خبر الأسير « أحمد مرشود » حكاية عز في زمن عز فيه الرجال

الساعة 08:59 ص|19 يناير 2015

فلسطين اليوم

في سجون الاحتلال وبين تلك القضبان أسود رابضين علي الجمر يعدون بطولاتهم بآلامهم وأوجاعهم بين عتمة الزنازين وظلمة القضبان، متحديا الاحتلال ومتخطين أصفاد قيده بعزيمة لا تلين، ففي كل يوم تتوالي بطولات العظماء لتلاحق ركب الحرية الشماء.

فهذا حال أكثر من 6500 أسير مازالوا يقضون أصعب وأحنك الظروف ويقارعون الاحتلال بإصرارهم وعزيمتهم، وببعض الوسائل التي ابتدعوها لكسر تلك الشوكة التي تنخر بهم في كل لحظة يقضونها خلف القضبان.

الأسير أحمد محمد زهدي مرشود « عرايشة » (31)عاما من مخيم بلاطة بمدينة نابلس، خطي طريق دربه برفقة الشهداء فرحلوا للعلياء، فأصر علي إكمال المشوار الذي خلفه أهل العلياء ، ليكون سيفا مسلطا علي الأعداء، إلا أن تعرضه للاعتقال أغمد هذا السيف, وبقي يكابد ظلمة السجن والسجان، فعاش الألم بالأمل والمستحيل بالحلم والحياة بالحياة.

لطالما حاول الاحتلال الصهيوني مرارا التربص له من حارة لحارة ومن زقاق لزقاق بتهمة انتمائه لحركة الجهاد الإسلامي ونشاطه الدائم في صفوفها، فتعرض للاعتقال مرتين كان أولها في عام 2003 لمدة عامين، أما الاعتقال الثاني كان في 19/2/2006 بتهمة ضلوعه في التخطيط لعملية « زلزلة الأمن الصهيوني » التي نفذها الشهيد سامي عنتر وهز بها تل الربيع المحتلة في 19 من يناير 2006، أثناء مطاردته في أحد أزقة البلدة القديمة مع رفاقه التسعة، بعدما قامت قوات الاحتلال باجتياح المخيم فاضطروا آنذاك أن يغادروا المخيم فتوجهوا للبلدة القديمة، وتحصنوا بأحد المنازل، ولكن سرعان ما كشف الاحتلال مكان تواجدهم فحاصر البلدة من كل المداخل وأخذ يبحث عنهم  فآثر أحمد ورفاقه الشهادة علي الاستسلام والخضوع للاحتلال وقواته فقاوموا حتي الرمق الأخير فاستشهدا أحمد أبو شرخ وأصيب أحمد مرشود وعدد من رفقائه، بعد ذلك اعتقلتهم قوات الاحتلال واقتادتهم إلي جهة مجهولة.

 

لكن الملفت للأمر لحظة اعتقال أحمد حديث الضابط له حيث قال « لو كنت اعلم أنك في المنزل لقصفنا المنزل عليك، فنحن يا أبو مرشود لا نريدك حيا بل نريدك ميتا، وبعد الآن لا تحلم بالحرية أبدا ».

 

والدة الأسير أحمد مرشود إحدى خنساوات فلسطين عاشت أحد حكايا نموذج الأم الفلسطينية التي لم تتواني بتربية أبنائها علي حب الوطن وزرع الأمل في نفوسهم فقدمت ابنها الأول شهيدا بعد رحلة مطاردة استمرت لسنوات وابنها الأخر أسيرا مازال يعاني في الأسر الويلات.

 

 بالرغم من  امتزاج مشاعر الفرح والحزن والحنين لأبنائها إلا أنها تشعر بالفخر والعزة كونها ودعت خليل شهيدا بالزغاريد ،وهي التي تنتظر الإفراج عن الآخر علي أحر من الجمر.

 

وأوضحت مرشود محاولة إخفاء مشاعر الحزن الذي يعتلي قلبها منذ اعتقاله أنه يقضي حكما بالسجن مدي الحياة، متنقلا بين عدد من السجون لينتهي به المطاف بسجن ريمون ليكون شاهدا علي رحلة معاناة لم تنتهي بعد، ومازال يعاني الويلات في ظل البرد القارص الذي ينهش جسده مقاسيا من الإهمال الذي يسود في السجون بقرار من مصلحة السجون ومماطلتها في تقديم أبسط سبل الرعاية الصحية والعلاج اللازم له خاصة وأنه يعاني من آلام حادة في الرقبه والكتف والقدم نتيجة تعرضه للإصابة مرتين قبل الاعتقال.

