خبر السلوك المتطرف ...... من المسئول؟..د.جميل يوسف

الساعة 07:16 م|11 فبراير 2015

فلسطين اليوم

* د جميل يوسف

 ندد العالم العربي بكل شرائحه بالنهاية الغير إنسانية حرقا للطيار الأردني الأسير معاذ الكساسبة, هذا العالم الذي يمر بشكل عابر على جرائم أفظع وأكثر خطورة من إعدام الكساسبة, الجريمة التي تأتي ضمن سلسلة من الجرائم  البشعة التي ترتكب يوميا في المنطقة العربية سواء من النظام الحاكم ام من بعض القوى السياسية والأحزاب العربية, الجميع يعطي نفسه الحق في ارتكاب كل الجرائم بحق المعارضين له.

     إن ما يحدث في العراق من حرق وقتل بالمئات سواء من النظام الحاكم او القوى الاخرى منذ الغزو الأمريكي الإجرامي عام 2004, وما يحدث في سوريا على يد جميع الأطراف الرسمية والمعارضة,وما يحدث في مصر من قتل وحرق سواء للمعتصمين في رابعة او الشرطة في اقسام الشرطة والاغتصاب والسحل,وما حدث في فلسطين أثناء الانقسام, وفي أماكن أخرى على امتداد الوطن العربي يمثل حرقا للأمة وشعوبها, ويؤكد ان هذا المرض الذي يهدد وجود ودور الأمة العربية والإسلامية لم يكن ابتكارا داعشيا بل سبقته عقول وممارسات داعشية بفترة طويلة, ولم تكن داعش سوى حلقة من هذه الحلقات المتطرفة.

   لقد بات مألوفا في حالة التدافع العربي الداخلي غياب أية حسابات وطنية فيما يحدث, وكذلك عدم وجود معايير إنسانية أو سياسية في هذا التدافع, والمثير أكثر هذه الانتقائية في المناطق التي تتعرض لهذا التدافع او الاحتراب القذر. ويصاب المرء بالصدمة من حالة التفسيخ التي تنتاب الوطن العربي ولا تجد ايا من المتقاتلين يعطي نفسه برهة من الزمن ليفكر في صوابية ما يقوم به او انعكاسه على مصير الامة العربية والاسلامية. البداية يتحملها النظام العربي عندما ارتكب من الممارسات اللاانسانية بحق مواطنيه المعارضين ما يفوق قدرة العقل على تقبلها, وتحول المواطن العربي من اداة من ادوات التقدم والنهضة في المجتمع الى اكوام مكدسة من اللحم البشري بين مؤيد اضطراريا لهذا النظام او غائب بين انياب اجهزة القمع الامنية في السجون او فارا الى ديار أخرى كأوروبا تستفيد من قدراته وعلمه, وتحول العنف في العقود الأخيرة من صفة طارئة ومتنحية في العقل العربي الى صفة سائدة جراء ممارسات النظام العربي الفاشل ومع الوقت تحول الانسان العربي المعذب والمنكوب الى نموذج للعنف الذي تقمص ايديولوجيات كثيرة من بينها الاسلام.     

  يجد الإنسان حيرة كبيرة في التوفيق بين الأحداث الجارية في منطقتنا العربية بحيث تبدو للوهلة الأولى وكأنها مجموعة من الأحداث المتناثرة والمتعارضة, سوريا تذبح في كل لحظة بحيث اختفت ملامحها, تفجيرات على مدار الساعة في العراق لا تحصد سوى الأبرياء, أنصار بيت المقدس تقدم على قتل 40 جنديا مصريا بدون أدنى مراعاة لحرمة الدم والنفس او حتى المصلحة الوطنية والقومية, الحوثيون يسيطرون على شمال اليمن غير آبهين باحتمال ان يعود اليمن الى يمنين, داعش تحرق طيارا أردنيا أسيرا لديها بدون حساب تأثيره على الإسلام وكذلك على المنطقة وشعوبها.     

 ما يحدث على الساحة العربية لا تتحملها ظاهرة داعش او القاعدة لوحدها, بل المسئول عنها النظام والعقل العربي والسلطة الدينية فالنظام العربي يعتبر داعشي الممارسة قبل القاعدة وداعش, العقل العربي ايضا يتحمل المسئولية لانه يتصرف مع معارضيه بالسلوك الداعشي, لنأخذ تقييم هذا العقل لما يحدث في العراق وسوريا ومصر, المؤيدين للنظام المصري يصفق لكل ما يتم ضد المعارضة بدون وضع اي ضوابط او معايير للحكم بينما اطراف المعارضة في المقابل تبرر اية أحداث ضد النظام مهما كانت فظاعتها او تعارضها مع القيم الإسلامية, في سوريا المؤيدين للمحور الإيراني لا يأبهون بما يحدث من النظام مهما بلغت درجة لا إنسانيته والمحسوبين على المعارضة يبررون كل أشكال القتل والدمار وإخراج سوريا من مركز القوة العربية, وفي العراق التي كانت سباقة في الممارسات الداعشية سواء من النظام او من المعارضين بحيث دأب البعض على تبرير أشكال القتل الطائفي التي مارسها نظام المالكي, أما أنصار القاعدة والزرقاويين لم يترددوا في استحضار الدليل والمبرر لكل التفجيرات التي ترتكب بحق أبناء الشعب المظلوم والمنكوب.     

