خبر لماذا نبشت إسرائيل عش الدبابير؟

الساعة 11:59 ص|24 يناير 2015

د جميل يوسف *

 

أقدمت إسرائيل يوم الأحد الماضي 18/1/2015 على القيام بعملية اغتيال مجنونة بحق عناصر من حزب الله والحرس الثوري الإيراني, في خطوة بدون مقدمات او مبررات سياسية تقنع العالم , فقد فاجأت هذه العملية الإسرائيلية المتابعون والمحللين من حيث المكان والزمان والمستهدفين بحيث باتت قواعد اللعبة بين حزب الله والعدو الصهيوني محسوبة بدقة متناهية, كما ان استهداف قادة إيرانيين وبهذه الأهمية زاد من تعقيدات العملية والتنبؤ بأهداف العدو الآنية والإستراتيجية. منذ سنوات والعالم يقف عاجزا عن فعل أي شيء لمحاصرة المحور الذي ينتمي اليه الشهداء, بل وباتت امريكا والغرب وكأنها استسلمت لهذا القدر وهي ترى ان إيران هي الفاعل الرئيس في العراق وسوريا والآن وبشكل نسبي في اليمن, كما ان حزب الله اصبح قوة متنفذة في سوريا بعد لبنان,  بالتأكيد الحسابات الصهيونية معقدة وصعبة لهذه العملية ولا اعتقد انها تمت بدون حسابات او انها لم تعرف تماما الشخصيات المستهدفة, حتى ان سكان قطاع غزة رصدوا حركة طيران كبيرة منذ الصباح الباكر وولد لديهم هواجس باستهداف ما في القطاع كالعادة.  

 ان محاولة وضع هذه الجريمة في موقعها الصحيح يتطلب الوقوف على الأهداف الصهيونية من العملية واستبعاد الصدفة بنتائجها والأهم تصور رد الفعل الإيراني وحزب الله خاصة وأن ايران  هددت عشرات المرات ضد دولة العدو وكذلك السيد حسن نصر الله قبل العملية بيوم واحد, والأمر الآخر ما مدى استفادة القضية الفلسطينية من هذه الجريمة الغبية عبر إعادة تقوية محور المقاومة باتجاه فلسطين وهو ما برز في رسالة التعزية التي ارسلتها حركة حماس عبر نائب رئيس المكتب السياسي السيد إسماعيل هنية وكذلك عبر قائد كتائب القسام محمد الضيف.

  منذ فترة طويلة تحاول دولة العدو الصهيوني دفع امريكا والغرب الى مواجهة مع ايران تحت ذريعة المشروع النووي على الرغم ان السبب الحقيقي ليس ذلك تماما, علاقة ايران بالملف الفلسطيني باعتقادي هو السبب الرئيس وليس النووي, وحسب اكثر من مصدر لو رفعت ايران يدها عن دعم القضية الفلسطينية عسكريا وسياسيا لغض الغرب وامريكا الطرف تماما عن المشروع النووي السلمي. وقد دأبت اسرائيل على مواجهة ايران عبر وسطاء وليس وجها لوجه, لكن عملية الاغتيال هذه غيرت قواعد اللعبة والمواجهة 180 درجة حيث تسعى لاشعال حرب وتوريط الغرب ليجد نفسه مضطرا للمشاركة فيها. كما ان اسرائيل في اكثر من مناسبة صرحت أنها لن تسمح للحرب السورية الداخلية ان تصل الى حدودها, وتدرك اسرائيل ان وصول ايران وحزب الله الى الجولان ذات الاهمية الاستراتيجية لاسرائيل سجعلها في موقف لا تحسد عليه خاصة اذا تم حسم الصراع في سوريا لصالح الحلف الايراني.

