خبر خطوة في اتجاه تعزيز المناعة الوطنية الفلسطينية..د.جميل يوسف

الساعة 08:45 ص|23 فبراير 2015

* د جميل يوسف

الواضح أن الأنماط العقلية والممارسات السياسية في الوطن العربي عبارة عن صورة طبق الأصل لبعضها البعض لا تختلف هنا في فلسطين عن اي مكان في العالم العربي وكذلك آليات العمل السياسي لا تختلف بين النظام وفصائل المعارضة والأحزاب في نفس القطر, بحيث  لا يكاد المراقب يلمس اي قرار او مشروع يكون منبعه رغبة الجماهير بل العكس توضع العربة امام الحصان بحيث يتم القرار الرسمي او الحزبي بدون اي اعتبار لوزن الرضا الشعبي, وربما لا يتم ابلاغ الناس به الا بعد فترة ناهيك ان المخرجات السياسية كالاتفاقيات تتم في الظلام وبعيدا عن الضوء.     

في الواقع الفلسطيني الصورة اكثر وضوحا, بحيث لا نكاد نعثر على قرار او اتفاق, على مدار الصراع ضد المشروع الصهيوني انبعث من القاعدة الشعبية او كان نتيجة لضغط الرأي العام الفلسطيني, او استشارة الشارع, ليس المقصود ان كل ما تصدره القيادة والفصائل مرفوض من الشعب الفلسطيني. عدم وجود القواعد الشعبية في مركز اي قرار فلسطيني رافق بداية المشروع الوطني الفلسطيني منذ إنشاء م ت ف حتى الآن, مع ان بعضها لقي التفافا شعبيا جارفا كإنشاء م ت ف والمقاومة المسلحة وبعضها لقي معارضة شديدة وعلى رأسها اتفاقيات التسوية والمفاوضات.     لا يستطيع احد أن يعترض أو يمنع إنشاء أي حزب أو فصيل مقاوم على الساحة الفلسطينية فهذا شأن المجموعة المؤسِسَة لكن الأداء السياسي والأهداف يجب ألا تكون ملك لهذه المجموعة بل تصبح مكونا من مكونات المشروع الوطني الفلسطيني وبالتالي لا يجوز بأي حال أن تقوم أي مجموعة سياسية أو فصيل مقاوم بأي عمل يعيق أهداف المشروع الذي لقي التفافا يقترب من الإجماع كــ م ت ف والميثاق القومي أو الوطني.    

بديهي أن أي دولة تملك أوراق قوة سواء كانت مادية أو اقتصادية ولا تتردد في الدفاع عن أمنها القومي ومصالحها حتى لو كان ذلك على حساب حقوق الآخرين , ان الاشرار والدول المارقة وعلى رأسها اسرائيل وامريكا لا تتردد في القيام بأي عمل لحماية جشعهم وسرقة حقوق الآخرين كاغتيال العلماء وقصف المفاعلات على الرغم أن هذه الأعمال عبارة عن إرهاب وبلطجة دولية, بينما الشعوب المظلومة والمغتصبة أرضها كالشعب الفلسطيني تقف قيادته متفرجة عندما تنتهك حقوقه التاريخية ومشروعه الوطني, ويخشى من التصدي لكل معيقات هذا المشروع والتي تعتبر من اقدس الواجبات.

 الواقع الإقليمي والعربي في هذه المرحلة معقد جدا وتحكمه المصالح والبعد القطري, كذلك يعيش المحيط العربي فراغا سياسيا نسبيا في الكثير من المواقع خاصة المواقع التي شكلت على مدار التاريخ العربي الحديث منطقة القلب ومركز القوة للمنطقة العربية, هذا الواقع الضعيف والهش يشكل تهديدا للمشروع الوطني الفلسطيني, ولا يجوز للفصائل والقيادات الفلسطينية ان تقف أمام هذا التهديد بدون ان تبدع وسائل وآليات لحماية التأثير السلبي للواقع العربي على المصالح الفلسطينية.    

لاشك أن القيام بعملية تقوية المناعة الوطنية لدى كل الفلسطينيين يشكل العنوان الأهم في نظري لحماية الواقع والمصالح الفلسطينية, وكذلك تزويد هذه المناعة بكل الأدوات التي تجعلها قادرة على التصدي للتهديدات الداخلية والخارجية, ولعل المرحلة التي يمر بها الفلسطينيون تؤكد أن جهاز المناعة قد تم تدمير ذاكرته بحيث بات غير قادر على التمييز بين العدو والصديق او بالأحرى يشيح بوجهه عن الصديق ويقترب من العدو.  

