خبر المخاطر التي تسببها صبغات الشعر

الساعة 08:27 م|21 مارس 2015

فلسطين اليوم

دائماً ما كانت المرأة في سعي دؤوب للبحث عن الجمال، ولهذا فإن الكثيرات منهن يقمن بتغيير مظهرهن من فترة إلى أخرى سواء أكان ذلك عن طريق تغيير طريقة اللباس أو عن طريق تغيير لون الشعر أو غيرها من الطرق، وإن تغيير لون الشعر غالباً ما يتم عن طريق استعمال الصبغة، وخاصة إذا ما كان هناك بعض الشيب الذي قد بدأ يتسلل إلى الشعر، إلّا أن صبغات الشعر هذه قد تسبب العديد من المشاكل التي لا تحمد عقباها، مثل الإصابة بالتقرحات المترافقة مع الحساسية وغيرها من أمراض الطفح الجلدي.

إن عملية صبغ الشعر لا تعد من ظواهر العصر الحديث، حيث تبين أن الإنسان كان يصبغ شعره منذ آلاف السنين، وكان يحاول دائماً القيام بالعديد من التجارب المتغيرة باستمرار، والتي غالباً ما تكون قاسية، للوصول إلى أفضل صيغة للحصول على لون شعر جديد، ولكن التاريخ الكيميائي الحديث لصبغات الشعر يكشف عن أنها تحوّلت من صناعة مبتكرة إلى صناعة تقليدية، حيث توقف التقدم البشري في هذا المجال وأصبحت هذه الصناعة تعتمد على الأساليب التقليدية.

إن فهم الأصباغ المستخدمة على الشعر ليس ببساطة فهمنا للألوان العادية، فنحن نعلم أنه يمكن الحصول على أي لون عن طريق خلط الألوان الأساسية الثلاثة – الأحمر والأصفر والأزرق- أما إذا كنا نريد الحصول على اللون البني، فعلينا عندها مزج الألوان الثلاثة جميعها معاً، ولكن في مجال تلوين الشعر فإن الأمر يختلف، فإذا أردت الحصول على اللون البني للشعر سيكون عليك خلط مادتين من المواد الكيميائية، وكلا المادتين تكونان عديمتي اللون، ولكنهما تنتجان اللون البني من خلال تفاعل كيميائي يحدث عندما يتم الجمع بينهما.

هناك فرق كبير مهم بين اللون والصبغة، حيث أن مصففي الشعر لا يقومون بتطبيق الأصبغة على الشعر – على الأقل ليس في حالة صبغة الشعر الدائمة – بل هم يقومون بتطبيق خليط من المواد الكيميائية للبدء بتشكيل الصبغة، كما أن جزيئات الصبغة يجب أن ترتبط معاً قبل أن تكون قادرة على إعطاء اللون للشعر، لذلك يجب أن يبقى الصباغ على الرأس لمدة 30 دقيقة حتى يحدث التفاعل، ولفهم هذا الأمر بطريقة أفضل لا بد من العودة إلى أصل اختراع الصبغات الكيميائية.

في منتصف القرن التاسع عشر، قام الكيميائي الإنجليزي (وليام هنري بيركن) باختراع  أول صبغة غير طبيعية عن طريق المصادفة، وذلك باستخدام قطران الفحم، حيث أنه كان يأمل بأن ينتج الكينين وهي مادة شديدة المرارة تستخدم كعلاج للملاريا، إلا أنه عوضاً عن ذلك قام بابتكار الصباغ البنفسجي وكان هذا الاكتشاف ثورة في صناعة الغزل والنسيج كما أن أطلق صناعة البتروكيماويات، ومن بعد ذلك اليوم لم تعد الأصباغ الطبيعية قادرة على مواجهة الأصبغة الكيميائية من ناحية ثبات اللون أو لجهة استمرارية اللون.

بعد ذلك بوقت وجيز، اكتشف (أغسطس هوفمان) وهو أستاذ (بيركن) في الكيمياء، أن الصبغة التي أوجدها (بيركن) من قطران الفحم تشكل اللون عند تعرضها للهواء، وأن الجزيء المسؤول عن هذا الأمر يدعى ديامين شبيه الفينيلين، أو (PPD)، والذي أصبح فيما بعد أساساً لمعظم أصباغ الشعر الدائمة.

على الرغم من أن الشعر هو في الأساس عبارة عن  ألياف بروتينية، مثل الصوف، إلّا أن عملية صباغ المنسوجات لا يمكن تطبيقها على الرأس، كون تطبيق اللون على المنسوجات (الصوف مثلاً) يتطلب غليها أولاً في محلول حمضي لمدة ساعة، وباعتبار أن هذا الأمر لا يمكن تطبيقه على الرأس، تم الاستعاضة عنه باستخدام مادة الأمونيا الكيميائية، فهذه المادة تعمل على فصل طبقات البروتين الوقائية، مما يسمح لمركبات الصبغة باختراق جسم الشعر والوصول إلى الصباغ الكامن فيها، وهو الميلانين.