الواضح ان اسرائيل لن تسمح لأي من الأطراف المتصارعة بجعل الجولان موطأ قدم لها خاصة وان هذه المنطقة تعيش في حالة هدوء تام منذ عقود وغير مسموح بممارسة أي تهديد ضد اسرائيل منها, وبالرغم من المخاوف الصهيونية من القوى الاسلامية التكفيرية الا انها تعتيرها تهديد محتمل وعلى التراخي اما التهديد الايراني وحزب الله فهو تهديد حقيقي.    اسرائيل تدرك ان قادة المنطقة وأغلبية النظام العربي تحاول ان تشكل منظومة اقليمية لصد النجاحات الايرانية في اكثر من دولة عربية كما أسلفت وكذلك النظام العربي يدرك مدى الخذلان الامريكي للأنظمة العربية في الملف الايراني خاصة الدول الخليجية منها, فهل ارادت اسرائيل ان توصل رسالة للأنظمة العربية انها يمكن ان تكون شريكا موثوقا به في التصدي « للتهديد الإيراني », وشريكا في منظومة اقليمية عربية إسرائيلية ؟, خاصة ان قادة العدو اعلنوا اكثر من مرة اثناء وبعد العدوان الأخير عل غزة يوليو 2014 ان هذه الدول العربية دعمت العدوان على غزة وطالبتها بالقضاء على حماس.    

ان الحديث من قبل بعض الدوائر الامنية الامريكية حول تدريب مجموعات لدخول القصر الرئاسي في سوريا ايضا يضع علامات استفهام حول التوقيت والهدف الصهيوني !, فهل ارادت تل ابيب دفع حزب الله للرد من الاراضي السورية لتعطي نفسها المبرر لضرب مواقع سورية هامة, كمقدمة للرغبة الامريكية حول اسقاط نظام الاسد.    المألوف ان اسرائيل ترتكب الجرائم التي تحتم على المقاومة في غزة الرد عليها ومن ثم تندفع اسرائيل الى الحرب التي رتبت لها الوضع الداخلي والخارجي كما حدث في العدوان الاخير ضد قطاع غزة 7-8/2014 . ان الجريمة الصهيونية اعادت التأكيد على الحقيقة الراسخة ان المعركة الحقيقة للأمة هي حول فلسطين وان اية رغبة باجراء تغيير هنا او هناك بدون المرور عبر فلسطين لن يكون ناجحا او مفيدا وان هذا العدو الذي حاول خلط الاوراق في هذا العمل هو مصدر كل سوء في المنطقة ورحيله سيحقق كل ما تتمناه شعوب المنطقة.    

إن كل الرهانات على تفكيك محور المقاومة جغرافيا بعد اندلاع الصراع في سوريا قد تلاشت ويبدو ان تصريحات الامين العام لحزب الله السيد نصر الله قبل 3 اعوام ان الاسد سيقى في الحكم بات اقرب الى الحقيقة على الاقل في السنوات القادمة, وان ما حصل هو اعادة ترميم هذا المحور من الاختلال الذي طرأ بداخله, حيث المصالحة بين حماس وايران وخطاب السيد نصر الله الذي اكد على اولوية وجاهزيته للصراع ضد العدو الصهيوني وان خطته القادمة هو نقل المعارك البرية لداخل فلسطين المغتصبة والى ما بعد الجليل في اشارة قوية لقوة وفاعلية محور المقاومة.  ان هذه الجريمة يجب ان تنبش عش الدبابير ضد العدو الصهيوني من خلال عمل جمعي مدروس وتراكمي ومتصاعد لدفع هذه الدبابير للسع العدو في كل انحاء جسده مرة واحدة وفي وقت واحد, ولعل الوعود الايرانية المتعددة بتسليح الضفة الغربية, وحديث الامين العام لحزب الله عن قدراته لبدء معارك التحرير الى ما بعد الجليل, ودعوة حماس الى مواجهة متعددة الاذرع ضد العدو الصهيوني تكون بداية الطريق باتجاه هذا العمل الجمعي ان شاء الله .

* باحث في الشأن الفلسطيني