خبر النتائج الفلسطينية للانتخابات الإسرائيلية ..عدنان أبو عامر

الساعة 07:54 ص|23 مارس 2015

وأخيرا.. حققها « بنيامين نتنياهو » ليصبح رئيس الحكومة الإسرائيلية للمرة الرابعة في حياته، ويعيد نموذج « دافيد بن غوريون » أول رئيس حكومة في إسرائيل، ويستحق بجدارة اللقب الذي كان يتمناه « ملك ملوك إسرائيل »، وهو ما كان وقعه سلبيا على السياسة الفلسطينية التي لم تتوقع في أشد كوابيسها حلكة أن يعود « نتنياهو » مجددا لمقعد رئيس الحكومة، وكأنه ذو « الأرواح السبعة » بعد أن تراجعت حظوظه في الفوز حتى الساعات الأخيرة للاقتراع!

مفاجأة غير سارة

لم يكن سرا أن الفلسطينيين بمختلف مشاربهم السياسية وتوزيعاتهم الجغرافية كانوا يعولون على تراجع اليمين الإسرائيلي عن المشهد السياسي، وهم يشتركون في هذه الأمنية مع أوساط إقليمية ودولية، وصلت ذروتها في البيت الأبيض، الذي سعى بقوة لا تخطئها العين لأن يشرب نخب فوز « المعسكر الصهيوني »، لكن رياح « نتنياهو » أتت بما لا تشتهي سفن « أوباما »، لاسيما مع المواجهة الأخيرة بينهما قبيل أيام قليلة من الذهاب إلى صناديق الاقتراع.

المفاجأة الأكثر في نتائج الانتخابات الإسرائيلية أن « نتنياهو » فاز، لكن معسكر اليمين خسر، وهنا معضلة جديدة قد تواجه الفلسطينيين تتمثل بوجود إسناد إسرائيلي لخطوات الرجل السياسية والعسكرية، رغم ما قيل عن إخفاقاته وأخطائه، لكن نظرة تقييمية أولية لمنافسيه، جعلت الناخب الإسرائيلي يختاره وهو صاحب الكاريزما المطلوبة إسرائيليا، ويفضله على سواه، من المرشحين ذوي الحظوظ الضعيفة.

هنا يحق للرجل « نتنياهو » أن يفاخر بأنه تجاوز كل التقديرات، وفاجأ كل الأوساط، وأفشل جميع ما قال إنها « مؤامرات » داخلية وخارجية لإسقاطه، لكنه عاد مجددا، ولعل خطاب « الانتصار » الذي ألقاه بعد ساعتين من إعلان النتائج الأولية أظهر حجم الزهو بنفسه، والمضي قدما في برنامجه اليميني: سياسيا وأمنيا!

انتفاضة في الضفة

يجوز لنا التكهن بأن بيت عزاء أقيم في مقر الرئاسة الفلسطينية برام الله عقب إعلان فوز « نتنياهو »، لأن السلطة عولت كثيرا على عودة الوسط وما تبقى من اليسار الإسرائيلي، وهم رفاق التسوية وشركاء « أوسلو »، ولعل الأزمة القائمة مع الحكومة الإسرائيلية عقب ذهاب الفلسطينيين للمؤسسات الدولية كانت جزءا من توجه فلسطيني رسمي لإحراج اليمين الحاكم في تل أبيب، لتمهيد الطريق أمام الناخب لاختيار المعسكر الصهيوني.

بل إن ما تسرب من وراء الكواليس يؤكد أن السلطة كانت عاقدة العزم على تجميد خطوتها لتدويل القضية الفلسطينية في حال وصول « هرتزوغ-ليفني » إلى سدة الحكم في إسرائيل، على اعتبار أننا سنفتح صفحة جديدة، في ظل ترحيب عربي ودولي بالتيار المنافس لـ« نتنياهو ».

الآن، وقد باءت الجهود الفلسطينية بالفشل، وعاد « نتنياهو » لترؤس ائتلاف يميني متطرف، فهل تعود « ريما لعادتها القديمة »؟ وهل سنشهد استمرارا للأزمة السياسية الطاحنة بين السلطة وإسرائيل، بدءا بمواصلة السلطة مساعيها للانضمام للمؤسسات الدولية، وصولا لاستمرار تجميد إسرائيل لأموال الضرائب، وانتهاءً بقرار وقف التنسيق الأمني مع الجيش الإسرائيلي، وكل ذلك يعني إمكانية اندلاع انتفاضة شعبية عارمة في الضفة الغربية؟

لا أحد يمتلك في هذه اللحظات الإجابة القاطعة عن هذه التساؤلات المفصلية، لكن من الواضح أننا أمام فترة تاريخية عصيبة، قد تقرر مصير عملية التسوية، خاصة وأن راعيها الأميركي لا يمتلك « كيمياء إيجابية » مع صانع القرار في تل أبيب، فضلا عن انشغاله بملفات إقليمية ودولية عاجلة لا تقبل الانتظار، وهو ما يرجح فرضية ترك الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، يديران الصراع بينهما، على نار هادئة، دول الوصول لمرحلة الحسم الميداني، واستمرار « كيري » رئيس الدبلوماسية الأميركية في عمله كـ« طفاية حرائق » بين رام الله وتل أبيب!

