خبر معركة المرأة الخالدة / بقلم: عبد الرحمن شهاب

الساعة 08:18 ص|08 مارس 2015

بقلم / عبد الرحمن شهاب - مدير مركز أطلس للدراسات

ما ظلمت به المرأة على مدار التاريخ يسكن في قلب كل امرأة ويُسلَّط عليها منفردة مهيضة الجناح، وأحيانًا ربما لا تشعر هي به؛ بل ترضى قناعة بأن هذا قدرها، وهذا لا يعتبر في ميزان الله تنازلًا عن حقها؛ بل استسلاما لعدل ربها الذي سيقتص « للشاة الحدباء من الشاة القرناء ».

 

معركة المرأة مع المفكرين

ربما أسوأ جريمة ارتكبتها البشرية على مدار تاريخها كانت بحق المرأة، حيث بدأ الظلم التاريخي منذ أن بدأ الرجل في التفكير « فقتل كيف قدر »، عندما بحث عن الأساس الفلسفي لشقائه في هذه الدنيا، وكعادة الظالمين وجد ضحيته في المرأة، والتي اعتبرها سبب الخروج من الجنة، وأنها خلقت إما ملحقًا للرجل لإمتاعه أو كروح شريرة لإغوائه كأحد رسل الشيطان الى الرجل.

ثم جاء الفلاسفة بدءًا من أفلاطون الذي اعتبرها من العبيد، حتى مفكرو العقد الاجتماعي، وأكثر ما توصل له جون لوك هو إعطاء المرأة دورًا داخل العائلة من خلال إطلاق مصطلح « مملكة المرأة » ومنع الرجل من التدخل في المجال التربوي في المنزل، وهكذا يبقى الرجل يمثل العائلة في الفعل السياسي، أما جون جاك روسو فقد حدد دور المرأة في كتابه « Emilius » بأن المرأة تعيش في عالم آخر يمثل إمبراطورية النعومة، وأن عنوانها الشكوى وأوامرها ناعمة وتهديدها لا يعبر إلا عن اندفاعات عاطفية، وأكثر من ذلك فقد حَرَم المرأة من حق تعليم أبنائها، واعتبر الابن الحسن هو لدى الأب الحسن والزوج الحسن هو المواطن الحسن.

وفي كتابه « the social contract » اعتبر أن علاقة الرجل بالمرأة علاقة غير مسيطر عليها لأن المرأة مشَكَلة بطريقة خاصة فقط لإمتاع الرجل، حيث عنفها يعكس إغواءها، وتواضعها يشكل قناعها، ورغباتها ليست لها حدود.

أما هوبس فقد اعتبر أن الفكر السياسي ليس من وظيفة المرأة، ولذلك يجب أن تكتفي بتعليم سطحي فقط، والتعليم اعتبره روسو ليس مهمًا لها.

أما آدم سميث فاعتبر أن تعليم المرأة هو من باب الترف الذي لا فائدة منه.

 

حركات مساواة المرأة « feminism »

منذ نهاية القرن الثامن عشر؛ بدأ الحديث عن ضرورة إعطاء المرأة وظائف تتناسب مع التغير البيولوجي لها عن الرجل، وهكذا ناضلت المرأة ضد المؤسسة الرجولية لأكثر من قرن، والتي وصلت قمتها بتحقيق حق الانتخاب لها، والذي كان حقا اسميًا يخلو من أي جوهر يرتبط بالفعالية السياسية.

بالمقارنة مع الأساس الفلسفي للدولة الحديثة الناشئ عن العقد الاجتماعي نجد أن جميع ما حصلت عليه المرأة من حقوق ليس له أساس فلسفي؛ بل نتيجة متغيرات ظرفية، وفي بعض الأحيان كانت حاجة الرجل لخروج المرأة للعمل هو الذي أعطاها حق العمل على إثر الثورة الصناعية وزيادة متطلبات سوق الخدمات والحاجة لقوى عاملة أكثر، وحتى هذه الحاجة وضعت المرأة تحت رحمة صاحب العمل.

