن الأطفال الذين يعانون من عمى الوجوه لديهم مشاكل في عمليتي إدراك الوجوه وتذكرها، أما البالغين الذين يعانون من هذا المرض، فلديهم مشاكل في عملية تذكر الوجوه فقط، فإذا كان البالغين الذين يعانون من عمى الوجوه، لديهم ضعف في تذكر الوجوه ولا يوجد لديهم ضعف في إدارك الوجوه، فهذا مؤداه أنه يمكن تطوير آلية إدراك الوجوه.

أخيراً، فإن علاج عمى الوجوه ما يزال بعيد المنال، ولكن نشر التوعية حول هذا المرض قد يساعد المتضررين منه بشكل كبير، حيث أن إدراك العامة أن المصاب بعمى الوجوه لا يتجاهلهم عن قصد عندما لا يتعرف عليهم، يقلل من احتمالية الإساءة إلى  المرضى، كما أن فهم سلوك الطفل المصاب بعمى الوجوه قد يؤدي إلى إيجاد طريقة لمساعدته.