خبر جسر الثمن الفادح والأسئلة العويصة ..علي عقلة عرسان

الساعة 08:25 م|20 فبراير 2015

 

لا أدري ما الذي يدفعني اليوم إلى مقاربة نص مسرحي هو « جسر آرتا » للكاتب اليوناني جورج ثيوتوكا، أهو موضوعه المأساوي الذي يضج بتقديم ما يسمى « تضحية كبيرة » ينزّ منها طموح أكبر لشخص، يضحي بأقرب الناس إليه فيدفنه حياً، لكي يصل إلى هدفه ويحافظ على سمعته ويرتفع أكثر بنظر الناس، مسوغاً إقدامه على ما أقدم عليه من فعل هو قتل للبراءة والحب والرحمة، بأنه تضحية وثمن فادح يدفعه شخص من أجل شعب، أو قيام بتقديم جزء من « الذات » قرباناً على لمن يطلب قرابين، ليتم إنجاز عمل فيه خير للناس بمقدار ما فيه من ضرر للذات بتقديم « الآخرين » قرابين على مذبحها المعلقة عليه لافتة تقول: إنه في سبيل الناس والحياة؟! ربما كانت تلك رغبة جامحة في الارتفاع بنظر الآخري إلى درجة البطولة، والإقدام على التضحية بالأعز لينجز لهم عملاً ينفعهم ويخلد.. إن من يفعل ذلك ويراه بعين أنانيته تضحية فائقة بالخاص في سبيل العام.. لا يستطيع أن يرى ما يمكن أن يراه غيره في عمله ذاك بأنه طموح شخصي عارم يخالطه غرور كبير، يجيز لصاحبه أن حياة غيره، وقد يستبيح الخاص والعام، ليرضي ذاتاً  إنانية تورمت بصورة صادمة وصاعقة.. تلك حالة من مقاربة أسئلة أكثر من عويصة تنتصب أمام الإنسان في كثير من الأمكنة والأزمان.

جورج ثيوتوكا كاتب يوناني معروف له عدة مؤلفات، كتب القصة والمسرحية، وعمل مديراً للمسرح القومي اليوناني مدة من الزمن، وترجمت أعمال له إلى عدة لغات. ومسرحية « جسر آرتا أو الثمن الفادح » من أشهر مسرحياته وأرقها وأغناها بالحس التراجيدي الأصيل الذي ما عدنا نجده أو نشعر به إلا نادراً في المسرحيات الحديثة. ينمو الإحساس بالمأساة نمواً جمالياً عميقاً ومؤثراً في هذه المسرحية من خلال الحوادث ومواقف الشخصيات. وقد عبر المؤلف عن ذلك بأسلوب شاعري رقيق وأحياناً بغنائية ساهمت إلى حد كبير في تعميق هذا الإحساس وأكسبت المسرحية شفافية وقربتها من النفس الإنسانية، كما ساهم الرمز في إغناء مضمون المسرحية وخلق مشاركة فكرية لدى القارئ أو المشاهد.. وقد ترجم د. نعيم عطية هذا النص إلى العربية بلغة وأسلوب ارتقيا إلى مستوى أداء المؤلف.

تدور حوادث المسرحية في اليونان حيث تقوم مجموعة من البنائين والفتيان في بناء جسر على نهر آرثا تحت إشراف رجل من أصلب الرجال وأشهرهم وأشدهم مراساً وأكثرهم خبرة وحنكة؛ ولكن الجسر كان ينهار كلما قارب النهاية، وعبثاً حاول المهندس مع بنائيه البحث عن سر ذاك الانهيار، فقد درسوا كل شيء بدقة: الأرض ومواد البناء والقياسات والتنفيذ وكل شيء.. وها هم يبنون الجسر للمرة الثالثة فهل سينجحون هذه المرة؟!