إن مادة الميلانين هي التي تعطي اللون لجلد الإنسان وعينيه وشعره، وما يحدد الفروق في تلك الألوان بين البشر هي النسبة بين نوعين من الميلانين – الأسود (Eumelanin) والأحمر (pheomelanin)، كما أن حجم وشكل جزيئات الميلانين التي تتجمع في جذع الشعرة هو ما يعطي اللون الفريد للشعر، فعلى سبيل المثال، الشقراوات والسمراوات لديهن النسبة ذاتها من جزيئات الأسود (Eumelanin) وجزيئات الأحمر (pheomelanin)، ولكن الشقراوات يكون لديهن عدد أقل من الجزيئات بشكل عام، كما ويكون حجم جزيئات الملانين في الشعر الأشقر الطبيعي أصغر، وتعمل الجزيئات الصغيرة على عكس الضوء أكثر من الحزيئات الكبيرة الحجم من الميلانين التي توجد في الشعر الداكن.

إلى جانب استخدام مادة الأمونيا، فإن صباغ الشعر يحتوي أيضاً على بيروكسيد الهيدروجين، وهو عامل يؤدي إلى تبييض الشعر، ويستخدم البيروكسيد في الصباغ لهدفين أساسيين، فهو يتفاعل مع الميلانين في الشعر، مما يؤدي إلى تخفيف حدة اللون الطبيعي، كما أنه يثير رد فعل بين جزيئات الـ (PPD)، وبهذا ستبقى الجزيئات التي ينبعث منها اللون محاصرة في الشعر، لأنها ستكون كبيرة جداً للخروج منه، ولن يظهر اللون الطبيعي للشعر إلّا بعد نموه.

يعتبر الـ(PPD) من المواد الكيميائية الخطيرة، كون استعماله يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية حقيقية، كون العملية الكيميائية التي يعمل بها الـ(PPD) تقوم على قيام جزيئات اللون في هذه المادة على إزاحة الإلكترونات من الشعر حتى تتمكن من إعطائه اللون البني، ولكن باقي مكونات الصبغة لا تعمل بهذه الطريقة، وبالتالي فإن جزيئات الـ(PPD) تعمل حينها على التأثير على فروة الرأس، مما قد يسبب الحساسية، أو قد يسبب التلف بالحمض النووي.

مؤخراً أدرك الكيميائيون أنه إذا ما تم إضافة جزيء ثانوي، يدعى (الواصل) فإنه يمكن أن يحل محل الـ (PPD)، كونه يستطيع أن يتلاعب في المواد الكيميائية، كما أنه يضاعف خيارات اللون التي يوفرها الـ(PPD) لوحده، ولكن العاملين في مجال التجميل لم يتقبلوا بعد استخدام أي صيغة لصبغات الشعر لا تدخل في تركيبها مادة  الـ(PPD).

الجدير بالذكر بأن إدارة الأغذية والعقاقير كانت قد أجبرت مصنعي صبغات الشعر على وضع تنبيه على منتجاتهم يشير إلى أن تلك المنتجات تحتوي على مواد تخترق الجلد وقد تؤدي للإصابة بالسرطان، كما أن هناك بعض الأبحاث التي أشارت إلى المخاطر المحتملة التي قد تسببها الأصباغ، ففي عام 2001، نشر باحثون من جامعة جنوب كاليفورنيا بحث يفيد بأن النساء اللواتي يكثرن من صبغ شعرهن، كان إحتمال إصابتهن بسرطان المثانة ضعف النساء اللواتي لا يستخدمن الصبغة.

ولكن في المقابل يؤكد العلماء العاملين في مجال صناعة صبغات الشعر أنه لا يوجد دراسات وبائية تؤكد ازدياد خطر الإصابة بالسرطان بين الأشخاص الذين يصبغون شعرهم، إلا إذا تم الأخذ بعين الاعتبار السكان الذين يتعرضون لصبغات الشعر كل يوم، حيث أن مصففي الشعر، قد يكونوا أكثر عرضة للإصابة بسرطان المثانة بنسبة 5 % من عامة السكان.

أخيراً، وبعد التعرف على جميع هذه المخاطر التي يمكن أن تسببها صبغات الشعر، يتبادر إلى أذهاننا السؤال التالي، هل من المجدي أن نستعمل صبغات الشعر الكيميائية ؟ وهل ستقومين سيدتي بتعريض نفسك لخطر الإصابة بالسرطان أو بالأمراض الخطيرة التي قد تسببها هذه المادة الكيميائية على فروة الرأس؟ ألا يجدر بكِ الاتجاه نحو استعمال الصبغات الطبيعية مثل صبغات الحنة والرمان؟