خبر منطق المقاطعة - هآرتس

الساعة 01:03 م|27 مارس 2015

فلسطين اليوم

منطق المقاطعة - هآرتس

بقلم: عميره هاس

 (المضمون: مهما كانت اسباب المقاطعة الفلسطينية للمنتوجات الاسرائيلية فهي تشكل التعبير الفردي والعنيف لمشاعر الغضب والكراهية الطبيعية والمحقة للمحتل، وتشير الى تغييرات في المناخ السياسي الداخلي الفلسطيني - المصدر).

البقالات والسوبرماركتات الفلسطينية يتم تفريغها من منتوجات « تنوفا » و« أوسم ». أكثر من الاقتناع بأن عليهم مقاطعة هذه الشركات الاسرائيلية وشركات اخرى لاسباب وطنية، فان أصحاب البقالات والتجار يقومون بذلك نظرا لأن عدد من الزعماء الفلسطينيين وجنودهم المخلصين من فتح أحرجوهم علنا.

قبل نحو ثلاثة اسابيع ونصف أعلنت « اللجنة الوطنية للرد على وسائل العقاب الاسرائيلية » عن حملة مقاطعة لمنتوجات خمس شركات اسرائيلية ما دامت اسرائيل تحتجز اموال الضرائب الفلسطينية التي تجبيها في المعابر. اللجنة برئاسة أحد زعماء فتح، محمود العالول، أعطت مهلة اسبوعين لتنظيف الرفوف. الآن وبعد أن سخر البعض من ربط العملية باعادة الاموال، أُعلن أن المقاطعة ستكون دائمة. اللجنة ليست لجنة حكومية، وللمقاطعة ليس هناك صلاحية قانونية – خلافا لمقاطعة منتوجات المستوطنات المنصوص عليها في قرار حكومي رسمي (متابعها توقفت في غياب الرغبة أو الاموال، ويتم تطبيقها جزئيا).

في نهاية الاسبوعين تجول اعضاء اللجنة بين عدة بقالات مصحوبين بوسائل الاعلام – بمن فيهم صحفيون اسرائيليون – وأحرجوا من كانوا يبيعون علنا. في يوم الاثنين الماضي قام شباب من فتح بمصادرة شاحنة تحمل حليب « تنوفا »، بما يعادل عشرات الآلاف من الشواقل، وسكبوا الحليب في وسط ميدان المنارة في رام الله. ثلاثة صهاريج مياه للبلدية استُدعيت لتنظيف الميدان (على الأقل 30 متر مكعب من السائل الثمين). عدد من المارة سارعوا الى انقاذ القليل من علب الحليب. عند سؤال الشباب لماذا لا يتم توزيع الحليب المصادر على مخيمات اللاجئين مثلا بدلا من سكبه أجاب الشباب من فتح بأنهم لو قاموا بذلك لكانوا اتهموا بأنهم سرقوا الحليب لصالحهم.

من ناحية مبدئية يوجد دعم لخطوة مقاطعة المنتوجات الاسرائيلية: سواء من اجل تشجيع الصناعة الفلسطينية أو من اجل ارسال رسالة الى اسرائيل والاسرائيليين بأن الامور ليست على ما يرام. لكن طريقة الأداء العنيفة للجنة الوطنية ولشباب فتح المنفذين، أثارت الانتقاد والغضب. « هذه هي المرة الاولى التي يُمس فيها زعماء فتح من خطوات العقاب الاسرائيلية (تقليص الرواتب بسبب تأخير دفع الجمارك)، لهذا فقد قرروا العمل ». كان هذا هو التفسير الانتقادي الذي أعطاه نشطاء قدامى في الحركة. كما قالوا: « فتح وزعماؤها دُفعوا الى الهامش وهم يبحثون عن أي وسيلة للبروز ». كان هناك ايضا من سألوا السؤال الذي لا يمكن منعه « هل تنازلوا عن بطاقات الشخصيات الهامة الخاصة بهم؟ »، البطاقات التي تمنحها اسرائيل لهم وتعطيهم بموجبها تسهيلات في الحركة. كما أن هناك تبرير آخر لعمل اللجنة سمعته من عدد من الشباب (لا حاجة لتخويفهم من اجل أن يقاطعوا منتوجات « الكيان الصهيوني »)، حسب أقوالهم. الهدف الخفي هو التسبب بانهيار الشركات المسوقة وجلب أخرى لمقربين بدلا منها. اذا كان هذا التوضيح لعملية « اللجنة الوطنية » لا أساس له – فانه يوضح كم هي عميقة الشكوك تجاه الطبقة التي تمثلها. ربما يفضل للزعماء الذين يقاطعون البدء بادخال اعتبارات الصحة: الشرح بأن حليب الابقار – وخصوصا المليء بالهرمونات – غير صحي، وأن « البامبا » المشبعة بالزيوت والملح هي من الكماليات.

أحد قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الذي اجتمع الاسبوع الماضي في رام الله كان مقاطعة كل المنتوجات الاسرائيلية. هذا قرار فارغ ورجال الاقتصاد في السلطة يعرفون ذلك جيدا. صحيح، يمكن التنازل عن الكثير من المنتوجات، (من بربك يحتاج الشوكولاتة والعلكة الاسرائيلية أو المياه المعدنية من الجولان وعين جدي؟). ويمكن – في اطار بروتوكول باريس المقيد – استيرادها مباشرة من الخارج، وليس عن طريق المستوردين الاسرائيليين. لكن هناك عدد من المنتوجات ليس لها بديل واستيرادها من الخارج سيرفع سعرها. ماذا عن اللحوم، على سبيل المثال؟ 97 بالمئة من اللحوم والدجاج التي يستهلكها الفلسطينيون – يتم شراؤها من اسرائيل، قال لي أحد رجال الاقتصاد الفلسطينيين. سنرى الفلسطينيون يتنازلون عن اللحوم ويتحولون الى نباتيين فورا. كل نشاطات المقاطعة حتى الآن لمنتوجات اسرائيلية (بما في ذلك من المستوطنات)، قال لي رجل الاقتصاد، لم تقلص حجم الاستيراد الفلسطيني من اسرائيل بأكثر من 5 بالمئة.

رغم أن التخلي عن اغلبية المنتوجات الاسرائيلية لن يهز الاقتصاد الاسرائيلي، فان نشاطات المقاطعة مهمة. المقاطعة تُمكن من المشاركة الواسعة للاشخاص في نشاطات العصيان، بدون تحريك حجر أو اطلاق رصاصة. الاحتلال العسكري الاستيطاني القاسي يدس يده في كل زاوية وجزء من حياة الانسان ويشوشها: من الميلاد وحتى الموت وما بعده. ليس هناك امكانية للرد بصورة منفردة على كل عملية تشويش عنيفة كهذه. المقاطعة تحول مشاعر الغضب الى نشاطات جماهيرية، الكراهية والرغبة في الانتقام طبيعية ومفهومة.(الامر المفاجيء هو الى أي درجة هي قليلة التعبيرات الشخصية والعنيفة لتلك المشاعر المحقة والطبيعية والمفهومة). مهما كانت الدوافع، فان مبادرة اولئك الزعماء الى المقاطعة (صدى لمبادرات شعبية، غير رسمية) تشير الى تغييرات في المناخ السياسي الداخلي الفلسطيني. وهي بالتأكيد ليست نهاية الكلام.