خبر السقوط الحر لليورو.. الرابحون والخاسرون .. بقلم: أمين فايق أبو عيشة

الساعة 12:57 م|17 يناير 2015

فلسطين اليوم

بقلم : المحلل والخبير المالي / أمين فايق أبو عيشة

 

منذ أن طرح اليورو كعملة موحدة في كانون الثاني (يناير) 1999 كان سعره مقابل الدولار الأمريكي واحد دولار لليورو الواحد 1: 1 ، .. بعدها تعاقدت وتصاعدت الآمال بأن اليورو، المعروف اختصاراً « العملة الأوروبية الموحدة »، ستحل محل الدولار الأمريكي كعملة احتياط دولية وسيكون اليورو بديلاً عن الأخضر كما كان بعضهم يعتقد، أو على الأقل سيسمح لبنوك العالم المركزية بأن تنوع من احتياطاتها وتقلل بالتالي من مخاطر تركز الاحتياطيات في عملة واحدة، وأنه الأوان قد ان للعالم أن يتخلص من عالم العملات الاحتياطية أحادي القطب والمتمثل أساسا في الدولار الأمريكي ، وذلك عندما يتحول اليورو إلى منافس حقيقي للدولار .

 دعم هذه التوجهات ما حدث بالفعل هو أنه في غضون سنوات قليلة من إصداره تحول اليورو إلى ثاني أكبر عملة احتياط من العملات الأجنبية للبنوك المركزية في العالم وظل الكثير من المراقبين وأنا احدهم يرى أن اليورو يمكن أن يلعب دورا كعملة احتياط عالمية ، ولكنه لا يمكن أن يكون بديلا للدولار وأن الدولار سيظل عملة الاحتياط الأولى في العالم برغم بروز اليورو ، أخيرا وبعد ما يقارب من عقد ونصف من الزمان و من النمو المستمر في الطلب على اليورو جاءت التقارير الأخيرة عن احتياطيات البنوك المركزية من النقد الأجنبي لتؤكد تراجع الطلب على اليورو نتيجة لزعزعة الثقة فيه وذلك مع تزايد المخاطر المحيطة بالكتلة النقدية الأوروبية والمتمثلة في فشل أوربي لمنطقة اليورو ( منطقة 18 ) من إيقاف نزيف الدين العام السيادي الذي عانت منه و زالت دول مثل اسبانيا والبرتغال واليونان وايطاليا وقبرص والمتمثل ذلك في معدلاتها العالية من البطالة 11.5% في منطقة اليورو و28 % في اليونان وفي اسبانيا 26% وسالبيه في النمو وانخفاض فوائدها لمناطق شبه صفرية.

طوال سنوات الأزمة السيادية للدين العام الأوربي والأزمة المالية في 2008 /2009 ضخ تريلونات اليورهات لجسد منطقة اليورو ودولها المتعثرة من أجل إعادة الأمور لنصابها الطبيعي لكن الأمر لم يحسم ، وبشكل عام قدمت ألمانيا وفرنسا وهم اقوي دول منطقة الــــ 18 « منطقة اليورو » العديد من الوجبات السريعة والدسمة من أجل ذلك الأمر على شكل خطط إنقاذ وخطط تقشف وإنعاش لكن الأمر لم يعالج ، ربما لان الخطأ كان من الأساس يكمن في هذه الدول التي قدمت بيانات غير صحيحة ووهمية عند دخولها عرين اليورو لم تدل حقيقة على هشاشة وعدم صحة اقتصادياتها.

 ولتقريب الصورة أكثر للقاري الكريم فإنه حسب بيانات صندوق النقد الدولي بلغت احتياطيات العالم من اليورو في الربع الأول من عام 1999 عندما تم إصدار اليورو لأول مرة نحو 224 مليار دولار ، وبحلول الربع الأول من عام 2008 قبل انطلاق الأزمة المالية العالمية بلغت احتياطيات العالم من اليورو نحو 1.17 تريليون دولار ، حينها بلغ سعره 1.599 دولار أمريكي لكل يورو في 15/ يوليو من العام 2008 أي أن السعر تضاعف من أدني مستوياته في 26/ أكتوبر من العام 2000 وهو 80 سنتاً أمريكيا لليورو الواحد ( اليورو هو 100 سنت ، نفس تقسيم الدولار الأمريكي ) ، في هذه الفترة كانت احتياطيات العالم من اليورو تنمو في المتوسط بمعدل 4.6 في المائة سنويا.

