خبر استراتيجية سياسية متشابكة: اقليمية، ثنائية وخطوات مستقلة .. هآرتس

الساعة 12:07 م|19 فبراير 2015


بقلم: جلعاد شير وليران اوفيك
          (المضمون: يقترح الكاتبان أن تبادر اسرائيل الى طرح مبادرة سياسية ترتكز على رسم حدود اسرائيل وفقا لخطوط 1967 مع الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية داخل الدولة الفلسطينية مقابل تبادل الاراضي واخلاء نحو 100 ألف مستوطن، وهذا سيجعلها تعيش في دولة ديمقراطية آمنة مثل كل الشعوب - المصدر).
          الواقع المركب في الشرق الاوسط يجبر اسرائيل على بلورة سياسة متطورة ومتدرجة، تشمل مفاوضات اقليمية متعددة الاطراف مع مفاوضات ثنائية وحتى خطوات مستقلة لرسم حدود الدولة. كل هذا من اجل أمن سكانها. مبادرة كهذه تستند الى قنوات عمل موازية، بديلة ومكملة. يمكن التقدم في كل واحدة من هذه القنوات بخطوات مؤقتة ولفترات انتقالية، تسبق اتفاق جزئي وتشكيل دولتين قوميتين. التقدم الفعلي لكل واحدة من هذه القنوات يُملي الجهد الاساسي بينها في كل لحظة معطاة. من المناسب أن تعلن الحكومة القادمة عن نواياها للتوصل الى اتفاقات سياسية وتطوير التطبيع مع الدول المجاورة، وتبدأ بعملية تفكير وعمل مركزي باتجاه مبادرات سياسية مثل « خريطة الطريق » مع الاستعداد لفحص مبادرة السلام العربية، الموضوعة أمامها منذ أكثر من 12 سنة، كاطار للمفاوضات الاقليمية بما في ذلك التحفظات عليها. هذه العملية ستساعد اسرائيل على تطوير جهاز للتواصل – سري في المرحلة الاولى – مع اوساط من الدول العربية والمجتمع الدولي.
       شرط الزامي – الانفصال عن الفلسطينيين مع ترسيم الحدود
          دولة اسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي، وعليها الاستمرار في وجودها هكذا. مصلحة اسرائيل، أمنها القومي والقيم الاساسية اليهودية، الاخلاقية والعالمية لها، تملي حلا سياسيا للنزاع الاسرائيلي الفلسطيني. وهذا يمكن التوصل اليه عن طريق التقسيم المناطقي للمنطقة الواقعة بين نهر الاردن والبحر الى دولتين قوميتين، ويفضل القيام بذلك بواسطة مفاوضات من اجل التوصل الى اتفاق سياسي.
       اسرائيل والفلسطينيون: الوضع الحالي
          محاولات حل النزاع عن طريق المفاوضات على مدى أكثر من عقدين لم تنجح. اليوم احتمالية التوصل الى اتفاق دائم، منخفضة، هذا الاتفاق الذي من شأنه وضع حد للنزاع وللمطالب المتبادلة. وهذا ينبع من عدة اسباب اساسية: أ– الفلسطينيون اختاروا السعي لتحقيق مكاسب سياسية عن طريق الاستخدام المتزايد للوسائل القانونية والدبلوماسية. ب- نقص شديد في الثقة بين الطرفين. ج- فجوة غير قابلة للجسر في الوقت الراهن بين مواقف الطرفين في شأن المواضيع الأساسية، والافتراض أن الحكومة في اسرائيل لن تعرض على الفلسطينيين عروضا مشابهة لتلك التي رفضوها في الماضي (كامب ديفيد 2000، وأنابوليس 2008). د- جولات المواجهة المتواصلة بين اسرائيل والفلسطينيين.