 لاشك ان الكثير من العناوين المشتركة يجب ان تشكل البداية لإعادة بناء الوضع الفلسطيني ووتقوية جهاز المناعة ولا يجوز الانتظار حتى نصل الى اتفاق بنسبة 100%, لأن ذلك يعني اننا لا نريد الاتفاق, وما دامت القوى الفلسطينية غير قادرة على الاتفاق في الاستراتيجي حتى الآن, فمن المؤكد انه توجد مساحة كبيرة في الشق التكتيكي تشكل رافعة لتصحيح المسار الفلسطيني واعادة الاعتبار لمشروعه وميثاقه الوطني.   

 من اهم العناوين التي يجب ان تشكل البداية هي وحدة بناء المجتمع الفلسطيني والمقصود هنا الفرد والإنسان الفلسطيني وبدون ان يكون هذا الفرد سليما يستحيل ان نتكلم عن مشروع وطني ومقاومة ومستقبل, ان الاستقلال الذي لازال الفلسطينيون يدفعون من أجله مئات الآلاف من الشهداء وأضعافهم من الجرحى وأكثر من نصف مليون من الأسري يبدأ من استقلال هذا الفرد, وان يبقى الحكم الوحيد والأمين في حال وصول القوى السياسية الى طريق مسدود وعدم الاستنجاد بأي طرف آخر سوى الشعب مهما كانت الصعاب.    

 في ظل هذا الانقسام الفلسطيني الداخلي من المنطقي ان تتبنى كل القوى السياسية الفلسطينية برنامجا توحيديا لكل ابناء الشعب الفلسطيني ولا اقصد هنا برنامجا سياسيا فهذا مستحيل على الأقل الآن, لكن تشترك هذه الفصائل في وضع منهاج اجتماعي اخلاقي انساني واعتباره وثيقة شرف وطنية ملزمة للجميع, يتم تدريسها على كل منتسبي هذه الفصائل يركز على الشراكة وقبول الآخر والحوار, التركيز على ثقافة الشفافية والحق الانساني المجرد من الارتباطات السياسية, وربط المناسبات الفصائلية بالعنوان الأكبر وهو فلسطين. كما انه يتطلب ان تتبنى الفصائل والسلطة معا برنامجا اغاثيا لهذا الشعب يقوم على الممكن المتوفر, وكما عود الشعب الفلسطيني العالم انه قادر على الابداع في اشد ظروف الحصار والتآمر فإنه قادر على تجاوز الازمة الحياتية التي انهكت الجسد الفلسطيني من خلال معادلة المهاجرين والانصار قبل 1435 عام.   

 تقوية جهاز المناعة الوطنية يحتاج لتفضيل الأمور الفوق فصائلية والفوق حزبية ولا يشترط ان يكون الاتفاق على برنامج سياسي بل وحدة الشعور والانتماء لفلسطين ولمشروعها الوطني برأيي هو الأهم, الفرد الفلسطيني هو الأهم في المشروع الوطني ولا تفضيل مطلقا لثمن الصاروخ او احتياجات المقاومة على الانسان واحتياجاته ولا معني لفلسطين بدون شعب حي يمتلك كل عوامل الاستطاعة لنجاح مشروعه. وهنا اطرح سؤالا تم طرحه علي في احد الندوات قبل الهروب الاسرائيلي من غزة عام 2005 ولم يكن حجم الاختلاف والانقسام ومحاولة تحطيم الانسان الفلسطيني كما هو عليه الآن, « برأيك كيف ترى الوضع الفلسطيني الداخلي لو تمكنا من تحرير اجزاء من ترابنا الوطني, ممكن ان نتفق على طريقة ادارته ام نقتتل على تقسيمه؟ » .  الفرد الفلسطيني يريد تحرير يقود الى استعادة الحق والتوحد.

من الأمور التي تنهش المناعة الوطنية ما يجتاح المنطقة من سلوك ومفاهيم متطرفة, والتي تهدم المناعة الوطنية وتجعل من الاهتمام بفلسطين امرا ثانويا عند هذه السلوكيات والافكار كما نلاحظ ما يقوم به بعض الشباب من خلال هروبهم من الساحة الفلسطينية الي ساحات الاقتتال العربي الداخلي, هذا ايضا يحتاج الى تعاون كل القوى والقادة الفلسطينيون الى التصدي لهذه الظواهر عبر خطط عملية معلنة امام الشعب بل ان يكون الشعب جزءا من هذه الخطط ليتولى القيام بدوره امام هذا الغول المتطرف ويحمل المسئولية وهو قادر على ذلك.

المنطق والواجب ونحن نرى تراجع المشروع الصهيوني يتطلب منا جميعا ونحن نشكل الجبهة المعادية للمشروع الصهيوني ان نميل عليه ميلة بحيث لا تتأخر اي ورقة من اوراق الصراع مهما كان حجمها او مكانها واضعين نصب اعيننا ان نحدق صوب فلسطين فقط ولا نلتفت لأي صراعات جانبية او ثقافات تفسيخية ونراكم العوامل المحفزة للمناعة الوطنية لنخطو خطوة نحو تعزيز هذه المناعة.

* باحث في الشأن الفلسطيني