 خطاب السلطة الدينية الجمعي كان قاصرا ومتهما ايضا والمقصود بالسطة علماء الدين الذين شكلوا على مدار تاريخ الاسلام سلطة  معنوية لكافة ابناء الامة, اهمل علماء الدين الحقيقيين والبعيدين عن تأثير السلطة السياسية دورهم الحقيقي ولم يواجهوا ظاهرة التطرف او عمليات القتل باسم الدين التي انتشرت في العقدين الأخيرين, خاصة في افغانستان والعراق, لذا يتحمل كثير من علماء الدين المسئولية عن عمليات القتل باسم الاسلام خاصة بعضا من علماء السعودية, الذين دعموا فكريا وماديا التطرف الديني وتبنوا هذه الحركات.   

  ولعل الذين نبشوا ملف الخلافات المذهبية بين الأمة ساهموا ايضا بشكل واسع في حالة التطرف والاحتراب بين الامة الاسلامية باسم الدين والذي تحول الآن إلى غول يأكل الاخضر واليابس, هذا النبش دفع الى قلب سلم الأولويات وتبديل جبهة الأعداء, وتم شرعنة التحالف مع الامريكي من اجل قتل العربي والمسلم وتبقى العراق النموذج الأوضح لهذه الحالة. 

  لم يعد لدى انصار التطرف الاسلامي اي رؤية لمصالح الامة و لمستقبلها او القيام بدراسة جادة لنتائج وتداعيات هذا العمل على مدار العقدين الاخيرين, كما أنهم لا يملكون معايير محددة لحركتهم وفعلهم السياسي, وعند النظر الى كل الدول التي مر بها التطرف مثل افغانستان والصومال والعراق وسوريا وليبيا الآن, والاشارات المخيفة من مصر وعلى مصر تؤكد اننا نعيش مرحلة إلغاء العقل وركل مصالح الامة بالاقدام,  وكذلك عدم الوقوف مطلقا عند نتائج هذا الفعل باسم الدين, كما غابت قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المنافع. وان ظلم وفجور الحكام ليس مبررا لحرق الاخضر واليابس تحت هذه الذريعة, ونفس الأمر يتعلق بحكام الظلم الذي دمروا بلادهم من اجل استمرار تحكمهم في مصير الناس ولديهم الاستعداد لاستدعاء الاجنبي والتحالف مع العدو بدل لغة الحوار الداخلى, كل هؤلاء مسئولين عن تأجيج حالة العنف, لا بل صناعة العنف حتى بيرروا لأنفسهم اجرامهم .

ان عقلية القتل والتطرف باتت تقتحم علينا بيوتنا وتحول الاستثناء إلى خيار مفضل وتحتل عقول الشباب وغاب الوعي الوطني ومصالح الأمة عن أجندة التنظيمات والقوى العربية, والمطلوب خطة وطنية ترتكز على الحوار والوعي والابتعاد عن ردات الفعل المبنية على العنف والعنف المضاد ورفض التعاطي مع اية أسماء وعناوين تفسيخية في الأمة, مطلوب بناء تيار فكري عروبي إسلامي حقيقي بعيد تماما عن اليافطات الصغيرة والأسماء التحت وطنية لخلق سلطة أخلاقية فكرية في الأمة تحاول تفكيك عقليات التطرف والإجرام سواء على مستوى التنظيمات او الأنظمة والتي تعتبر سباقة في تسويق عقليات الإجرام والقتل.

على الامة ان تستظل الآن بالعناوين الكبيرة كالوطن والإسلام ومصلحة الشعب فقط وان تبتعد عن عناوين الأحزاب الصغيرة والتي يتم استدعائها دوما للاستغناء عن العناوين الوطنية والإسلامية الكبرى, وتبقى العناوين الصغيرة فقط وسائل لترتيب العمل والشراكة, وكما بات مؤكدا ان اغلبية هذه العقليات الغير سوية يتم صناعتها من الجاليات التي تعيش في الغرب وهذا يحتاج الى ورشات عمل للوقوف على عمليات غسيل الدماغ التي تتعرض لها هذه الجاليات وان نضع علامة استفهام كبرى حول الاهداف من عمليات الغسيل. ان العمل الجدي يتطلب توجية كل الانظار صوب فلسطين لأنها المشترك ربما الوحيد الذي لا يختلف عليه اي عربي او مسلم, فهذه خطوة مهمة لحماية وتماسك المجتمع العربي الاسلامي وتوجيه كل الطاقات صوب فلسطين, لأن ما فقدته الأمة في الأربع سنوات الأخيرة من موارد بشرية ومادية كان كفيلا بتحرير كامل فلسطين,  أما استبدال فلسطين بصراعات هنا وهناك فهذا حماية وإطالة لعمر المشروع الصهيوني.

* باحث في الشأن الفلسطيني