إن امرأته التي تغني لطفلها في البيت أغنية أم حنون وتهدهده لينام، لا ينمّ وجهها عن مثل هذا التعبير، إنها تثق بزوجها وبقدرته على البناء، وهي على استعداد لتقدم كل شيء كي يقوم جسر آرثاو ويداخلها شعور غامض بعدم الارتياح لا تدري له سبباً.. وأهل المنطقة الذين رشحوا زوجها لبناء الجسر ليسوا أقل ثقة منها بذلك الرجل، فهو لديهم أنموذج البناء الجيد، وثقة العاملين في بناء الجسر من بنائين وعمال لا تقل عن ثقة الجميع بالبنَّاء الكبير، الذي يذكرنا بـ « سولنس » بناء الكنائس ذات الأبراج العالية عند هنريك إبسن في مسرحيته سيد البنائين. فما هو السبب إذن في أن الرجل لا ينجح وأن الجسر ينهار، وقد انهار فعلاً للمرة الثالثة، حيث أخبرت بذلك أجراس الكنائس التي قرعت، والنسوة اللائي هزّهن الخبر فهرولن من بيت إلى بيت والدمع الحبيس يطفر وينزلق من عيونهن، وما لبثت أن لهَجت بذلك الخبر الألسنة في كل أنحاء المنطقة!

إن رئيس البنائين نفسه يحاول أن يفهم السر ولا يعرف، فقد كان سيد عمله: « شيدت العمائر الصعبة وأرسيتها على أسس وطيدة، نفذت بالحجارة كل نزوة خطرت لي ولم يعلُ عليّ أحد، كنت مثل متسلق الجبال الذي ألف أن يتسلق راجلاً أكثر القمم وعورة، لم ترعبه المرتفعات أبداً. ».. ربما لأنه لم يفكر بالأمر قط، وفي ذات يوم رأى من تحته الناس مثل الرمل والقرى مثل لعب الأطفال، فانتابه الرعب وجف الدم في عروقه: « مضيت قدماً لأنني لم أكن أقوى على غير ذلك، ولكنني لم أصل إلى شيء.. إنني أدور في حلقة مفرغة معلقاً على شفا الهاوية. غُنمي الوحيد أنني بدأت الآن أخمن ما الذي كانت تعنيه رهبتي تلك؟. كانت إشارة من قدري تقول لي: جسر آرتا ركبته الشياطين، وأخشى أن تتسلل إلى حياتي كلها. ».

إن البنّاء العظيم يعتقد أن لكل أمر إذا ما تم نقصان.. ولكن هل يستسلم فينهار؟! لقد بلغ ذروة المجد وهو يقوم الآن بعمل ضخم يخلِّده ويخلُد على الزمن. وقد كلفه الشعب ببناء هذا الجسر، ويعرف جيداً أن نتائج مثل هذا العمل ستعود بالخير على الشعب... فكيف ينهي الجسر؟ إن حكاية سيطرة الشياطين على الجسر حكاية لها أكثر من مدلول، ولكن ما الذي فعله الرجل؟.

لقد حاولت زوجه أن تخفف من همومه وتبث فيه العزم ليتابع البناء، فوجدت أن تصميمه لا تشوبه شائبة، ولكنها لمست مقدار ما يعاني، وشعرت بأن هناك شيئاً يعذّبه.. نعم إن هناك ما يعذب البناء العظيم فما هو.؟

بعد أن انهار الجسر للمرة الثالثة وضع البناء حارسين على الجسر لحراسته في الليل، وزار امرأته ثم عاد إليهما، وهناك فوجئ بشيء.. إن هناك من يتحرك غير الحارسين: « .. يا شبح الليل، ماذا تريد منا؟ مهما كنت، إنساناً مظلماً، أو شبح ميت، أو شيطاناً، ما طلبك؟ يا شبح الليل، لو كنت بشراً اظهر، وإذا لم تكن فما الذي تبحث عنه بين البشر؟!

الشبح: لقد ناديتني.

رئيس البنائين: أيها الشبح، أنا لا أفهم هذه الأمور.. إنني بناء أقطع الحجارة. إنني إنسان عادي عملي أن أقيم بشرف أبنية من الحجارة وفي النور، لا أن أكلم أصواتاً غير بشرية في الليل، قل، ماذا تطلب؟

الشبح: أطلبُ ثمنَ العمل الذي تريدُ أن تُخلفه في هذه الأرض.. أيها البناء لقد جاء وقتُ السداد بالنسبة لك أيضاً. هل أنت على استعداد؟

رئيس البنائين: لو كنت أفهم شيئاً من كلامك فهو أنك تطالبني بدية، بدين لم أكن أعرفه أو كنت قد نسيته، وذلك لتدعني أرى جسر آرتا الذي هو عملي.. سأدفع أيها الشبح. لا أخشى الحساب.

