خبر إلى المجلس المركزي الفلسطيني.. ماجد كيالي

الساعة 07:02 م|03 مارس 2015

فلسطين اليوم

يلتئم اجتماعكم في الرابع والخامس من هذا الشهر، وهو الثاني للمجلس المركزي خلال أربع سنوات، رغم أن الفلسطينيين شهدوا خلالها كثيراً من الأحداث والتحديات والمخاطر، في غياب أي دور لمجلسكم الذي بات بمثابة بديل عن المجلسين الوطني والتشريعي المغيّبين. وتعلمون أن المجلس الوطني لم يعقد سوى اجتماعين منذ إقامة السلطة: الأول في العام 1996 لتعديل «الميثاق الوطني»، والثاني في العام 2009، فقط لإضافة أعضاء جدد إلى اللجنة التنفيذية، بعد أن فقدت نصابها بوفاة عدد من أعضائها. أما المجلس التشريعي فهو مغيّب منذ انقسام السلطة (2007)، أي أننا إزاء مشكلة كبيرة في ما يتعلق بشرعية كياناتنا السياسية.

الآن، لنأمل أن لا يكون هذا الاجتماع فقط لتغطية قرارات يمكن أن تصدر من دون هذه الواسطة، أو لمجرد إصدار بيان، فهذا يمكن أن يفعله أي فلسطيني في أي مخيم في الداخل أو الخارج، كما يمكن أن يفعله أي متعاطف مع حقوق شعبنا في أي بلد في العالم.

القصد أن هيئتكم معنيّة بتدارس أحوال العمل الوطني، والكيانات السياسية الجمعية (المنظمة والسلطة والفصائل)، والعلاقات في ما بينها، وأوضاع الفلسطينيين في أماكن تواجدهم كافة، وتفحّص الخيارات التي انتهجت أو التي ينبغي انتهاجها. كما أن مهمتكم تقويم أداء القيادة وطريقتها في إدارة المنظمة والسلطة، والقرارات التي اتخذتها، والسياسات التي انتهجتها، سيما منذ انتهاء الانتفاضة الثانية قبل أكثر من عقد.

إزاء ذلك فإن أضعف الإيمان أن تكون لديكم كأعضاء صورة عن جملة القرارات التي اتخذتموها في الدورات السابقة، لمراجعتها بطريقة نقدية ومسؤولة وتبيّن ما تحقّق منها وما تعذّر، وتعيين أسباب ذلك، والقيام - ولو لمرة واحدة - بمراجعة أوجه القصور والخلل في عمل المؤسسات القيادية الفلسطينية، وتقديم كشف حساب عن ذلك لشعبكم.

وللتذكير، فعلى امتداد عشرة أعوام في الدورات السابقة التي عقدت لمجلسكم في ظل القيادة الحالية، اتخذت قرارات عدة تتعلق ببذل الجهود لتحقيق المصالحة، ورفع الحصار عن غزة، والتوجه إلى تفعيل دور المنظمة، وتنظيم انتخابات للمجلسين الوطني والتشريعي، وتحسين اداء السلطة، وتعزيز العلاقة مع الفلسطينيين في أماكن اللجوء والشتات، وتفعيل المقاومة الشعبية، ومراجعة الارتهان لخيار المفاوضات، على ضوء الانتهاكات الإسرائيلية لاتفاق أوسلو، وانسداد أفق التسوية المتعلق بإقامة الدولة المستقلة.

السؤال الآن، ما الذي حصل في شأن هذه القرارات كلها؟ ولماذا لم يتحقق أي منها؟ ومن المسؤول؟ ثم ما الجدوى من الاجتماعات، في حين تسير أحوال الفلسطينيين على النحو الذي تسير عليه فيما نصدر في كل مرة القرارات نفسها ونتحدث بالعبارات ذاتها؟

الأخوة أعضاء الملجس المركزي.

معظمكم أسهم في إطلاق حركتنا الوطنية المعاصرة واستنهاض حال الفلسطينيين قبل نصف قرن، وهذا يقدّر لكم. بيد أنه في خمسين عاماً جرت متغيرات كثيرة، سياسية واجتماعية وعربية ودولية تفترض منكم مراجعة دوركم، وإتاحة الفرصة لأجيال الشباب ممن هم في الثلاثينات والاربعينات، ومن الذين يمتلكون طاقات وتصورات جديدة لأخذ دورهم، مع تكرمكم بمشاركتكم لهم بالمشورة والخبرة.

أيضاً لا يخفى عليكم أن مشكلة الشرعية في الهيئات القيادية تشمل المنظمة والمجلسين الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية ورئاسة السلطة والمجلس التشريعي، بحكم انتهاء فتراتها الدستورية منذ زمن. وفوق ذلك فإن عضوياتها باتت عرضة للتآكل، وبيد الأقدار. والحديث هنا يتعلق بالمشاركين في هيئات المنظمة تحديداً، أطال الله في أعمارهم.

لهذا لا يمكن لكم ترحيل هذه المشكلة أو تجاهلها، بل يؤمل منكم النظر إليها بعين المسؤولية الوطنية، فهذا هو الميراث الذي أوئتمنتم عليه، والمفترض بكم تسليمه للأجيال القادمة، سيما أننا نتحدث عن قيادات أدت ما عليها ولم يعد لديها ما تضيفه منذ أكثر من عقد على صعيد الأفكار والطاقات والخبرات، وفي وضع يجد فيه الفلسطينيون أنفسهم أمام طريق مسدود على أكثر من صعيد.

