خبر العوامل البيئية التي تسرع في حدوث الشيخوخة

الساعة 08:14 م|16 فبراير 2015

فلسطين اليوم

أغلبنا يطرح بعض التساؤلات حول التقدم بالعمر، فلطالما تساءلنا لماذا تشيخ الأجسام البشرية بمعدلات مختلفة؟ ولماذا يمكن لبعض الأشخاص الذين يبلغون السبعين من العمر الاشتراك في سباق الماراثون، في حين أن آخرين من عمرهم يضطرون لاستخدام أداة مساعدة للمشي؟

في الحقيقة فإن الاختلافات الجينية هي جزء فقط من الإجابة على هذه التساؤلات، حيث قام ثلاثة علماء من جامعة ولاية كارولينا الشمالية بنشر بحث جديد يشير إلى ضرورة التوسع في البحث في عوامل جينات (gerontogenes) وهي الجينات التي تؤثر في معدل التقدم بالعمر، كما يجب التوسع ببحث العوامل البيئية التي تؤثر على هذه الجينات مما يؤدي
إلى التسريع من عملية التقدم بالعمر.

العوامل التي يمكن أن تؤثر على مقاومة الـتقدم بالسن، هي الزرنيخ الموجود في المياه الجوفية، والبنزين المنبعث من الانبعاثات الصناعية، والأشعة الفوق بنفسجية القادمة من أشعة الشمس، وخليط المواد الكيميائية السامة الموجودة في التبغ (4000 مركب سام)، كما يمكن ادراج بعض العادات الحياتية ضمن العوامل المؤثرة على هذه الجينات، مثل تناول الأطعمة المفرطة بالسعرات الحرارية ، أو الشعور الدائم بالضغط النفسي، ويشير الاساتذة (جيسيكا سورنتينو) و(حنا سانوف) و(نورمان شاربلس) إلى أن دراسة هذه العوامل يمكن أن تؤدي إلى دراسة أكثر تكاملاً للتغيرات الجزيئية التي تحصل في الأجسام المسنة، كما أنها تفسح المجال لدراسة الجينات التي ترتبط بزيادة معدل العمر.

ويشير (شاربليس) إلى أن جهود العلماء في الفترة الماضية كانت متركزة على إبطاء معدل الشيخوخة، وهذه الجهود تعتبر سابقة لأوانها، كونه حتى لو أعلن العلماء أنهم اكتشفوا حبة مضادة للشيخوخة، فيتوجب على الاشخاص استخدام هذه الحبوب لعدة عقود، حتى تأخذ مفعولها، وبالتالي فإنه ليس من السليم دفع الأشخاص الأصحاء لتناول الدواء لفترة طويلة من العمر، خاصة في ظل أن هذه الأدوية دائماً ما يصاحبها آثار جانبية خطيرة، والأفضل على حد تعبير (شاربليس) هو التعرف على الأشياء الموجودة في البيئة والتي تؤثر في الشيخوخة، كون هذه الأمور هي التي يمكنها أن تساعد العلم حالياً .

وتشير بعض الدراسات إلى أن 25% من التباين في أعمار البشر يعود إلى العوامل الجينية، أما البقية فتتأثر بعوامل أخرى، مثل الحوادث والإصابات والتعرض للمواد السامة التي تسرع من عملية التقدم بالعمر، علماً أن العلماء أصبحوا أكثر اهتماماً في دراسة المواد السامة التي تؤثر على التقدم بالعمر في السنوات الأخيرة، خاصة بعد أن تمت ملاحظة أن أنواع عديدة من العلاجات الكيميائية، وبعض العقاقير المضادة لفيروس الإيدز، تسرّع من ظهور عوامل التقدم بالعمر، حيث يمكن أن تؤدي إلى ضعف وتدهور الحالة العقلية.

ويأكد العلماء إلى أن السعي الحالي لتحديد جينات الـ(gerontogens) يمكنها أن تساعد بقياس العمر البيولوجي للإنسان، ولكنها لا يمكن أن تفسر سبب تباين أعمار البشر، فمثلاً في حال تم النظر في الدماغ وقياس مستويات بروتين (بيتا أميلويد)، وهو البروتين المرتبط بمرض الزهايمر، فيمكن تحديد مستويات الشيخوخة التي تؤثر في الصحة العقلية وتؤدي إلى مرض الزهايمر، ولكن قياس مستويات هذا البروتين لا تمكّن العلماء من معرفة مستويات الشيخوخة في أجزاء أخرى من الجسم، كما أن قياس طول التيلوميرات (وهي واقيات توجد في نهاية سلسلة الحمض النووي البشري (DNA) تتلاشى مع مرور الزمن) هي عملية صعبة ومكلفة، فضلاً عن أنها غير مجدية بالنهاية، كون طول التيلومير يختلف بشكل طبيعي ما بين الأشخاص الذين هم بذات العمر، وبالتالي فإن الاختلافات بطول التيلومير لا تعبر عن اختلاف عوامل التقدم بالعمر.

الدراسة الجديدة التي قام بها فريق (شاربلس) ركزت على جانب واحد معين من التقدم بالعمر، وهي عملية الشيخوخة، حيث تتوقف خلايا الجسم خلال الشيخوخة عن الانقسام، وتتراكم الخلايا الهرمة بالجسم كلما تقدم العمر، كما تتزايد نسبة بروتين P16 ضمن الخلايا بحيث تزيد عشرة أضعاف عن المستويات المعتادة.

وقد قام فريق (شاربلس) بتطوير سلالة من الفئران التي تضيء كلما أنتجت بروتين P16، أي تقوم هذه الفئران بالتوهج عندما تصبح خلاياها هرمة وتتقدم بالسن، كما تم إرسال هذه الحيوانات إلى حوالي 50 مختبراً مختلفاً لإعادة إجراء هذه التجارب، كما قام الفريق بالتعاون مع شركة (HealthSpan Diagnostics) لإنشاء نسخة من اختبار بروتين P16 يمكنها قياس العمر البيولوجي للبشر.

وأخيراً، يشير (شاربلس) إلى أن فحصاً واحداً لا يكفي للوصول إلى النتيجة الكاملة، كون القدرة على قياس العمر الفيزيولوجي للإنسان يحتاج إلى مجموعة كاملة ومتنوعة من الاختبارات، ولكن الشيء المؤكد بأن العلم سيكون لديه القدرة في يوم من الأيام على قياس عمر الشخص الفيزيولوجي بدقة، خاصة في حال  تم اختبار المواد المؤثرة في عمر الإنسان بملايين الاختبارات كما يتم اختبار المواد المسببة للسرطان، وفي النهاية يمكننا القول بأن الأبحاث في مجال الشيخوخة تخطو حالياً خطواتها الأولى نحو تحقيق الهدف.