خبر الفلسطينيون والانتخابات الإسرائيلية سياسياً وعسكرياً..عدنان أبو عامر

الساعة 09:38 ص|21 فبراير 2015

فلسطين اليوم

تعيش الساحة الحزبية الإسرائيلية حراكاً حامياً، مع اقتراب العد التنازلي للانتخابات يوم 17/3/2015، ويطغى الموضوع الفلسطيني على أجندة البرامج الانتخابية للأحزاب المتنافسة، قبيل أقل من شهر على بدء التصويت للكنيست الـ20.

يمكن التقدير، ابتداءً، أن مواقف كثيرة ستأتي عليها السطور اللاحقة ذات ملامح انتخابية صرفة، يراد منها استقطاب مزيد من أصوات الناخبين من جهة، وتسجيل نقاط انتخابية على أحزاب أخرى منافسة، من جهة ثانية، وربما تتبدل بين عشية وضحاها، إذا قدر لمن يعلنونها، اليوم، أن يعتلوا مواقع السلطة، بعيداً عن مقاعد المعارضة، على اعتبار أن لكل منها اعتباراته وخطابه وتنظيراته الشعاراتية.

مصير المفاوضات

تشهد العلاقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية منذ أشهر جموداً ملحوظاً، إن لم نقل توتراً متزايداً، مع تباعد المواقف السياسية، وانسداد أفق المفاوضات بينهما، ويبدو أننا سنعيش جموداً تفاوضياً إضافياً، قد يطول أو يقصر. لكن، على كل الأحوال، لن يتم استئناف المفاوضات، قبل انتهاء موسم الانتخابات.

ليست الحكومة الإسرائيلية القائمة في عجلة من أمرها لدخول مفاوضاتٍ لم تقدم ولم تؤخر كثيراً، في حين أن الكل الإسرائيلي منشغل بأجندة انتخابية حزبية داخلية بحتة، على العكس، فإن الدخول في أي مفاوضات، حتى لو كانت « بروتوكولية » لأخذ الصور التذكارية، قد تشكل مناسبة ملائمة للأحزاب اليمينية المتطرفة للطعن في خصومها، وتقدمهم كما لو كانوا يتنازلون عن « أرض إسرائيل »، ويخضعون للفلسطينيين.

وهكذا زادت العلاقة مع الفلسطينيين توتراً عشية الانتخابات الإسرائيلية، مع لجوء السلطة الفلسطينية لما وصفته تل أبيب خطوات أحادية الجانب، كالذهاب إلى مجلس الأمن الدولي، وتقديم طلبات الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، ما زاد الأمور تعقيداً بينهما.

على الفور، أقدمت إسرائيل، في خطوة انتخابية صرفة، على تنفيذ تهديداتها بوقف تحويل أموال الضرائب البالغة 125 مليون دولار من المستحقات المالية الفلسطينية، كما جرت العادة نهاية كل شهر، ما تسبب بعدم استلام موظفي السلطة رواتبهم منذ ديسمبر/ كانون أول 2014، واضطرار السلطة للجوء إلى مستحقات المتقاعدين لصرف 60% من الرواتب، ولم تظهر، حتى الآن، بوادر إيجابية بعدول إسرائيل عن الخطوة، على الرغم من المناشدات الفلسطينية الرباعية الدولية والإدارة الأميركية.

يعلم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، جيداً أن أي تراجع منه عن هذه الخطوة ستعني هدية على طبق من ذهب لخصومه السياسيين، في « بازار » الانتخابات الجارية، في ظل أن عينه على مقعد رئيس الحكومة مقدمة على أي اعتبار آخر. ولذلك، يصم آذانه حالياً عن توصيات أمنية وعسكرية من قادة الجيش والمخابرات بأن استمرار عدم استلام ضباط الأجهزة الأمنية الفلسطينية وأفرادها قد ينعكس سلباً على أدائهم الأمني في الضفة الغربية، لكنه يغض الطرف عن هذه المطالب، أملاً منه بعدم خسارة جزء من الشارع اليميني الإسرائيلي.

