خبر حركة الجهاد تدفع الفاتورة دما ..أيمن خالد

الساعة 02:27 م|21 يناير 2015

ـ القدس العربي

أسأل هل هو الوقت الذي تعيش فيه القضية الفلسطينية ذروة المأساة، ما بين الخروج من معركة غزة الأخيرة، التي لا تزال مستمرة من خلال الحصار الظالم، والنزف المؤلم الذي يمكن أن يستمر طويلاً.

وفي ظل انسداد أفق السياسة، نعيد تهمة التشيع أو الولاء والتبعية لإيران بحق «حركة الجهاد الإسلامي»، الحركة الفلسطينية الثانية من حيث القوة العسكرية، هذه الحركة السنية، التي ظلت خارج إطار الانقسام ولم تدخل سلسلة الصراعات العربية، ونأت بنفسها عن الأهم والأعمق وهو الجرح في سوريا، الذي طال الفلسطينيين والسوريين معاً، وهي لم تدخل في الصراعات العربية السابقة، واعتقل قادة ومسؤولون لها في امتداد الجغرافيا العربية، ولم تعلن حربا كلامية ولا غيرها على أحد، ورضيت بالحصار العربي الظالم وملاحقة أبنائها، وفي النهاية بقيت الحركة الإسلامية الفلسطينية الوحيدة، التي جعلت بوصلتها فلسطين فحسب.

هي الآن في المكان الصحيح من حيث السياسة، فالنأي عن الخوض في المسألة السورية، وعن الصراعات والانقسامات التي تعصف بالمنطقة، وتنذر بتفكيكها بمزيد من التجزئة والتفتت، على قاعدة تقسيم المقسم، وإصرارها دوماً على أن تظل فلسطين هي البوصلة، يؤكد أن «الجهاد» كانت ولازالت في الموقع السياسي الصحيح.. وهذا ما تؤكده أيضاً مواقف «حماس» الأخيرة وسعيها لترميم العلاقة مع طهران و»حزب الله» وعودة الدفء بينها، الأمر الذي انعكس في خطاب أبو عبيدة (الناطق باسم كتائب القسّام) الأخير، وشكره المتأخر لإيران على دعمها للمقاومة في حرب غزة.

يدرك الإخوان المسلمون في فلسطين، حين أطلقوا تهمة التشيع أو الولاء والتبعية لإيران بحق «حركة الجهاد»، أن التشكيك في الانتماء والولاء هو أمضى سلاح يمكن أن يحد من نمو الحركة ويحرمها الإقبال والتأييد الشعبي الذي حظيت به منذ الانتفاضة الأولى، لأنها تجاوزت الإخوان وتبنت «الكفاح المسلح» مقابل «نهج التربية» الإخواني، الذي، في أحسن الأحوال، كان يؤجل مسألة الجهاد والمقاومة.

الإخوان، أو حماس لاحقاً، هما المصدر الرئيس لهذا الاتهام بحق «حركة الجهاد»، وصولاً لتيارات سلفية أيضاً، ولأسباب متباينة، دخلت على الخط. وأهم من ذلك، أن بعض المواقع والمنابر السلفية التي تهاجم «حركة الجهاد» اليوم، تُستخدم غطاء من قبل بعض أجهزة المخابرات العربية، ممن ينفذون أجندة إسرائيلية ويعملون بالتنسيق الوثيق مع إسرائيل وأجهزة استخباراتها، وعلى رأسها «الموساد».

اليوم تدخل إسرائيل في لعبــــة تشـــويه «حركة الجهاد الإسلامي»، بعــــد حـــرب الـ51 يوماً على غزة، والدور المميز لـ«حركة الجهاد» إلى جانب «حماس» وبقية فصائل المقاومة.

وبالإشارة للإعلام الإسرائيلي، في محاولة تشويه «حركة الجهاد»، حملت الأيام الأخيرة بعض النصوص. فالأول، تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) لسنة 2015، كما نشرت في «يديعوت أحرونوت» (26/12/2014)، فوصفت المنطقة بمحاور عدة: محور إيران سوريا، ومحور الاعتدال العربي، والإخوان المسلمين، وتنظيمات الجهاد السلفية. وأياً كانت دقة التصنيف والاصطفاف في كل المحاور، لكن اللافت أن ما كان يعرف بمحور «المقاومة والممانعة» أصبح اسمه لدى جهاز «أمان الصهيوني»، «المحور الشيعي الراديكالي» ويضم في رأيهم «إيران وسوريا وحزب الله والحوثيين في اليمن»، مضافاً إليهم في تقديرات الصهاينة «الجهاد الإسلامي»!

