خبر موت حل الدولتين: استعدوا لانتفاضة ثالثة ..جون وايت*

الساعة 12:45 م|31 مارس 2015

تجعل إعادة انتخاب « بيبي » نتنياهو من أفق اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة أكثر احتمالاً من أي وقت مضى. وعندما تندلع هذه الانتفاضة فعلاً، فسيتطلب وفرة من التفاؤل ليعتقد المرء بأنها لن تحظى بتأييد واسع بين الفلسطينيين بالقدر الذي حظيت به الانتفاضة الأولى (1987-1991)، وبأنها لن تكون عنيفة على غرار الانتفاضة الثانية (2000-2005).

لطالما خذل ما يدعى المجتمع الدولي، المكون من واشنطن وحلفائها الأوروبيين، الشعب الفلسطيني بطريقة بائسة على مدى السنوات حتى الآن. وفي المقابل، ثمة استرضاء وضيع لا يفتر لإسرائيل، والذي ظل يميز كل سياسة الغرب تجاه الشرق الأوسط، وقد نجح ذلك فقط في خلق وحش في شكل ثقافة متعنتة، رافضة ووحشية، والتي تتمتع بتأثير كبير. وهي ثقافة ترتكز على التجاهل الواضح للقانون الدولي وحقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بما يقرب من 3 ملايين إنسان في الضفة الغربية المحتلة، ونحو 1.8 مليون في غزة التي ما تزال حتى كتابة هذه السطور كومة من الأنقاض بعد الاعتداء الإسرائيلي الجوي والبري والبحري الذي تعرضت له في صيف العام 2004، والذي ذُبح فيه نحو 2.100 فلسطيني -نحو 500 منهم من الأطفال- وما وصل إلى 9.000 من الجرحى والمشوهين -الكثير منهم بشكل دائم.

ما تزال غزة رازحة تحت الحصار، مغلقة بإحكام عن العالم الخارجي، ويشكل سكانها ومعاناتهم رمزاً لنفاق ولامبالاة النظام الدولي الذي لا يكون الدم الفلسطيني بمقتضاه رخيصاً فقط، وإنما بلا قيمة على الإطلاق، في حين ما تزال الاستثنائية الإسرائيلية فكرة مقدسة.

لا ينبغي أن ينخدع أحد بالحديث عن القطيعة بين إدارة أوباما ونتنياهو. إن الرئيس، كما يعرف العالم كله الآن، يضع نتنياهو في مكان ما بين الازدراء والاشمئزاز فيما يتعلق بمشاعره نحوه. والإهانة المبيتة التي تلقاها الرئيس من رئيس الوزراء الإسرائيلي عندما خاطب الكونغرس الأميركي قبل بضعة أسابيع؛ حيث حاول نتنياهو تقويض المحادثات الجارية بين مجموعة (5+1) وإيران في سويسرا، لا يمكن أن تكون أكثر إيلاماً. وقد قللت من شأن كل من سلطة الرئيس في واشنطن، ومن تأثيره في الخارج على حد سواء.

كما تميزت الانتخابات الإسرائيلية التي أعقبت ذلك بالحضيض الجديد الذي ذهب إليه نتنياهو من أجل التقاط ما يكفي من الأصوات ليحقق الفوز. وقد تدفق التحريض المثير للذعر، وخطاب الترويع، والعنصرية الصفيقة من بين شفتيه في الفترة التي سبقت الانتخابات، وعلى نحو لم يترك أي شك في أن نتنياهو يشكل، إلى جانب ما يدعى « الدولة الإسلامية »، أكبر تهديد للاستقرار في المنطقة.

ولكن، مع كل هذا -ورغم المكالمة الهاتفية التي ذكرت التقارير أنها جرت بين أوباما ونتنياهو بعيد إعادة انتخاب رئيس الوزراء الإسرائيلي، والتي أخبره أوباما خلالها بأنه سيعمد إلى « إعادة تقييم » سياسته تجاه إسرائيل في البيت الأبيض في أعقاب تصريحات نتنياهو ما قبل الانتخابات، والتي أنكر فيها آفاق حل الدولتين، فإن سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل ليست على وشك الخضوع لأي إعادة توجيه يعتد بها في أي وقت قريب.