الشبح: إذا لم تَدْفُن إنساناً لن ترى جسراً على شاطئ النهر.

رئيس البنائين: تطالبني بجريمة قتل أيها الشبح. لقد عرفت أنك مبعوث الجحيم لأنني سأقف وأبحث معك، لأن المشروع ليس ملكي أنا بل ملك المدينة والشعب والرفاق الذين يجاهدون معي، وقد يوجد في النهاية يائس من حياته، يتيم لا بيت له، أو مهدد من الأمراض والشيخوخة يرضى أن يهب نفسه فدية بوازع من الإيمان وحب الوطن، أو بدافع من الضيق والتعب، دون أن تكون ثمة حاجة إلى أن أصبح قاتلاً. تكلم، ماذا لديك تقوله غير ذلك.؟

الشبح: أنت الذي ستدفع، لا يصلح أن يدفعَ غيْرك. ستَدْفِن هنا مخلوقةً رقيقةً خدومةً تجدها إلى جوار أرجوحةِ طفلك، وبالليل إلى جوارك، وهي على استعداد كما تعرف- أن تفنى من أجلك ألفَ مرة، إنها لم تتصور قط، ولكن لو كان قد دار بخلدَها لقالت بلسانها: يا لها من سعادة.

رئيس البنائين: أتعني زوجتي أيها الشبح؟ تطلب مني أن أدفن زوجتي بين الحجارة؟!

الشبح: أنت الذي خرجت باحثاً وصائحاً في الليل. كُفَّ عن جسرِ آرتا إذن؟ لك الخيار.

رئيس البنائين: كلامك قاطع كحد النصل. أنت تعرف أنني لا أستطيع أن أفرط بزوجتي رغم أني مرتبط بهذه الحجارة بجسدي ذاته كما أرتبط بجسد زوجتي. إنك بكلامك تمزق جسدي إرباً إرباً. اطلب مني أي شيء آخر. اطلب مني حياتي أو صحتي. هل تريد عيني أيها الشبح؟ ها أنا أعطيك عيني. يكفي أن أرى مرة واحدة جسر آرتا وقد انتصب واقفاً في الضياء.

الشبح: أنت حر.

وفي قمة الحرية التي وضع فيها البنّاء كان عليه أن يختار، ونوع الاختيار يحدد معدن الرجل. فهل يتخلى عن بناء الجسر ويحتفظ بزوجته؟ هل يفضل المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، أم ماذا؟ ليس هنالك ما يلزمه بأن يختار شيئاً فهو سيد الموقف.. لن يلومه أحد إذا اختار ترك الجسر وحفظ لزوجته الحياة.

ويأتي اختياره بعد مرحلة عنيفة من الصراع والمصارحة الذاتية. يبعث البناء في طلب زوجته فتأتي وملء عينيها الحب والابتسام.. إنها قطعة من البهجة، ونسمة عطرة مضيئة في حياة عَمَّها الظلام. إنها على استعداد لأن تقدم كل شيء للبناء العظيم ورفاقه حتى يُبنى جسر آرتا.. هي أنموذج الزوجة المضحية والإنسانة البريئة المحبوبة.