وقد توالت السلوكيات الإسرائيلية التصعيدية ضد السلطة، في موسم الانتخابات، في تقليص عدد الحاصلين على بطاقة « كبار الشخصيات » في السلطة، من وزراء وأعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، وتقييد حركة الوزراء من غزة إلى الضفة، وبالعكس، حتى أن تقديرات إسرائيلية وفلسطينية باتت تتحدث عن مصير مشابه للرئيس الراحل ياسر عرفات، قد يتعرض له الرئيس محمود عباس، في ظل الأجواء الإسرائيلية الحالية.

هذه المواقف الإسرائيلية من السلطة الفلسطينية، مرشحة لمزيد من التصعيد، قولاً وفعلاً، كلما اقترب موعد الاقتراع للناخبين الإسرائيليين، وسيكون هناك تناسب طردي بين الأمرين، وأي تراجع في هذه المواقف استجابة لضغوط أميركية أو دولية، ستصب في صالح خصوم نتنياهو من اليمين المتطرف، وكأن الرجل في مواقفه وسياساته ضد الفلسطينيين أصبح يمثل معسكر « الوسط » الإسرائيلي. وهذه مفارقة غريبة!

وعلى الرغم من التباينات الإسرائيلية في المواقف من السلطة الفلسطينية، في هذا الموسم الانتخابي الساخن، إلا أن طبيعة التحالفات الحكومية المتوقعة، في اليوم التالي لإعلان النتائج، قد لا تجعل هذه المواقف تأخذ طريقها إلى التنفيذ، في ضوء التنازلات التي تجري من الأحزاب، لتشكيل الحكومة المقبلة، لاسيما وأن المطالب الاجتماعية والمعيشية تتصدر برامج الأحزاب المتنافسة.

وإن قدر لليمين الإسرائيلي أن يحدد طبيعة الخارطة الحزبية القادمة في الكنيست الـ20، وأن يفوز وفق آخر استطلاعات الرأي، فنحن أمام واقع سياسي صعب في التعامل الإسرائيلي مع السلطة الفلسطينية، ما يطرح علامات استفهام عديدة حول سلوكها المتوقع إزاء هذا التطور.

مستقبل غزة

ما إن أعلن عن عقد الانتخابات المبكرة في مارس/ آذار 2015، حتى توقفت ما عرفت بـ« حروب الجنرالات »، وبدأت « حروب الساسة »، وتبادل الجميع الاتهامات نفسها عن الفشل في حرب غزة، على اعتبار أن إسرائيل، بزعامة نتنياهو، لم تحسن استغلال توفر المظلة الإقليمية والدولية الكبيرة لحصد نتائج سياسية وعسكرية من الحرب، ليس أقلها نزع سلاح حركة حماس، لكنه أخفق في ذلك.

وجرت العادة أن تشكل دماء الفلسطينيين والعرب « سلعة انتخابية رائجة » في سوق الانتخابات الإسرائيلية، ما قد يفسح المجال لإمكانية توقع نشوب حرب إسرائيلية رابعة على غزة، تحضيراً للانتخابات، في ضوء التهديدات التي حفلت بها وسائل الإعلام الإسرائيلية أخيراً.

لكن رغبة الجانبين، إسرائيل وحماس، بعدم الانجرار إلى مواجهة جديدة، بعد أن أنهكت الحرب الأخيرة قدراتهما من جهة، وبروز مخاوف من اندلاع حرب إسرائيلية في الجبهة الشمالية مع لبنان، من جهة ثانية، قد يجعل فرص الحرب على غزة، قبيل إجراء الانتخابات، متدنية، للاعتبارات السابقة.