كما أن حق الانتخاب المرأة الذي حصلت عليه نهاية القرن الـ 19 كان بداية في نيوزيلاندا وفنلندا، وهي دول ليست من دول المركز الأوروبي ولا من عواصم الفكر، بل منعزلة في الأطراف، إن لم تكن أطراف العالم، وكذلك الاكوادور في أمريكا الجنوبية؛ ففي أغلب الأحيان حازت المرأة على حق الانتخاب لظروف محلية ارتبطت بتشجيع نساء مستوطنات في القارة الامريكية أو تغير فجائي في النخبة السياسية وليس كحق مجرد نابع من فكر فلسفي أو بقرار من مجتمع رجولي، ناهيك عن حقوقها في العمل التي حصلت عليها نتيجة متطلبات أطفالهن كمرضعات أو حوامل وليس لأجلهن هن ولأجل كرامتهن كذوات أنثوية أو كنصف البشرية.

باختصار كلما كان هناك حاجة للمرأة في مكان ما كانت تتقدم بنفسها لتسد ثغرات لم يتمكن من ملئها الرجل أو من أجل منافع استهلاكية وليس بسبب ما تُقدم للمجتمع كامرأة وكأنثى، كما أنه ليس كحاجة لإكرام نصف المجتمع الذي تمثله؛ ولذلك كان دورها يقع في مزاحمة الرجل والاحتكاك به في مكان عمله.

 

التاريخ الإسلامي

من أصعب ما يمكن أن أتحدث عنه هو مكانة المرأة في الإسلام، وذلك لأن ما كتب في صفحات الفقه يختلف تمامًا عمّا واجهته المرأة المسلمة خلال التاريخ الإسلامي، لقد جاء الاسلام بـ « يـا أيها الناس إنا خلقنـاكم مـن ذكـر وأنثى وجعلنـاكم شـعوبًا وقبائـل لتعـارفوا إن أكرمكم عنـد الله أتقاكم إن الله عليم خبير » (سورة الحجرات: 13)، وساواها مع الرجل في مواضع، وزادها مسؤولية عنه في مواضع، وقلص من صلاحياتها في مواضع، لكن أزمة الفكر وتحجره وتأثره بالثقافات والأديان الأخرى جعل الواقع يرتكس عن النص، وجعلها منقوصة العقل والدين والشهادة وموجبة لمخالفتها بعد مشاورتها، ويسمح لها فقط بالعمل عند نقص قدرة الرجل على الصبر في التعليم والطب وعند حاجة الرجل الاقتصادية لمساعدة زوجها، أما فيما يمكن ان تكون صاحبة قرار حتى على نفسها عندئذ يتجمد الفقه ويرتكس المتدينون، وعند الحديث عن القرار المؤسساتي والسياسي تواجه بالأثر المنقول « لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ».

وفي أفضل الحالات عندما يتحدث أغلب الخطباء عن دور الإسلام في منح المرأة حقوقها، يتحدثون عن تواضع عمر (رضي الله عنه) عندما تراجع بسبب رأي امرأة، ويذكر عمر علمًا معرفًا وتذكر المرأة بالتنكير وكأنها ليس لها اسم – خولة بنت ثعلبة، التي سمع الله قولها وهي تجادل الرسول في زوجها « قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها » – وإن كان الحديث عن الفخر بمكانة المرأة في الإسلام تذكر كماكنة عطاء « ام الشهيد » و« الأسيرة » و« المجاهدة » و« المدرسة » أما الذي يخاطب السحابة بأن خراج مطرها سيعود إليه فهذا لا يمكن الا ان يكون رجلًا تدور النساء كما العبيد خدمًا لقصره.

هي معركة المرأة الخالدة لنزع حقوقها، ولن يخرج الرجل من ساحة ليخليها لامرأة كما لن يخليها لرجل يعلم انه أقل منه شأنًا، وقد قيل ان الحقوق تنتزع ولا تمنح، فالمجتمعات البشرية في قضية المرأة متشابهة إن أنصفتها الفلسفة والفكر أو ظلمها فلن تأخذ حقها إلا إذا غاب الرجل أو ضعف أو كان بحاجة ليعطيها دورًا مشاركًا في مكان ما، وستبقى تلك معركتها للأبد.