ويخبرها مساعد البناء بأن زوجها فقد خاتم الزواج أثناء الحفر وقد سقط الخاتم في حفرة عميقة ولم يجرؤ أي من الفتيان على النزول للبحث عن الخاتم، وقد اعتُبِرت هذه الحادثة إنذار سوء بالنسبة لبناء الجسر هذه المرة أيضاً.. ولذا فقد استدعيَت هي فلعلها تجرؤ على النزول إلى الحفرة لتبحث عن الخاتم.. وتوافق المرأة، ويربطونها بحبل وتنزل إلى الحفرة كي تبحث عن الخاتم. وهنا يطلب البناؤون وعلى رأسهم مساعد الرئيس، من رئيسهم، أن يستجمع شجاعته ويصدر أمره بدفن المرأة في الحفرة تحت أعمدة الجسر، إذا كان يريد التضحية. وتُعطى له حرية الاختيار، ويستحثه الرجال بحق ما هو رئيسهم وبحق ما هو مسؤول أن يقرر.. وتبدأ الزوجة التي أُنزلت إلى الحفرة تستنجد، فقد ضاقت بهواء الحفرة وهزها الخوف.. وهنا يحزم البناءُ أمره ويقول: تبغون أن آمر، يا شجعاني؟ أن أشفق عليكم؟ أن أحكمكم؟ يا رجالي الطيبين.. الحبل أضحى الآن في يدي أنا يا رفاق جسر آرتا، يا من تصارعون الحجر، يا أهل الفخر والمديح، رئيسكم قد أمر بعدم الإشفاق والنكران، وبأي شيء آخر تتوق إليه قلوبكم الحجرية... إني آمر: سدوا الحفرة هيا.. هيا.. هيا عمل.. حرية.. هيا.. طرقة أخرى أيضاً.. دقوا بشدة.. أغلقوا عليها الحفرة بإحكام خشية أن تفلت منكم.. انتبهوا جيداً.. هيا.. أيها الصناع المهَرة.. أيها المجيدون.. في سبيل مشروعنا الكبير، في سبيل حريتنا الغالية، تجلدوا، دقوا.. تحمسوا.. فقد انتزعنا القلعة من الشيطان.. انتزعنا منه الجسر الملعون اللئيم، هيا يا رجالي.. يا فتياني.. يا أولادي.. دفعة أخرى.. دقة أخرى. ».

وفي فورة من الحماسة التي تحمل في ثناياها الغضب والارتباك وفعالية النفس على أداء فعل لا يجرؤ الإنسان على الإقدام عليه في حالة هدوء نفس وصفاء عقلي وصحوة ضمير.. وبنوع من أداء عمل، وبأسلوب الاحتجاج على إتيانه، يقدم الجميع على ردم الحفرة على الزوجة.

وبعدها يبدأ اللوم من قبل البنائين.. وتبدأ الاحتجاجات والتساؤلات لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟

هل تُزف العروس إلى النيل كما هي العادة؟

هل تدفن الزوجة الوديعة حية في حفرة عمود جسر آرتا؟

هل يسحق الفرد في سبيل قضية ما باسم أنها لصالح الجماعة؟ وما ذنب ذلك الفرد؟ ولماذا يكون هو الذي يسحق.؟

وتلتجئ الجماعة التي تسأل إلى طريقة تخفف بها من إحساسها بالذنب وها هي تتهم رئيس البنائين، الزوج.. بأنه قاتل ومجرم وهو الذي أمر، وتصب عليه اللعنات. وتأتي أم الزوجة المضحّى بها. فنسمع منها كلام قلب ذبيح، وتلقي لعناتها ودعواتها على الزوج، وتنذره بالمصير المؤلم الذي ينتظره... فسترتجف أجسام الأطفال حين يمر بقربهم، وسيخشاه الناس، وسيبقى ملعوناً مشرداً.. يلاحقه الإثم الذي اقترف.

ولكن البناء ينتشل نفسه من موقف الإدانة هذا ويواجه المجموعة الغاضبة مسيطراً على الموقف، موضحاً تصرفه بقوله: « أيها الرفاق، أوقفوا هذه الحركة... تذكروا من أنتم وأي هدف لمَّ شملكم هنا على شاطئ هذا النهر.. هل أنتم مجرد جماعة التمَّت عرضاً حتى تنهارون هكذا منذ أول ذبابة تلدغكم دون تدبر أو تفكير!؟ ألستم بنائيْ؟ ألست رئيسكمْ؟ ألم نذرع اليونان معاً خطوة خطوة؟ ألم نصارع الحجر سوية بعشق وألم، وأقمنا القلاع والقصور وأبراج الكنائس عالياً تطاول السماوات الزرقاء، ليكن الشعب وحده موضع اعتباركم.. إنه يكن لكم الاحترام، ويضع فيكم ثقته، إنه ينتظر بلهفة مشروعكم الجديد الذي وعدتموه به، أعظم مشروعاتكم قاطبة.