حرب في غزة

حماس في غزة ليست أفضل حالا من السلطة في الضفة، صحيح أنها لا تعول كثيرا على معسكر سياسي بعينه في إسرائيل، وتتمسك بما تعلنه في كل انتخابات إسرائيلية بأنهم جميعا أعداء للشعب الفلسطيني، الفرق بينهم أن أحدهم يقتلنا برصاصة، وآخر يذبحنا بسكين، لكنها أصيبت بخيبة أمل واضحة من الفوز المجدد لـ« نتنياهو ».. لماذا؟

رغبت حماس بقوة أن تكون حرب غزة الأخيرة هي الوصفة السحرية لسقوط « نتنياهو » المدوي في الانتخابات الأخيرة، تأكيدا لما كانت تردده خلال يوميات الحرب بأن « غزة باقية ونتنياهو سيسقط »، لكن نجاح الرجل، قد يحرم حماس من المفاخرة بأدائها العسكري في تلك الحرب، والدليل أن الجمهور الإسرائيلي اختار المرشح الأقوى الذي يرى فيه كفاءة لمواجهة مخاطر حماس المتنامية في غزة وعلى حدود إسرائيل الجنوبية.

أما وأن الفوز قد تحقق لـ« نتنياهو » فإن حماس تبدو في حالة إعادة النظر في تقديراتها العسكرية، أو هكذا يجب أن يكون على الأقل، على اعتبار أن فوز عدوها اللدود يعني ضمنيا تفويضا إسرائيليا بتكرار الحرب مجددا ضدها في غزة، رغم ما عاناه الإسرائيليون من تبعات تلك الحرب التي استمرت خمسين يوما.

خيار الحرب ليس بالضرورة السيناريو الوحيد الماثل أمام حماس عقب فوز نتنياهو، وتشكيله للحكومة الجديدة، بل إن هناك بديلا آخر يتمثل بتشديد الحصار، والإبقاء على السياسة الإسرائيلية القديمة الجديدة « غزة لا تحيا ولا تموت »، وهو يزيد من عمق الأزمة الإنسانية المعيشية في القطاع، خاصة بالتنسيق الإسرائيلي المصري، ولا يدفع ثمنها سوى مئات آلاف الفلسطينيين الذين أعادتهم ظروف الحصار عقودا طويلة إلى الوراء منذ ثماني سنوات دون تغيير إلا إلى الأسوأ!

هنا يفسح المجال لقراءة خيارات حماس التي تتراوح بين تفجير الموقف في غزة ضد إسرائيل، وما يعنيه من عودة حرب ستكون أكثر شراسة ودموية، ولن تضمن نتائج أفضل مما حققته الحرب السابقة، وبالتالي فهو خيار مكلف دون جدوى، أو ذهاب حماس لخيارات أقل كلفة تتمثل بالبحث عن صفقة ما بمشاركة فلسطينية إسرائيلية إقليمية دولية.

صفقة محتملة

القراءة الأولية لنتائج الانتخابات الإسرائيلية تمنحنا الثقة للتنبؤ بأننا أمام حكومة يمينية بشقيها: دينية وقومية، تسير على درب الحكومة السابقة، ما يعني أننا قد لا نشهد انقلابا دراماتيكيا في برامجها السياسية تجاه الفلسطينيين في ضوء حالة الانسجام بين مكوناتها المحتملة من أحزاب: « الليكود، البيت اليهودي، يسرائيل بيتنا، شاس »، بل إن المجال سيكون متاحا لمزاودات حزبية، أيهم يضغط على الفلسطينيين أكثر.

ومع ذلك، فإن الأزمة الإسرائيلية الأميركية القائمة قد تتطلب من « نتنياهو » التراجع خطوة للوراء للقفز عشر خطوات إلى الأمام، بلغة العسكر، فالرجل بحاجة لأن يكون أكثر انخراطا في التحالف الإقليمي والدولي ضد « تنظيم الدولة »، وبحاجة أكثر لمواجهة الملف النووي الإيراني، والرغبة بأن تكون إسرائيل جزءا مفصليا في أي حل للمعضلة السورية، ولن يستطيع التقدم بكل هذه الملفات دون وجود تفاهمات ثنائية مع البيت الأبيض.

صحيح أن الكيمياء الشخصية بين « نتنياهو وأوباما » لا تمر بأحسن أحوالها، لكن الاثنين معا يحفظان عن ظهر قلب مقولة « تشرشل » بأن السياسة لا تعرف الصداقات والعداوات الدائمة، بل تفهم المصالح الدائمة، وكل ذلك قد يعطينا تقدير موقف بأن « نتنياهو » قد يقدم « رشوة » للأميركيين للتقدم « الشكلي » في الملف الفلسطيني بشقه « السلمي »، من خلال الإفراج عن أموال الضرائب الفلسطينية، مقابل تجميد السلطة لإجراءاتها الدبلوماسية ضد إسرائيل.

« نتنياهو » يسعى من إدارة العلاقات العامة المتوقعة مع واشنطن لتعزيز انخراطه في الملفات الإقليمية الأكثر أهمية لديه، بعد أن يتفق مع الأميركيين على الخطوط العامة على مستقبل الصراع مع الفلسطينيين على المدى القصير، بحيث يكسب الـ18 شهرا القادمة من إدارة « أوباما » بأقل الخسائر مع الحليف الأكبر.

أخيرا.. لم يتوقع الفلسطينيون من « هرتزوغ » الخصم اللدود لـ« نتنياهو » أن يفرش لهم الأرض ورودا، وهم ليسوا بوارد المفاضلة بين صهيوني وصهيوني، بين قاتل يطلق عليهم الرصاص وآخر يذبحهم بالسكين، لكن فوز الأخير شكل لهم صدمة حقيقية على اختلاف توجهاتهم، لأنه يعني تضييعا لسنوات قادمة من أجيالهم إن استمر الوضع على حاله، وهو ما يفرض عليهم تحديا كبيرا بالتوصل إلى سياسة موحدة تواجه « ملك ملوك إسرائيل »!