خبر سر عودة منطقة اليورو لأحضان التيسير الكمي

الساعة 12:22 م|25 يناير 2015

فلسطين اليوم

سر عودة منطقة اليورو لأحضان التيسير الكمي

بقلم : أمين فايق أبو عيشة المحلل المالي والاقتصادي

منذ فترة طويلة وهنالك حديث عن نهاية العملة الأوروبية الموحدة التي طرحت لأول مرة في شهر يناير / كانون الثاني من العام 1999 ، كانت بداية الإرهاصات الأولي لهذا الأمر هو نشوء أزمة الديون السيادية لليونان وما تبعها بعد وقت قصير من دخول دول مثل ايرلندا والبرتغال على الخط وزيادة الضغوط لاحقاً على اسبانيا وايطاليا ، اعتقد حينها الكثير والعديد من المراقبين الماليين على أنه أصبح من المحتم بل من الضروري عودة كل دولة إلى عملتها الوطنية التي كانت تستخدمها قبل الانضمام للاتحاد النقدي وذلك حتى تستعيد سياستها النقدية الخاصة بكل دولة والتي تتناسب مع أوضاع كل دولة على حدا.

إن احد الحقائق الأساسية بنظري عن الدول الأعضاء في اليورو أنهم ليسوا جميعاً على نفس المستوي من التنافسية والانضباطية والكفاءة المالية، فهنالك دون شك وريبه نوع من التباينية بينهما، هذا الاختلاف يكمن أيضاً في عدم تجانس معدلات البطالة في منطقة اليورو ، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن معدل البطالة في ألمانيا لا يتجاوز 6% بينما نجده في اسبانيا 26% مقارنه مع معدل بطالة 28% في اليونان.

هذا الوضع ادخل منطقة اليورو في مرحلة الكساد وارتفاع الأسعار مما دعي صندوق النقد الدولي لخفض توقعاته بشأن النمو الاقتصادي للاتحاد النقدي لليورو من 2% إلى معدل 1.2% والى احتمالية النمو السلبي مع منتصف العام 2015 ، وذلك نتيجة لعظم وكبر حجم الخلل في البناء الاقتصادي لكثير من دول اليورو هذا الخلل أوقع منظوماتها المالية في فخ أزمة ديون وبطالة وعجوزات تجاوزت في بعض الحالات حدود السيطرة من خلال معدلاتها السلبية ، طوال الأعوام 2008/2010 وبعدها بسنوات.

سيرت وأوجدت أوروبا ممثلة ببنكها المركزي العديد من خطط الإنقاذ المالي شمل هذا الأمر بنوعيين من الخطط الأول برنامجاً تقشفياً Austerity من جهة أولي والبرنامج الثاني تخفيف كمي Quantities Easing  ( وهو الذي يهدف لضخ وتوجيه مبالغ نقدية لجسد الاقتصاد الأوروبي ومؤسساته النقدية والمالية والمصرفية ودوله ، وذلك لتحفيز استهلاكه وإعادة تأهيله وإحياءه ومنع التدهور الحاصل في أدلته ومؤشراته المالية والاقتصادية وعلى رأسها وقف نزيف الدين والعجز والارتفاع في مستويات الكساد ومعدلات البطالة ) ، طبعاً كان أخر هذه السياسات التحفيزية مساء يوم الخميس الماضي حين قرر البنك المركزي الأوروبي وبإعلان صحفي لرئيسة ماريو دراغي من فرانكفورت بألمانيا أن البنك المركزي الأوروبي ولجنه سياسته النقدية قررت شراء ما قيمته 60 مليار يورو من الديون المتعثرة على شكل إصداره سندات و وذلك ابتدءا من شهر مارس / آذار 2015 يستمر هذا البرنامج حتى شهر سبتمبر / أيلول من العام القادم 2016 ، وبالمجمل سيضخ المركزي الأوروبي حوالي 1140 مليار يورو ، هذه العمليات الضخمة من الشراء هي موجه  لمحاربه الانكماش والانكشاف المالي الذي ضرب منطقة اليورو في العام 2013 وحتى قبل ذلك التاريخ بسنوات.

السؤال الذي اطرحه هنا هل أصبح التيسير الكمي الأوروبي مثله مثل عمليه طبع النقد ليس إلا ؟! أي دون وجود هدف أو حتى مبرر ، في نظري ونظر الكثير من المحللين الماليين أن التيسير الكمي يختلف اختلافاً كلياً عن عملية طباعة النقد لان برامج التحفيز الكمي تهدف للاستدامة المالية والاقتصادية لمنطقة اليورو ومقاومة معدلات البطالة وحشد توظيف وإيجاد فرص عمل ووقف نزف الدين والتعثر وبالمجمل إحياء بل تعافي اقتصاد اليورو.

صحيح أن التيسير الكمي يعمل على خفض قيمة العملة وهو ما حدث فعلاً من خلال الانخفاض الحاد في قيمته وذلك بشكل مستمر وصولاً لأدني مستوي قياسي له يوم الجمعة الماضي وهو 1.12 دولار أمريكي لليورو الواحد وهو الانخفاض الأول لليورو بهذا الشكل منذ سبتمبر / أيلول من العام 2003 ، ختاماً أقول لقد تعرضت اقتصاديات منطقة اليورو لعدة صدمات وليس لمجرد صدمة واحدة تطلب منها ذلك الأمر على مدار أكثر من 7 سنوات من أزمة ديونها السيادية والأزمة المالية العالمية إقرار عدة وجوه من خطط الإنقاذ المالية وعلى رأسها برامج التحفيز الكمي أنف الذكر لرفع رافعاتها المالية والتنموية لمنطقة اليورو.

السؤال الذي يطرح هل التيسير الحالي سيعمل على التئام الجرح النازف ؟! أجيب بكل ثقة بكلمه لا  ،،، يسألني أحدكم لماذا لا .. أقول أن تراكمية أخطاء منطقة اليورو والممثلة في سياساتها غير الصحيحة والناتجة عن ضعف أداء اقتصاديات بعض دولها وإخلالها بشروط معاهدة ماستريخت بشان الانضمام للاتحاد النقدي الأوروبي ، هذا الوضع السيئ لن تعيد بناءه سياسات التحفيز الكمي لان أوضاع وبنيان أوروبا واتحادها النقدي « اليورو » يختلف عن الوضع الأمريكي فرغم تشابهه المقدمات إلا انه هنالك اختلافات في النهايات والنتائج.

باختصار اعتقد أن التيسير الكمي اليوم لمنطقة اليورو أصبح ضرورة لا حاجة فمقابل عدم عودته نعني أننا سنتكلم عن انهيار لليورو ، وانهيار اليورو حينا سيورث صدمات سيكون أثرها وتأثيرها أكبر بكثير من تأثير انهيار المؤسسات المالية في أمريكا وتعثر أوروبا بديونها مثل انهيار بنك ليمان براذرز الإرهاص الأول للازمة المالية في 2007/2008 وتأثيرها العالمي.

لذلك السبب استمر وسيستمر ماريو دراغي والبنك المركزي الأوروبي في إصراره على هذا النهج والقاضي بعودة التيسير الكمي رغم علمهم ضعف فعاليته وما زالوا يقاتلون من اجل منطقة اليورو وسيظلوا كذلك لحتى لو اضطروا للقتال من مسافة صفر .

كلمات دلالية