وبهذا التصنيف خرج العراق من المحور، وأصبحت سوريا «شيعية راديكالية»، وكذلك «الجهاد الإسلامي»، فيما يسعى هذا المحور ـــ وفق أمان ـــ إلى تقريب حماس منه. على أي أساس يتم التصنيف؟ هل هو على أساس فلسطين والموقف من الاحتلال الصهيوني لها؟ إن كان الأمر كذلك، فهذا ما عرف بـ «محور المقاومة والممانعة»، وحماس كانت، ولا زالت، في القلب منه. أما إن كان المعيار هو الموقف من محنة سوريا، فالمعروف أن «حركة الجهاد»، مثلها مثل «حماس»، نأت بنفسها عن الأحداث في سوريا، لكنها لم تغادر إلى قطر التي يدور لغط هذه الأيام عن احتمال مغادرة حماس لها! في المقابل، أسقط التحليل «عراق العبادي» (ومن قبله المالكي) من المحور، فهل لهذا علاقة بالشراكة الأمريكية ـــ العراقية ـــ العربية في الحرب على ما يسمى بتنظيم «الدولة الإسلامية»؟ على الرغم من ذلك، فالأمر في نظرنا لا يتعلق بصحة التحليل أو مدى دقته، فحين يتعلق الأمر بـ»الجهاد الإسلامي»، فإسرائيل تعتبره عدواً لدوداً وخصماً عنيداً لا يساوم ولا يمكن الرهان على تدجينه أو احتوائه، ولا بد من مواصلة الحرب ضده بلا هوادة، وبكل السبل والوسائل، وأهمها التصفية المعنوية، من خلال الترويج لفكرة التشيع حين تصبح التصفية العضوية متعذرة أو مستحيلة.

لعله «المطبخ الصهيوني» من يمارس أبشع أنواع «الدعاية السوداء» ضد «حركة الجهاد الإسلامي». وليس هناك من دعاية أخطر من التشكيك في الانتماء والولاء للأمة، حيث يحاول العدو مصادرة رصيد الحركة النضالي وتجييره لصالح قوى خارجية، وهذا ما فعله الكاتب الصهيوني يعقوب عميدور، في مقالة له بعنوان «تحديات الجيش الإسرائيلي بعد اختفاء الجيوش» «إسرائيل اليوم» ـــ 9/1/2015، يقول فيها: «وإلى جانب حماس تعمل منظمة الجهاد الإسلامي التي أقيمت من قبل إيران ويتم تفعيلها إلى حد كبير على أيدي إيران». ما يقوله الخواجا يعقوب هنا إن إيران هي التي أسست «حركة الجهاد» وهي التي تحركها، هي لغة سخيفة تذكرنا بحديث بعض الخبثاء من أن إسرائيل هي التي أسست حركة «حماس» لإضعاف منظمة التحرير وحركة فتح وما تلا ذلك حتى اللحظة من سجالات تتناولها لليوم منابر فلسطينية.

كي ننصف «حركة الجهاد» لابد أن نذكر، ومن خلال قراءاتنا لتاريخها، أنها كفكرة أولاً، ثم كتنظيم سري حمل اسم «الطلائع الإسلامية» لإحياء فريضة الجهاد في فلسطين، كانت أسبق من الثورة الإيرانية عام 1979، حيث كان الشهيد الشقاقي، رحمه الله، منذ منتصف السبعينات يخوض جدلاً كبيراً في صفوف الإخوان، ويشكل تنظيماً داخل التنظيم، من أجل خوض الكفاح المسلح في فلسطين.. الإخوان المسلمون يعرفون هذا جيداً، وإسرائيل تعرفه، والأنظمة العربية أيضاً تعرفه، ومن يعرفه أكثر هم الإيرانيون والشيعة، الذين يدرك عقلاؤهم أن قوة «حركة الجهاد» في علاقاتها بإيران وحزب الله تتمثل في أنها حركة «سنية» تجاوزت التجاذب المذهبي والتناحر الطائفي البغيض في المنطقة الذي هو عارض ومؤقت أظهره ضعف الأمة بالتفافها نحو فلسطين، ما استغله غيرها في تأجيج المنطقة.

لا يختلف اثنان في فلسطين أو غيرها على أن «حركة الجهاد الإسلامي» هي حركة إسلامية «سنية»، سواء في عقيدتها أو فقهها، أو فهمها للإسلام والعالم.

وهي من حيث النشأة، كما هو معروف، قد خرجت من رحم الحركة الإسلامية في فلسـطين، ومن صلب الحركة الوطنية الفلسطينية، التي تعبر عمامة الحاج أمين الحسيني وعمامة الشيخ عز الدين القسّام، الأزهريين، عن رمزيتها وهويتها الإسلامية «السنية» السائدة في فلسطين. هل على «حركة الجهاد» أن تدفع الفاتورة من دماء شهدائها، وأن تتحسس رأسها باستمرار تحت سيف التهمة الجاهزة دوماً: «إيران»! تهمة يشارك فيها اليوم إخوان مسلمون، وسلفيون، وأنظمة وأجهزة مخابرات عربية.. ولا ننسى جهاز أمان والخواجا يعقوب، أي إسرائيل!