خبر زيتون فلسطين تاريخ من الحكايات

الساعة 07:13 م|20 فبراير 2015

فلسطين اليوم

القصص عن زيتون فلسطين مجبولة بالقهر والمرارة. قهرٌ يدخل إلى الأعماق، لكنه لا يلبث أن يتحول إلى طاقة متجددة، تعيد الغرس كلما امتدت أيدي المعتدين واقتلعت أي جذر من جذورها.

شجرة الزيتون رزق ثابت، يعطي صاحبه الطمأنينة والاستقرار، وعدم القلق من غدرات الزمن. لكننا نرى المثل القائل « قطع الأرزاق من قطع الأعناق »، متجسداً أمام أعين العالم، كلّما أقدم المستوطنون اليهود على اقتلاع أشجار الزيتون، أو حرقها أو سرقة محصولها، ظناً منهم أنهم سينجحون في اقتلاع الفلسطيني من جذوره.

شجرة الزيتون، تلك الشجرة المعمرة، تترك صاحبها ينام قرير العين، لاطمئنانه أنّها ستلازمه طوال عمره. تعطيه وتغنيه، ويورثها لأبنائه من بعده، بل لأجيال. واقتلاع الزيتون أو منع أصحابه من الوصول إليه، يشبه تماماً انتزاع الأولاد من حضن أهاليهم، إنها جريمة كبرى.

القصص التي تروى عن زيتون فلسطين، والظلم اللاحق بأصحابه، يعيد إلى مسامعي صوت جدي، الذي كان يخبرنا عن حقل الزيتون لديه في إحدى قرى جبل لبنان، ويقول أنّ شجرة الزيتون رزق تحلّ فيه البركة، نكسبه اليوم ونخلفه لأولادنا من بعدنا. وأعود بذاكرتي إلى اليوم الذي اصطحبنا فيه، نحن الحفيدات، إلى الحقل، وكانت أكبرنا لا تتجاوز العشر سنوات، لنساعده في جمع الزيتون.

اعترض أهلنا لأنّنا صغيرات وغير قادرات على مساعدته. لكن شدّة توسلاتنا البريئة أخضعت أهلنا، وما كان من أمهاتنا إلّا أن وضّبن لنا زوادة، فحملناها وذهبنا. لم يكن الحقل بعيداً عن البيت، لكننا سرنا، ملتزمات بتعليمات جدّنا، كمن يذهب لتلبية نداء الواجب.

هكذا أوحى لنا الجد عندما صار يحدثنا عن أشجار الزيتون وطريقة معاملته لها. كيف يجمع المحصول ويعصر جزءاً منه لتأمين مونة العائلة من الزيت، الذي تغمس به جدتي خبز الصاج وترش فوقه الزعتر، وتقدمه لنا كأطيب وجبة على الإطلاق.

مع وصولنا إلى الحقل، أخرج جدي من جذع إحدى شجرات الزيتون المجوّف علباً معدنية، وزّعها علينا، معلناً البدء بتمشيط الجلّ. يومها، عرفنا أن التمشيط يعني البدء بجمع حبات الزيتون المتناثرة من أول الجل حتى آخره، كالمشط. لم نستطع ملء العلب، فقد كانت سعتها أكبر من قدرتنا. نال منا التعب بعد ساعات قليلة. عدنا أدراجنا وقلوبنا مفعمة بالفرح، ومليئة بالفخر لأننا ساعدناه.

هكذا أشجار الزيتون في فلسطين تاريخ من الحكايات، تستحق الوصول إلى مسامع العالم كله، فلنجعل منها حكايات، تروى في البيوت والمدارس والجامعات ومنابر المحافل الدولية.
إنها حكايات أناس يحاولون قدر استطاعتهم الإمساك بجذور أشجارهم، يفضّلون الموت على رؤيتها تُقلع أو تُحرق.

قصص لا تختصرها التقارير التي تحصي ما تبقى منها بعد كل اعتداء إسرائيلي. إنها أشجار تمثل شريان الحياة للناس، ورسوخها يعني بقاءهم في الأرض. علّ قصص فلسطين تصل للناس عبر أشجار الزيتون، لأن الخطابات أثبتت عدم جدواها خلال سنوات الصراع الطويلة.