بعد ذلك تأتي قضية المصالحة وتوحيد الكيان الفلسطيني، وهذه لا يمكن أن تتم، كما أثبتت التجربة، على أرضية السلطة والارتهان لخيار وحيد هو المفاوضات والتسوية. والمعنى أن الشرط المؤسس للمصالحة يفترض استعادة حركتنا الوطنية لطابعها كحركة تحرر وطني. وهذا يتطلب أمرين: أولهما وضع حد للتماهي بين المنظمة والسلطة وفكّ الارتباط بين رئاستي الكيانين، وثانيهما تغيير وظائف السلطة من كونها تشتغل بالتنسيق مع الاحتلال، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، إلى سلطة تشتغل على إدارة أحوال شعبها وتطوير مجتمعها وتنظيم كفاحه، لدحر الاحتلال من أرضه بالوسائل المشروعة والممكنة. ولا شك في أن هذين الأمرين يتطلبان أساساً إعادة بناء المنظمة والسلطة، على أسس وطنية وديموقراطية وتمثيلية، بعيداً من عقلية المحاصصة الفصائلية.

بديهي أن وضع الفلسطينيين معقد وصعب وإمكاناتهم ضعيفة، وهذا مفهوم، لكن ما ينبغي الانتباه إليه أن وضعهم يزداد سوءاً على أكثر من صعيد في ظل هذه السياسات والرهانات، ما يضفي مشروعية على أي خيارات أخرى بديلة أو موازية.

ويبدو من تجربة عقدين من المفاوضات أن إسرائيل غير راغبة بإنهاء الاحتلال، ولا بتمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم، حتى على 22 في المئة من أرضهم التاريخية، لا بالمفاوضات ولا بالمناشدات، ولا عن طريق القوة أيضاً، بحكم تمتعها بالغلبة والسيطرة.

كما يبدو من ذلك أيضاً أن الولايات المتحدة ليست في وارد الضغط عليها ولا في أي شأن يخص حقوق الفلسطينيين، ولعل رفضها عضوية مراقبة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية، واعترافات بعض الدول الاوروبية بفلسطين تأكيد لهذا الأمر، رغم أن الفلسطينيين يلجأون إلى وسائل كفاحية سياسية ومشروعة وتتأسس على القانون الدولي.

ويستنتج من ذلك أن المجلس المركزي مطالب برؤية هذه الحقيقة، والبحث عن خيارات أخرى قد تقرب الفلسطينيين من تحقيق أهدافهم، أو أقلها تخفف معاناتهم، ربما بتوجيه الجهود نحو بناء كياناتهم السياسية وتطوير مجتمعاتهم بدل تركيزها وتبديدها في عملية تفاوضية أثبتت التجربة عقمها ومخاطرها على الفلسطينيين ومستقبلهم كشعب.

يأخذنا هذا للحديث عن التآكل في مجتمعات الفلسطينيين اللاجئين، فهذا ما يحصل في سورية، بعد العراق ولبنان، وما يحدث نتيجة الانقسام بين سلطتي الضفة وغزة. ومن الواضح أن تهميش المنظمة وتآكل الحقوق الوطنية والتركيز على السلطة يسهم في انحسار إدراكات الفلسطينيين لمصيرهم المشترك ولكونهم شعباً. وعليه فإن القيادة الفلسطينية معنية بتدارك هذا الوضع الخطير الذي يمكن ملاحظته اليوم من ترك فلسطينيي غزة يواجهون مصيرهم وحدهم، وترك فلسطينيي سورية لمأساتهم.

ربما يفيد أعضاء المجلس أن يعرفوا أن ثمة 2700 فلسطيني- سوري ذهب أكثر من تسعين في المئة منهم ضحية رصاص النظام وقصف مدفعيته خلال أربع سنوات، ضمنهم حوالي 270 قضوا تحت التعذيب في زنازينه، وأكثر من مئة قضوا بسبب الجوع في مخيم اليرموك المحاصر منذ أكثر من 600 يوم مع الإغلاق الكامل. وأسماء هؤلاء موجودة بالتواريخ والأماكن والتفاصيل. لا أحد يمكن أن يتجاهل الكارثة التي تحصل لفلسطينيي سورية الذين باتوا مشردين في أصقاع الدنيا، فهذا يحصل للسوريين أيضاً. ومعلوم أن النظام هو من يمتلك المبادرة والقدرة على القتل والقصف والاعتقال والتشريد في سورية، رغم كل ما فيها من تداخلات وتعقيدات وجماعات مسلحة مريبة ومتطرفة وخارجة على السيطرة.

ليس مطلوباً إعلان حرب على النظام السوري، فكل ما هو مطلوب من الهيئات القيادية الفلسطنيية إبداء التعاطف المفترض والطبيعي مع جزء من شعبها، باعتباره في عداد الضحايا ومد العون له وتخفيف معاناته، وضمنه مطالبة النظام بالإفراج عن المعتقلين الأبرياء في سجونه، ووضع حد للتعذيب، وحل مشكلة مخيم اليرموك بإنهاء حال الاغلاق المفروضة عليه، والسماح بإدخال المواد التموينية والطبية والمحروقات إليه، ووقف استهداف الناشطين العاملين في المجال الانساني، وإتاحة المجال للخروج الآمن للمستهدفين منهم، والمساهمة مع الهيئات الدولية المعنية بتأمين الغوث للمشردين الفلسطينيين في سورية ولبنان والأردن وتركيا ومصر وغيرها، وتسهيل عيشهم في تلك البلدان، بالتنسيق مع الحكومات المعنية، مع إتاحة تقديم وثائق شخصية وجوازات سفر فلسطينية لهم لتمكينهم من التنقل.

هذا يحتاج فقط بعض الاهتمام من الممثل الشرعي الوحيد، فهذا أقل ما يمكن القيام به، وهو في مستطاع القيادة، وليس مطالب تعجيزية. التمنيات لاجتماعكم بالنجاح، وأطال الله أعماركم، وبانتظار ما يتمخض عنه اجتماعكم.