خلال مقابلة مع « هافينغتون بوست »، أكد أوباما أنه رغم خلافاته مع السيد نتنياهو، فإن المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل، والتي تصل قيمتها إلى 3 مليارات جنيه إسترليني في السنة، لن تتأثر. وهنا بالضبط تكمن المشكلة، لأنه حتى الوقت الذي تتوافر فيه واشنطن على الرغبة في معاقبة سياسات نتنياهو واليمين الإسرائيلي الرفضوية، بالتهديد بوقف المساعدات، فإن فرص حدوث تحول في السياسة المذكورة ستكون أقل من صفر.

كان عجز إدارة أوباما قد تكشف خلال هذين الأسبوعين الأخيرين. ويعرف التحالف المضاد لأوباما، الذي يتكون من جمهوريي الكونغرس وحزب الليكود، أن سيناريو أسوأ الحالات يتضمن الانتظار لبقية السنة من ولاية أول رئيس أسود. في حين أن سيناريو أفضل الحالات، وهو الأكثر احتمالاً بكثير، سيشهد أوباما وهو يجبن، كما جبن دائماً، عندما يتعلق الأمر بإسرائيل والفلسطينيين. وسواء كان الأمر يتعلق بالتوسع الاستيطاني، والضم المتواصل للقدس الشرقية، أو غزة، أو اتخاذ خطوات ذات معنى في اتجاه تحقيق حل الدولتين، فقد كان نتنياهو يعزف دائماً على الرئيس وكأنه يعزف على كمان خلال السنوات القليلة الماضية.

وهكذا، لا يعدو الكثير من حل الدولتين الذي تكثر الثرثرة عنه كونه إشاعة كاذبة. ليس ثمة إمكانية لحل الدولتين، كما يعرف نتنياهو تماماً. وسوف يشكل أي حديث يحاول الاقتراب من تسويق دولة فلسطينية تضم ما تبقى من الضفة الغربية، والقدس الشرقية وغزة، إهانة للذكاء الجمعي للشعب الفلسطيني. إن ما لدينا الآن هو دولة واحدة مفردة بحكم الأمر الواقع، والتي ينظر فيها إلى نحو 4.8 مليون شخص يعيشون فيها ويعاملون كما لو أنهم أقنان إسبارطة القديمة. وبذلك، لا يمكن الأمل بإحراز أي تقدم يعتد به إلا إذا تم إجبار إسرائيل على الامتثال للقانون الدولي وحقوق الإنسان. ويجب أن يأخذ ذلك الإجبار شكل العقوبات الاقتصادية.

لعل القضية الوحيدة التي يرجح أن يتمكن الرئيس أوباما فيها من هزيمة الزعيم الإسرائيلي في الوقت الحالي هي إيران. ويبدو أن المحادثات الأخيرة في سويسرا قد أحرزت تقدماً مهماً، والذي أفضى، إلى جانب نفور الدول الأخرى المشاركة في تلك المحادثات من نشر القوة الصلبة ضد إيران، إلى دفع نتنياهو وحلفائه في واشنطن إلى مزيد من العزلة باعتبارهم رجال الأمس.

كل هذا يترك الفلسطينيين في وضع لا يتوقع منهم فيه أحد أن يستمروا في تحمل الظلم الذي يميز وجودهم لفترة أطول من دون حدوث انفجار. نعم، إن حملة المقاطعة الدولية ضد إسرئيل تنمو، وقد سجلت بعضاً من النجاحات الملحوظة على مدى السنوات الماضية. لكنه يمكن في هذه المرحلة مع ذلك أن يُغفر للفلسطينيين اعتبارهم أنفسهم متروكين لمصيرهم وحدهم بدرجة أو بأخرى.

ثمة انتفاضة ثالثة قادمة على الطريق نتيجة لهذا -وعندما تصل، يجب أن لا تساور واشنطن وحلفاءها أي شكوك في أنها جاءت كنتيجة مباشرة لضعفهم، ومعاييرهم المزدوجة، وغدرهم.

إن قضية الشعب الفلسطيني تشكل قضية الإنسانية كلها في عصرنا. أما كل شيء آخر، فزخرفة على جوانب الطريق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كاتب، ومؤلف كتاب « مذكرات هوليوود: الأحلام التي تموت ». كما كتب خمس روايات أخرى.