          غياب المفاوضات حول الحل النهائي يشكك بشرعية النشاطات السياسية والعسكرية الاسرائيلية في ساحات مختلفة على الصعيد الدولي: الدبلوماسية والقانونية والاقتصادية. اضافة الى ذلك، العلاقات الضعيفة الى درجة القطيعة في كل ما يتعلق بالمفاوضات السياسية بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، تُستغل اليوم من قبل اوساط فلسطينية ومنظمات غير حكومية في أرجاء العالم من اجل « تسويد » صورة اسرائيل، حيث يتم تصويرها من قبل هذه المنظمات كدولة قوة غير انسانية تعمل بصورة غير متوازنة وبدون تمييز ضد مجموعات سكانية ضعيفة. حتى الآن لم يُسجل أي نجاح لهذه الحملة، لكن يوجد لها تأثير متراكم، حيث تقضم التأييد لمواقف اسرائيل بين اصدقائها. إن عدم ارتياح الداعمين لاسرائيل في المجتمع الدولي مقابل السياسات الاسرائيلية ظهر في الاعتراف، غير الملزم، بالدولة الفلسطينية في البرلمانات الاوروبية، حتى في غياب المفاوضات. وأضيف الى ذلك دعم الدول الثمانية الاعضاء في مجلس الامن – أقل بصوت واحد من النصاب المطلوب لاجراء النقاش – لمشروعي القرار الفلسطيني اللذين قدمهما الاردن في كانون الاول 2014. المشروعان دعيا الى اتفاق يتم فرضه على اسرائيل خلال سنة والانسحاب من الضفة الغربية في نهاية ثلاث سنوات.
          مع تحدي نزع الشرعية، على اسرائيل التعامل بالأدوات المتنوعة الموجودة تحت تصرفها. لكن الى جانب هذا، عندما تريد بلورة سياسة، على الحكومة أن تفحص كيف يمكنها استغلال التأثير والفرص التي يوفرها ما يجري في المنطقة لصالحها في اطار استراتيجية سياسية مبادر اليها.
       فرص اقليمية
          يوجد لدولة اسرائيل مصالح مشتركة آخذة في الازدياد مع دول عربية مركزية: مصر، العربية السعودية، الاردن والامارات العربية. توجد حاجة لجميع هذه الدول لمواجهة عدد من التهديدات: بداية الطموحات النووية الايرانية؛ صعود داعش والاسلام الراديكالي؛ حماس والارهاب الفلسطيني، وفي هذا الاطار منع التهريب والتسلل في المناطق الحدودية. هذه الشراكة ذات صبغة محلية، وبذاتها فقط لا تستطيع أن تقود الى تعاون مكشوف، لكن المبدأ الذي تقوم عليه هو أن الاستقرار – في الداخل والخارج – مصلحة حيوية. وباسم هذا المبدأ فان الدول العربية مستعدة لاستخدام القوة ضد التنظيمات الارهابية المتطرفة مثل داعش واشباهها، وهي تعمل – كل واحدة في حدودها وبأدواتها – ضد حماس. اضافة الى ذلك فان هذه الدول تدعم نشوء اتفاق اقليمي بروح مبادرة السلام العربية. المبادرة قائمة على مباديء يمكن النظر اليها كمباديء ايجابية من وجهة نظر اسرائيلية: الاعتراف بالسلام كخيار استراتيجي؛ استعداد عربي لاجراء مفاوضات مباشرة مع اسرائيل، التي تعني الاعتراف بالقرار 181 للجمعية العمومية؛ التزام عربي بتسويق المبادرة في المجتمع الدولي؛ الموافقة على حل النزاع والتطبيع مع اسرائيل؛ ايجاد حل متفق عليه لمشكلة اللاجئين. كل ذلك يشهد على وجود فرصة لتجنيد دول عربية لحمل أجندة يمكنها المساعدة على التوصل الى حلول جيدة لاسرائيل – ايضا بخصوص المسألة الفلسطينية.
          يجب بلورة استراتيجية سياسية متشابكة تقوم على ثلاثة اتجاهات عمل: أ- تأييد اتفاقات اقليمية في كل المواضيع المشتركة لاسرائيل والسلطة الفلسطينية والدول العربية المعتدلة والاوساط الدولية ذات العلاقة. ب- التوصل الى تعهد بدفع المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية، من اجل التقدم التدريجي – من خلال اتفاقات مؤقتة واتفاقات جزئية – لانشاء دولتين بروح خطة كلينتون في كانون الاول 2000 ومباديء خريطة الطريق 2003. ج- تطبيق اتفاقات وتفاهمات بهدف التغيير الفعلي للواقع على الارض عن طريق استمرار بناء المؤسسات الفلسطينية، اصلاح الاقتصاد وتقوية القيادة الفلسطينية المعتدلة.
