خبر « كسر الصمت »: حكاية سرايا القدس والعشرون دقيقة

الساعة 11:16 ص|12 مارس 2015

فلسطين اليوم

اعتاد الاحتلال الصهيوني استهداف قطاع غزة في سلسلة خروقات منذ عدة أشهر على صعيد اغتيال المقاومين وعمليات التوغل والقصف الجوي لمواقع المقاومة في وقت لم ترد فصائل المقاومة للحفاظ على التهدئة. عملية كسر الصمت التي أطلقتها سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين نجحت في استعادة قواعد لعبة الردع مع الاحتلال « الإسرائيلي » التي كانت قائمة خلال السنوات الفائتة على فكرة أي خرق « إسرائيلي » للتهدئة يقابل برد فعل فلسطيني وهو ما حدث في كسر الصمت.

ورأى خبراء عسكريون أن عنصر المفاجأة الذي استخدمته سرايا القدس في « كسر الصمت » قلبت الموازين ونجحت في استعادة قواعد اللعبة مع العدو « الإسرائيلي » وجعلته يتخبط ويدخل في حيرة وقلق، مؤكدين على أن تطور قدرات المقاومة في هذه المعركة كان بإخفاء مواقع إطلاق الصواريخ، وعدم تحديد الجيش « الإسرائيلي » لها، إضافة إلى عدم وقوع إصابات في مجاهديها.

وكانت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي أطلقت معركة « كسر الصمت » والتي يصادف ذكراها الأولى اليوم الخميس (12/3) رداً على اعتداءات الاحتلال « الإسرائيلي » ضد قطاع غزة، مستهدفة المستوطنات المحيطة بالقطاع بأكثر من 130 صاروخا وقذيفة.

السرايا تفاجئ العدو

من جهته، شدد الخبير العسكري يوسف الشرقاوي في حديث خاص لـ« الاعلام الحربي » أن عنصر المفاجأة الذي استخدمته سرايا القدس في « كسر الصمت » جعل قيادة العدو « الإسرائيلي » في حيرة، منوهاً إلى أن المقاومة لا بد أن يكون لديها مفاجئات متتالية للعدو حتى تحسم المعركة لصالحها كما في معركة كسر الصمت والبنيان المرصوص.

وأشار الشرقاوي إلى أن « كسر الصمت » أعطت رسالة لـ« إسرائيل » أن المقاومة من الممكن أن تقبل بالتهدئة وأيضاً تستطيع أن ترد على أي عملية اغتيال متى شاءت، موضحاً أن هذه المعركة أدخلت قاعدة جديدة على نمط المقاومة من خلال تكثيف ردها على العدوان في وقت قصير.

تطور للأفضل

ولفت إلى أن السرايا نجحت في هذه المعركة من خلال استطاعتها أن تطلق قذائف من مناطق تحت الأرض بدون أن تكتشفها تكنولوجيا العدو وطائرات الاستطلاع.

وبيّن الخبير العسكري أن أوضاع المقاومة خلال المعارك السابقة مع المحتل كانت نحو الأفضل من حيث تحسين الأداء والتركيز القوي وإدارة النار كانت أفضل من أي وقت سابق، مطالبا المقاومة بتطوير أدائها وسلاحها وان لديها مفاجآت وسلاح نوعي توظفه في المكان المناسب لخدمة أهدافها لأن العدو متطور بأسلحته وإمكانياته.

يحسبون ألف حساب

من جهته، رأى الخبير العسكري اللواء واصف عريقات أن سرعة اتخاذ القرار وقدرة سرايا القدس على إطلاق عدد كبير من الصواريخ في أقل من 20 دقيقة بمعركة كسر الصمت إضافة إلى الانضباط في بداية القصف ونهايته كان عنصرا مفاجئاً في المعركة، لافتاً إلى تطور المقاومة في هذه المعركة كان بقدرتها على إخفاء مواقع إطلاق الصواريخ، وعدم تحديد الجيش « الإسرائيلي » لها.

وأكد عريقات لـ« الاعلام الحربي » أن قدرة سرايا القدس على الإخفاء والتمويه وعدم إفساح المجال للطائرات « الإسرائيلية » والأقمار الصناعية التي تقوم برصد المواقع أقلق قادة جيش الاحتلال وجعلهم يحسبون ألف حساب في أي معركة قادمة.