يعلم نتنياهو جيداً أن حماس في غزة تدرك نقطة ضعفه في أي حرب تسبق الانتخابات، وتتمثل في مشاهد النزوح التي عاشها المستوطنون القاطنون في المناطق الجنوبية المحاذية لقطاع غزة، وبالتالي، فإن تكرار أي مشهد مماثل، ولو بصورة مصغرة، يعني سقوطاً مدوياً للرجل في صندوق الاقتراع، وهو ما لا يجعله في عجلة من أمره لمثل هذه المواجهة التي قد يخوضها مجدداً، بعد أن يتولى رئاسة الحكومة، للمرة الرابعة كما يطمح، في ظل توفر معطيات فلسطينية داخلية وإقليمية عربية، تشجعه على الذهاب إلى تلك المعركة المقبلة.

قد يفسح اليوم التالي لانتهاء الانتخابات، وتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، المجال واسعاً لوضع سيناريوهات محتملة لعدوان إسرائيلي محتمل على غزة، أما قبلها فهناك شكوك كثيرة حول ترجيح مثل هذا الهجوم، على الرغم من عدم امتلاك كاتب السطور « بوليصة تأمين » تجعله واثقاً بلا حدود بعدم ذهاب إسرائيل إلى مغامرة غير محسوبة العواقب « انتخابياً »، في ظل توفر سابقة لحرب غزة 2008، حين بادر إليها رئيس الحكومة الأسبق، إيهود أولمرت، قبيل الانتخابات بأقل من أربعين يوماً!

عند الانتقال إلى مستقبل التعامل الإسرائيلي مع سيطرة حماس على غزة، يبدو أن هناك توافقاً حزبياً، إلى حد بعيد، على بقاء الوضع القائم كما هو، تحقيقاً لرغبة إسرائيلية بترسيخ الانقسام الفلسطيني بين الضفة الغربية، حيث تسيطر السلطة الفلسطينية، وقطاع غزة حيث تمسك حركة حماس بزمام الأمور هناك، على الرغم من انسحابها من الحكم، بموجب اتفاق المصالحة مع حركة فتح أواسط 2014. ولذلك، جاءت الحروب الثلاثة الأخيرة على غزة 2008، 2012، 2014، من دون أن تصل إلى تمامها، بالقضاء الكلي على حماس في غزة، على الرغم من توفر رغبة إسرائيلية جامحة بذلك.

لكن التقدير الإسرائيلي بأن القضاء على حماس يعني تلقائياً عودة السلطة الفلسطينية لفرض سيطرتها الكاملة على غزة جعل مختلف مستويات صنع القرار الإسرائيلي الأمنية والعسكرية والسياسية تتفق على إبقاء حماس في غزة، ولكن، بـ« أظافر مقلمة »، وقد يبقى التوجه الإسرائيلي على حاله، بعيد الانتهاء من الانتخابات، إلا إذا حصل تحول استراتيجي في السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.

ويعلم المرشحون الإسرائيليون أن محاكاة صراعهم مع الفلسطينيين مع الحرب العالمية ضد ما يصفونه بـ« الإرهاب » تحقق لهم نفوذاً داخلياً وخارجياً. ولذلك، ذهب بعضهم إلى توظيف تصريحات وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بدعوته إلى إقامة تحالف إقليمي لمحاربة حماس، على غرار التحالف ضد تنظيم داعش، وإعلانه بوجود استعداد عربي للانضمام للتحالف ضد حماس.

الضفة الغربية والقدس

لئن كان الوضع المتوتر في قطاع غزة يحظى باهتمام أوساط واسعة من المرشحين الإسرائيليين، فإن الوضع شبه المتفجر في الضفة الغربية يكاد ينال جل اهتماماتهم اليومية، في التصريحات السياسية التي تطالب بمنح الجيش حرية العمل في الضفة، لملاحقة خلايا المقاومة الفلسطينية، أو الزيارات الدورية للمستوطنات في قلب الضفة، أو القيام بجولات ميدانية استفزازية لباحات المسجد الأقصى مع الحاخامات اليهود، الذين يصطحبون المرشحين معهم، ليمنحوهم غطاءً انتخابياً هم في أمس الحاجة إليه.