          لهذه الغاية مطلوب شروط مرجعية مرنة الى حد ما، متفق عليها وملزمة لكل الاطراف، من اجل أن تشكل النجاحات والاتفاقات في أي مجال زخما ايجابيا يساعد على التقدم في المجالات الاخرى، والتعامل بنجاعة مع الفشل.
          في النهاية، يوصى أن تقوم حكومة اسرائيل باعداد نفسها لاحتمال أن يُطلب منها الانسحاب الى حدود مؤقتة تحددها بنفسها: الخطة ب. يتم الحديث بالفعل عن اعادة الانتشار – العسكري والمدني – بحيث يُمكن من نقل السيطرة الى السلطة الفلسطينية على الضفة الغربية باستثناء غور الاردن، المناطق شرقي الخط الاخضر وحتى حدود جدار الفصل، ما دام لا يوجد اتفاق دائم. معنى هذه العملية هو اخلاء تدريجي يصل الى 100 ألف مدني (مستوطن) وفقا للتطورات على الارض. هذه العملية سيتم القيام بها بالتنسيق مع الولايات المتحدة والاردن ومصر والسلطة الفلسطينية – بقدر الامكان. عملية كهذه تتطلب بلورة برنامج تفضيل قومي لاستيعاب المستوطنين، الذين يعيشون اليوم خلف الجدار الفاصل، وسن قانون اخلاء – تعويض، الذي يؤمن التعويض المعقول والمناسب. كما أن على الحكومة اجراء نقاش داخلي حول هذه العملية مع الجمهور الذي سيتم اخلاءه بشكل خاص ومع مواطني اسرائيل بشكل عام. النقاش لن يطمس الانقسام العميق بالنسبة لعملية كهذه في المجتمع الاسرائيلي، لكن يمكنه المساعدة في بلورة أدوات للتعامل مع قرارات مصيرية قومية مهمة في هذا السياق.
          السياسة المقترحة ترتكز على عناصر حيوية للامن القومي الاسرائيلي، وهذه العناصر تشكل جزء لا ينفصل عن كل مسار التقدم الذي تم وصفه. بداية، وقبل كل شيء، يدور الحديث عن الحفاظ على حرية العمل الكاملة للجيش الاسرائيلي والاجهزة الامنية على احباط العمليات الارهابية ومنع تقوي التنظيمات الارهابية، السيطرة على المجال الجوي والمجال الالكترومغناطيسي، التنسيق الامني مع الاردن ومصر وبقدر المستطاع مع السلطة الفلسطينية، كذلك في التعامل مع اعمال العنف – من جانب الاسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء – على خلفية أي اعادة انتشار في الضفة. كما يتم التأكيد على تمكين السلطة من تحسين نسيج الحياة في الضفة وتطوير وضعها الاقتصادي وتشجيع بناء المؤسسات وفقا لمباديء خريطة الطريق.
          غياب التقدم في المفاوضات مع السلطة الفلسطينية يساعد عملية نزع الشرعية عن دولة اسرائيل في الساحة الدولية. رغم ذلك فان اسرائيل وجاراتها على الصعيد الاقليمي موجودة في نفس المتراس ضد تهديدات مشتركة. لهذا على حكومة اسرائيل أن ترسم سياسة مبادر اليها، تجند المشاركة في المصالح مع الدول العربية لصالح التقدم في الساحة الفلسطينية. كما يمكن التوقع أن تحسن العلاقات بين اسرائيل والفلسطينيين وبين اسرائيل وجاراتها المعتدلة سيساعد في خفض زخم نزع الشرعية الذي يُصعب على اسرائيل تجنيد الدعم لمواقفها وحاجاتها، في الاساس الامنية.
          إن مبادرة بروح هذه التوصيات المعروضة ستُمكن الحكومة من أن ترسم لاسرائيل محيطا استراتيجيا مناسبا للوطن القومي للشعب اليهودي. تُرسم حدود واضحة – قابلة للدفاع عنها وبقدر الامكان ايضا متفق عليها – بين دولة اسرائيل والدولة الفلسطينية. الحدود ترتكز على خطوط 1967 من خلال ابقاء الكتل الاستيطانية داخل مناطق الدولة مقابل تبادل الاراضي. وهكذا تقام في حدود اسرائيل دولة ديمقراطية آمنة فيها اغلبية يهودية وتحظى باعتراف دولي مثل كل الشعوب.