وشدد عريقات على أن السرايا استطاعت التغلب على العدو « الإسرائيلي » في معركة « كسر الصمت » و« البنيان المرصوص » من خلال التكتيكات العسكرية والقدرة على استخدام راجمات الصواريخ والحركة المنظمة واستخدام الأدوات الموجودة لديها بانتظام وفعالية، مشيراً إلى أن سرايا القدس تُطور من أدائها العسكري نحو الأفضل مما يجعلها تُبدع وتقلب الموازين في المعارك القادمة مع العدو الصهيوني.

السرايا وجهت رسالة قوية

لم تُفاجأ « إسرائيل » برد سرايا القدس لكنها تفاجأت من حجم الرد، ومن جرأة الاستعداد لإطلاق عملية قد تكون مفتوحة يحدد سقفها وعمقها رغبة الاحتلال في امتصاصها أو الرد عليها، الأمر الذي أربك قادة الاحتلال في « تل أبيب » وكشف حقيقة موقفهم ومخاوفهم وجوف تهديداتهم ورغبتهم الشديدة في التمسك بالتهدئة حينها.

سارعت « اسرائيل » لامتصاص عملية “كسر الصمت” عبر تصريح تحليلي استيعابي لنتنياهو يتفهم فيه العملية، حيث قال في أول تعقيب له وعبر منبر الكنيست أنها تأتي للرد على اغتيال نشطاء الجهاد الثلاثة قبل العملية بيومين، وعبر مسار المباحثات مع المصريين لتثبيت التهدئة، وكان ملفتاً أن « اسرائيل » امتنعت عن تنفيذ أي عملية اغتيال، وأرادت بذلك إرسال رسائل مهدئة والتعجيل بإنهاء جولة التصعيد.

وادعى قادة الاحتلال الصهيوني أن عامل الطقس من غيوم وأمطار أو موعد عيد المساخر حينها هو السبب خلف الموقف الصهيوني بعدم التصعيد، وبعضهم ذهب أبعد من ذلك وأرجع السبب الى الضوابط والمعايير القانونية الدولية التي تلتزم بها « إسرائيل »، لكن الجيش « الإسرائيلي »، وكما هي العادة لدى كل الجيوش، أراد أن يظهر بمظهر القوي الذي لا زالت يده هي العليا، فنشر بياناً عن قيامه بقصف تسعه وعشرون هدفاً شملت مواقع وأهداف لكل فصائل المقاومة، مع التركيز على أهداف تابعة لحركة الجهاد.

لكن كشف الكاتب الصهيوني « عاموس هرئيل » في مقال له في صحيفة “هآرتس” ان تهديدات نتنياهو بلا رصيد وأن باراك كان في الحربين السابقتين ورقة التين لرؤساء الحكومات عندما كان وزيراً للحرب، حيث كان بإمكانهم التهديد بالاجتياح لأنهم كانوا يعتمدون على أن باراك، هو صاحب القول الفصل في هذا الشأن بصفته وزير الحرب المجرب وقتها، وسيرفض وسيكتفي بعمليات واسعة لكن في سياق تكتيكي، لا يوجد لنتنياهو من يعتمد علية كورقة تين، لكنه مع ذلك لا يجد سوى لغة التهديد ليصل الى الصهاينة.

سرايا القدس نجحت بعملية “كسر الصمت” في توجيه رسائل تحذير وتهديد للاحتلال من مغبة استمراره في خروقاته للتهدئة، وفي رسم سياسات جديدة تبتز المقاومة وتستنزفها، كما أن طبيعة العملية عكست اسلوب الذكاء والحنكة في إدارة الصراع، وتحطيم الصمت وعدم القبول بالاغتيال واستمرار العدوان، وفي نفس الوقت عدم التهور والتصعيد غير المحسوب، وقد سيطرت على لهب المعركة بصورة تثير الإعجاب، وربما في عمليتها “كسر الصمت” كسرت سرايا القدس حواجز داخلية وفيتو غير معلن، حيث قادت معركة من ألفها إلى يائها وكانت هي العنوان الوحيد لجهة التفاوض، الأمر الذي أكسبها الكثير من النقاط ويبوئها موقعاً نوعياً أكثر تقدماً، وهذا ما ركز عليه الاعلام الصهيوني في قراءته لمردود نتائج المعركة على حركة الجهاد.