إن أرواحنا تنتظره بلهفة هي أيضاً، وإذا لم تشهده منتصباً يلمع في ضياء الشمس كالذهب، فإنها لن تنجو من العاصفة الهوجاء التي تكتسحها. أفيقوا، أيها الرفاق. لن أبتعد من جانبكم حتى أوصلكم إلى مرفأ الخلاص. وبعد ذلك اطردوني إذا لم يكن يروق لكم وجهي، انبذوني واهجروني كما شئتم. هذا حق لكم وعدل.. أما الآن في ساعة المعركة فإنني أهيب بكم وأصيح فيكم.. إلى الأمام.. ».

وبعد إتمام العمل بأعوام نرى رئيس البنائين في الشوارع مثالاً للبؤس يهرب منه الأطفال، وتُضرَب بغلظته الأمثال، أما الزوجة فقد أصبحت موضوع تغني القلوب البائسة والأجيال القادمة. تردد قصتها الشفاه ويتغنى بها المغنون.

ويعاني البناء من هذه النتائج التي وصل إليها.. إنه منبوذ ولكنه لم يفعل ما فعل إلا لمصلحة الجماعة.. من أجل الشعب.. لقد طعن قلبه بيده؟! ويرى شبح زوجه فتغفر له ما فعل، ولكنه يبقى يائساً.. أمتص البؤس روحه: « قوتي تخلت عني. لم أحتمل حتى الحبل أضعه حول عنقي، جفت فجأة لهاتي، وانطفأت النار التي في دمي.. أضحيت خائر القوى، وساقاي سرت فيهما الرعشة. أضحيت بلا كبرياء ولا خجل، وما أن أنجزت عملي حتى وجدت كل قواي قد امتُصَّت ونضب المعين ».

وعلى الرغم من النهاية البائسة التي ينهي بها أحد المواطنين مسرحية جسر آرتا.. وعلى الرغم من الآلام التي عاناها البناء العظيم، يبقى لتلك التضحية جلالها بنظر البعض.؟!

ولا بد لنا من القول هنا: إن مسرحية جسر آرتا من المسرحيات الرائعة التي تتوفر فيها مميزات العمل المسرحي الجيد، وبالإضافة إلى ذلك فإنها من المسرحيات النادرة التي تضع متفرج القرن العشرين وربما الذي يليه في الجو التراجيدي الصحيح الذي خلقه اليونان الأوائل في مسرحيات خالدة كأوديب وبروميثوس وانتيغون..إلخ، وذلك من خلال موضوع الأسطورة أو الحكاية الشعبية العميقة التأثير في النفس والذاكرة.. وقد توافر لها الأسلوب الشاعري الرقيق المؤثر، والبناء الدرامي المتنامي بشكل ممتاز، والموضوع الذي يضع الخاص والعام، الهدف والوسيلة، الأناني والغيري، الذاتي والموضوعي، الإنساني وغير الإنساني.. إلخ، في سياق ثنائيات عويصة.. تطرح أسئلة ملازمة للحياة والعمل، لا تجد لها أجوبة شافية تريح الضمير.. ضمير من يملك قيماً وشعوراً إنسانياً عميقاً وحساً بالعدالة وبالآخر الإنسان. وقد قارب المؤلف  هذه الأسئلة أو هذا الموضوع بمعالجة درامية جيدة لنصه الذي أحب أن أرى فيه، وأسميه: « جسر الثمن الفادح والأسئلة العويصة ».

فقد أحسن ثيوتوكا استيعاب الدرس التراجيدي اليوناني القديم، وهضم التراث الذي خلفه الإغريق الأول، وقدم بحس مسرحي أصيل تجربة فنية مأساوية تجد فيها قوة الفكر الحديث، وتشعر بتدفق الشاعرية وعمق النص، وبالحس الجمالي الذي يتوفر في المسرح الإغريقي الجليل.

 

دمشق في ‏الجمعة‏، 20‏ شباط‏، 15

 

علي عقلة عرسان