 

وبحرقت أم حرمت من ابنها لأكثر من تسع سنوات قالت:« ان الاحتلال لم يكتفي بإصداره الحكم المؤيد علي أحمد بل تعدي ذلك لتهديده بأن لا يحلم بمجرد الحلم بالحرية والخروج من السجن بحجة انه يشكل خطرا علي أمنه ».

 

وأضافت « يجب علي الجميع سواء أفراد أو مؤسسات أهلية وحكومية أو عربية إسلامية ودولية لأن الأسرى هم نبض قضيتنا الفلسطينية وبوصلتها نحو التحرير, فلا ينبغي أن نقف مكتوفي الأيدي أمام الغطرسة الصهيونية بحقهم منوهة الي ضرورة التزام السلطة بمسؤوليتها تجاه الأسرى واعطائهم اهتمام بقدر تضحياتهم التي قدموه دون انتظارهم لأي مقابل من أحد.                                       

 

وعبرت عن استيائها من المعاناة التي تتعرض لها أثناء زيارتها لابنها بحكم كبر سنها ،لكن رغم ذلك تصر علي زيارة ابنها متحملة عناء الزيارة وعذابها رغم إصراره علي عدم زيارتها له بسبب التعب والمرار الذي تكابده نتيجة رحلة الزيارة.

 

وأشادت خلال  حديثها علي دور المقاومة في سعيها الدائم لإيجاد سبل للإفراج عن الأسرى من كافة سجون الاحتلال، مبينة أنها كما كافة أهالي الأسرى تشد علي أيديهم وتدعوهم إلي أن يبقوا دائما حراس للوطن ومنبع الأمل للأسرى والوفاء لدماء الشهداء كما عهدهم الجميع منذ زمن متمسكين بخيار المقاومة الذي هو الطريق الوحيد لتحرير الأسرى والمسرى وفلسطين.

 

وبمشاعر ممتزجة بالحنين والشوق للأسير تحدثت أخته ألاء عن مدى اشتياقها لأخيها وقدوتها وملهمها بالحياة التي لم تراه منذ فترة طويلة: »إن عنجهية الاحتلال لم تترك لي المجال بأن أري أخي واحتضنه بل كانت الزيارة سنوية وتقتصر علي رؤيته من خلف الزجاج والتحدث معه عبر هاتف وسيط رغم أن الحاجز الذي بيني وبينه ما هو إلا لوح زجاجي« .

 

وبحزن تكمل : »بعد فقدي لأخي الشهيد خليل الذي استشهد علي أثر استهداف طائرة الاحتلال لسيارة كانت تقله بثلاثة صواريخ أثناء عودته للمخيم في الرابع عشر من حزيران لعام 2004، بدت في كل لحظة يراودني شعور الفقد وأخاف أن أفقد أخي أحمد خاصة أن الأوضاع التي يعانيها الأسرى في السجون ولاسيما المرضى منهم تنبأ بأن هناك شهيد سيرتقي بأي لحظة« .

 

وأردفت قائلة: »تميز أخي الأسير أحمد بشخصيته المتميزة حيث كان منذ الصغر من رواد المساجد ،مضيفة أنه كان شجاع وقوي الشخصية يتحلى بالصبر والجد والمثابرة ولا يخف في الله لومة لائم « .

 

ومن الجدير بالذكر أن الأسير أحمد مرشود الملقب بـ »حميدة" من مواليد27/11/1984 ،أعزب ،تلقي دراسته الابتدائية والإعدادية في مدارس المخيم ولم يكمل دراسته بسبب الأوضاع التي كان يعيشها المخيم في تلك الفترة، وفيما بعد حاصل علي مؤهل علمي ثانوية عامة أثناء وجوده بالسجن.

 

هذه حكاية أحمد مرشود أحد الأسرى الأبطال الذين لم يبخلوا علي فلسطين وعلينا بشيء بل قدموا حياتهم وزهرة شبابهم ولكن بالمقابل وللأسف نحن من نبخل عليهم بدقيقة تضامن واحدة معهم، فتبا لنا وكأننا لا نملك إلا أن نعد بطولاتهم بالأيام بينما هم يعدونها بآلامهم وأوجاعهم ويدفعون ثمنا باهضا في سيبل ذلك.