ومع انطلاق أزمة الديون السيادية والأزمة المالية بأمريكا 2007/2009 أخذت معدلات نمو الطلب على اليورو في التراجع، وبحلول الربع الثاني من عام 2011 بلغ إجمالي احتياطيات العالم من اليورو 1.47 تريليون دولار ، حيث تراجع متوسط معدل النمو السنوي في احتياطيات العالم من اليورو إلى 1.6 في المائة فقط ، غير أن احتياطيات العالم من اليورو قد أخذت في التراجع بعد ذلك، حيث بلغ متوسط معدل النمو السنوي -0.17 في المائة ، حيث اقتصرت احتياطيات العالم من اليورو في الربع الرابع من 2012 على 1.455 تريليون دولار، وكما وتراجع احتياطي البنوك المركزية من اليورو في الربع الرابع من العام 2014 ليصل لمستويات 1.4 تريلون دولار وهو ما يشكل فقط 22.6% من مخصصات الاحتياطات النقدية للنقد الأجنبي الذي يبلغ 11.5 تريلون دولار في نهاية العام 2004 حينها سجل اليورو اختراقا لمستويات تداول 1.15 دولار أمريكي لليورو الواحد الجمعة الماضي وهو أدني سعر لليورو منذ العام 2003، هذه التطورات تعكس حقيقة أن العالم آخذ في التخلص من اليورو ويزيد من انكشافه على العملات الأخرى ، بصفة خاصة الدولار الأمريكي ، والذي كان من أهم المستفيدين من هذه التطورات الحادثة ، إضافة إلى بعض العملات الأخرى غير التقليدية والتي يزيد الطلب عليها عالميا لتضاف إلى احتياطياته من النقد الأجنبي ، ولكن مشكلتها الأساسية هي أن نطاق أسواقها يعد محدودا بالنسبة للدولار واليورو، ومن أهم هذه العملات الدولار الأسترالي، والكندي والنيوزيلاندي، والفرنك السويسري ، والسؤال الذي اطرحه هنا هل تعني هذه التطورات أن اليورو قد أخذ في التراجع كعملة احتياط دولية ؟ وهل تعني هذه التطورات أن العالم يستعد لكي يهجر استخدام اليورو كعملة احتياط ؟ وهل سنجد اليورو الواحد يساوي دولار أمريكيا 1: 1 كما كان عند الإصدار.. ، بالطبع هذه البيانات التي عرضناها تأخذ اتجاها محددا منذ فترة ، ولكن هذا التراجع كما نلاحظ يتزامن مع اشتداد أزمة الديون السيادية الأوروبية ، كما أنه من الواضح أن هذا التطور لا يعني حدوث تحول هيكلي في توزيع الاحتياطيات الدولية بين عملات العالم بعيدا عن اليورو، ذلك أن تغير التوزيع النسبي للاحتياطيات مفهومة أسبابه بصورة جيدة، وتراجع نسبة اليورو إلى إجمالي احتياطيات العالم في غضون هذه الفترة القصيرة لا يعني حدوث تحول جوهري في توزيع الاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبي، وإذا ما أردنا التأكد من حدوث هذا التحول الجوهري علينا أن ننتظر لفترة زمنية أطول لكي نحكم ما إذا كان هناك تحول هيكلي في توزيع عملات الاحتياطيات الدولية بعيدا عن اليورو.

لكي نفهم الأسباب الحقيقية لهذا التراجع لا بد أن نأخذ في الاعتبار أن البنوك المركزية عندما تحتفظ باحتياطيات من النقد الأجنبي فإنها لا تحتفظ بهذه الاحتياطيات أساسا في صورة نقدية، « كاش »، وإنما تحتفظ بها في صورة سندات أو أذون خزانة، والتي تمثل جزءا من الدين الذي على الدول التي تحتفظ بعملاتها بها، بالطبع مع تصاعد أزمة الديون السيادية لدول الاتحاد النقدي الأوروبي .

 من ناحية أخرى فقد تم تخفيض التصنيف الائتماني لبعض الدول الأعضاء في المنطقة من مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية ، وهو ما يعني تراجع درجة جودة أدوات الدين لهذه الدول، في ظل هذه الظروف لا بد أن تفقد أدوات الدين قصيرة الأجل الخاصة بمنطقة اليورو جاذبيتها مع تصاعد مخاطرها ، ولذلك يعد هذا التصرف من جانب البنوك المركزية في العالم تصرفا طبيعيا ومتوقعا في مثل هذه الظروف.

ختاماً لقد مثل الاتحاد الأوروبي نموذجاً معقداً ومهما على الصعيدين التعاوني الاقتصادي والسياسي لم تشهده أوربا عبر تاريخها بعد الإمبراطورية الرومانية ، لكم وجود المشاكل السكانية كالبطالة وعدم اتساق والتباين المالي وخاصة لدول أوربا الشرقية جعل من ألمانيا وفرنسا هم من دفعوا وما زالوا يدفعون أخطاء غيرهم من دول اليورو فنعتت ألمانيا بأنها البقرة الحلوب لأوروبا طوال سنوات ماضية.

 فيا تري هل ستظل كذلك لسنوات قادمة ؟ وهل ستخرج هي وفرنسا من ذلك اللهيب ؟ أم أنها ستضحي هي وفرنسا وستقاتل من مسافة صفر من أجل أوروبا الأيام القادمة فقط من ستجيب على هذا الأمر ...لكن ما اعرفه انه كما قيل لي جدي رحمه الله لي ما طار طير ووقع ألا كما طار وقع .

كلمات دلالية