اللافت أن التصعيد السياسي الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الضفة والقدس، والذي رد عليه شبان فلسطينيون بتنفيذ عمليات فدائية، تمثلت بدهس مستوطنين وطعنهم أسفرت عن مقتل عدد منهم، قوبل بتوصيات رفعتها الأجهزة الأمنية وقيادة الجيش إلى المستوى السياسي، تطالبه بكبح جماح المستوطنين من جهة، ووقف المرشحين الإسرائيليين عن الإدلاء بتصريحات استفزازية للفلسطينيين، تتعلق بالحرم القدسي الشريف.

تعلم الحكومة الإسرائيلية، تماماً، أن الوضع الميداني في الضفة الغربية لا يحتاج أكثر من عود ثقاب، حتى ينتقل إلى مرحلة الاشتعال الكامل، لكن الحسابات الانتخابية للأحزاب والقوى السياسية تجعل الحكومة تغض الطرف عن هذه المعطيات المقلقة، على أمل أن يحظى المرشحون بأصوات الناخبين من المستوطنين المقيمين في الضفة، وقد يكون مفاجئاً القول إن وزراء حاليين مستوطنون يسكنون على مشارف المدن والبلدات الفلسطينية في الضفة.

كما يمكن القول إن التوجه الإسرائيلي بإمكانية تقسيم المسجد الأقصى فكرة جادة، ليست مرتبطة بالضرورة بالانتخابات، وإن كان للشعارات الانتخابية دور كبير في التهيئة لها، وهي مستندة لمخطط يجري إعداده على نار هادئة، بانتظار ملاءمة الظروف الداخلية: الإسرائيلية والفلسطينية، والخارجية: العربية والدولية.

« قد يبدو الفلسطينيون مدعوين، أكثر من أي وقت مضى، إلى وضع تقدير موقف وطني موحد، وليس فصائلياً منقسماً، لمواجهة السياسة الإسرائيلية المقبلة »

أخيراً.. ما زال الباب مفتوحاً على جميع الاحتمالات، بإمكانية فوز أي قائمة انتخابية، موحدة أو منفصلة في الانتخابات الإسرائيلية، وقد يبقى ذلك، حتى الساعات الأولى من الذهاب إلى صناديق الاقتراع يوم 17/3/2015، ما يجعل التوقعات بطبيعة السلوك السياسي المتوقع للحكومة الإسرائيلية القادمة أقرب إلى التكهنات وتقديرات الموقف من المعلومات والمعطيات الدقيقة.

لكن إعادة قراءة متأنية لطبيعة البرامج الانتخابية الإسرائيلية، ومواقفها من القضايا الفلسطينية، السابق ذكرها، تفسح المجال واسعاً أننا قد نكون، هذه المرة، أمام استحقاقات سياسية للجانبين: الفلسطيني والإسرائيلي، مختلفة عن سابقاتها، لاسيما بالتزامن مع أحداث الإقليم المتلاحقة، والرغبة الإسرائيلية الجامحة باستغلالها أيما استغلال، وهو ما ظهر جلياً في التصريحات الانتخابية في الآونة الأخيرة.

ولذلك، قد يبدو الفلسطينيون مدعوين، أكثر من أي وقت مضى، إلى وضع تقدير موقف وطني موحد، وليس فصائلياً منقسماً، لمواجهة السياسة الإسرائيلية المقبلة، أياً كان شكلها المتوقع: يميناً أو وسطاً، على اعتبار أنها لحظة تاريخية، قد لا تتكرر كثيراً لمحاولة وضع أجندة فلسطينية معدة سلفاً أمام رئيس الحكومة الإسرائيلية المقبل، وليس انتظار برنامجه السياسي، والقيام بردة فعل عليه، كما العادة في الدورات الانتخابية السابقة.