خبر هل أصبح العلم قادراً على قراءة الذكريات؟

الساعة 07:27 م|31 مارس 2015

فلسطين اليوم

من المحتمل أن العلماء قد توصلوا إلى طريقة لفك شيفرة الذاكرة من خلال تتبعهم للكيفية التي يتم فيها تشكيل الذاكرة في الدماغ، وذلك بعد أن تمكنوا من رسم خريطة تبين التغييرات التي تطرأ على الخلايا العصبية داخل أدمغة الفئران خلال اتخاذها للقرارات، وإذا ما تمكن العلماء من تكرار هذه النتائج بنجاح على البشر فإن هذا سيكون من الأحداث التي ستغير مجرى العلم ووجه العالم.

يوضح (جيمس جنادت)، وهو مدير البرنامج في المعهد الوطني للاضطرابات العصبية والسكتات الدماغية، أنه منذ عقود والعلماء يحاولون رسم خريطة للذكريات في الدماغ، وما تبينه هذه الدراسة أنه يمكن للعلماء أن يبدؤوا بتحديد نقاط الاشتباك العصبي الدقيقة التي تتشكل فيها بعض أشكال الذكريات وتحدث فيها عملية التعلم.

تبعاً لما جاء في البحث، فإن الحيوانات تستخدم المعلومات الحسية لتوجيه سلوكها، ولكن الكيفية التي يؤدي فيها هذا النشاط لاتخاذ الإجراءات المناسبة هو ما لم يتوضح بعد، وما قام به الباحثون هنا هو دراسة المشابك في منطقة الجسم المخطط – وهي منطقة في عمق الدماغ تساعد على ترجمة الأفكار وتحويلها إلى أفعال – وذلك عن طريق تحليل الكيفية التي يمكن فيها تحريض التعلم السمعي والحفاظ عليه.

في التجربة، كان على مجموعة من الفئران أن تضع أنوفها في واحدة من ثلاث فتحات موضوعة أمامها، بحيث كانت الفتحة التي تقع في المنتصف تصدر أصوات ذات نبرات مرتفعة أو منخفضة، وتم ربط الأصوات المرتفعة بالنسبة لنصف مجموعة القوارض بوجود الطعام في الفتحة اليسرى، في حين أن النصف الثاني ربُطت فيه النبرة المنخفضة مع وجود الطعام في الفتحة اليمنى، وسرعان ما أصبحت القوارض بارعة في هذه المهمة، وفي إقامة الروابط بين سماعها للأصوات المحددة وموقع الطعام، كما أنها اكتسبت سرعة أكبر مع تكرارها للمهمة، وتبعاً للأستاذة (إلين كاربنتر)، وهي رئيسة برنامج علم الأعصاب للمرحلة الجامعية في جامعة كاليفورنيا، فإن هذا الأمر كان رائعاً، وذلك لأنه يدل على أنه من الممكن العثور على المصدر الخلوي للتعلم، والذي كان يعتقد سابقاً بأنه كان موزعاً بطريقة أكثر انتشاراً في جميع أنحاء الدماغ.

بعد أداء المهمة، تم تشريح الجسم المخطط للفئران، ومن خلال ذلك وجد العلماء أن الأصوات التي سمعتها الفئران والتأثيرات التي أحدثتها تلك الأصوات عليها، خلقت نمطاً معيناً في نقاط الاشتباك العصبي – التي كانت واضحة بشكل خاص بسبب الطريقة التي تتم فيها معالجة الأصوات من قبل الدماغ- ولكن ما كان مفاجئاً للعلماء وخاصة بالنسبة للبروفسور (أنطوني زادور)، وهو أحد الباحثين الرئيسيين في هذا البحث، هو وضوح الخريطة التي استطاعوا الحصول عليها، حيث أن الفئران تمتلك لما يزيد عن 100 مليون خلية عصبية، تتموضع الملايين منها في القشرة السمعية، ومع ذلك كان العلماء قادرين على استخراج هذه المجموعة المعينة من الوظائف من بين جميع الأشياء التي تعلمتها الحيوانات خلال حياتها.

على الرغم من أن هذه التقنية لا يمكن إعادة تطبيقها على البشر، إلّا أن البروفسور (زادور) أبدى تفاؤله حيال إمكانية أن يمهد هذا الاكتشاف الطريق لرسم خريطة توضح بعض السلوكيات في أدمغتنا، حيث يوضح بأن العمل الذي قاموا به يحدد الكيفية التي يتم من خلالها ترميز بعض السلوكيات التعليمية، ومع تقدم التكنولوجيا يمكن للمرء أن يتصور تطوير تقنية بديلة من أجل فك رموز هذه السلوكيات لدى البشر، وإذا ما تم ذلك، فإن هذه العملية يمكن أيضاً أن تبشر بقفزة نوعية نحو فهم عدد من الاضطرابات الدماغية المرتبطة بالجسم المخطط، مثل الشلل الرعاش وأمراض هنتنغتون وكذلك الوسواس القهري والإدمان، فمن خلال دراسة هذه الدوائر العصبية بدقة عالية جداً، يمكن أن يتم وضع حجر الأساس لإيجاد علاجات أكثر فعالية من العلاجات المتاحة حالياً لهذه الحالات.

هناك بالطبع بعض المخاطر التي تتمثل في أن تؤدي قدرتنا على قراءة الذكريات إلى فتح الباب أمام مستقبل بائس يصبح فيه التشريح التحليلي للدماغ وسيلة مقبولة لإثبات ما إذا كان حامل الذكريات يقول الحقيقة أم لا، فمثلاً إذا كان هناك متهم بجريمة تودي به إلى الإعدام وهو ينفي علاقته بها، يمكن أن يتم وضعه تحت هذا الاختبار لتقييم ما إذا كان يكذب أو لا.

تبعاً لـ (زادور)، فإنه سيكون أمراً رهيباً أن يعيش الشخص في مجتمع يمكن فيه لأي أحد أن يقرأ ذاكرة الأشخاص الآخرين، ولكن على المدى الطويل، فإن هذه العملية يمكن أن تكون المفتاح لحل أحد أكبر الأسرار في علم الأعصاب، والذي يدور حول الكيفية التي يتم فيها ترميز الذكريات، فإذا ما استطاع العلماء معرفة ذلك، فإنهم سيكونون قادرين على بناء أشكال من الذكاء الاصطناعي التي تعمل على المبادئ ذاتها التي يعمل عليها الإنسان.

نهاية، على الرغم من أن رسم خريطة لذكريات البشر قد لا يكون أمراً ممكناً في الأفق القريب، إلّا أن تطوير مثل هذه العملية بين الحيوانات الأخرى تعتبر خطوة هامة نحو الأمام للوصول إلى هذا الهدف، حيث أن القدرة على تحليل أشكال أمراض معينة مرتبطة بالجسم المخطط يمكن أن تؤدي إلى إيجاد علاجات مختلفة جذرياً لمجموعة واسعة من الأمراض والإدمان، مما سيؤدي إلى تغيير وجه عالمنا إلى الأبد.