خبر ازدواجية اخلاقية في الرياض- يديعوت

الساعة 11:39 ص|13 يناير 2015

يشجبون ويجلدون

بقلم: سمدار بيري

(المضمون: في نهاية الاسبوع امتلأت صحف العالم العربي بالكاريكاتورات التي تعرب عن الصدمة الحقيقية من العملية، ولكن في حالة المدون المجلود، لا كلمة - المصدر).

 

الاوائل في العالم العربي الذين شجبوا العملية الاجرامية في « شارلي ايبدو » كانوا بالذات موظفين كبار في قصر الملك السعودي. قلنا بالذات، بأن السعودية تعتبر مكانا ظلاميا، حماية المقدسات الاسلامية بصيغتها المتشددة مغروسة عندهم في الـ دي.ان.اي. أما حرية التعبير وحقوق المواطن فتوجد في اسفل قائمة المواضيع التي تهم الحكم.

 

ينشغل السعوديون الآن بكبح جماح الحروب الداخلية. الملك عبد الله ينازع الحياة، وكذا خليفته الرسمي، الامير سلمان، مريض هو الآخر. آلاف الامراء يتقاتلون على ترتيبات خلافة الحكم وبناء مراكز النفوذ والقوة. ومع ذلك، خرج تنديد: الهجمة الارهابية الجبانة والاجرامية ضد الابرياء، هذه هي الصيغة الشجاعة التي خرجت من وزارة الخارجية في الرياض، لتثبت بأن ليس لهم يد وقدم في الارهاب ضد الكاريكاتورات، ولا يهم ما كان فيها، شريطة أن تُنشر على مسافة آلاف الكيلومترات.

 

وهذا ما حصل في السعودية في الساعات التي سار فيها العالم محبوس الانفاس في ضوء المطاردة للقتلة في فرنسا. رائف بدوي، مدون ابن 30، جيء به يوم الجمعة في الظهيرة في سيارة

 

مصلحة السجون الى نطاق المسجد الكبير في مدينة جدة. مئات المصلين، ممن تلقوا موعظة الامام ضد الارهاب، دُعوا لمشاهدة المشهد الذي تقشعر له الابدان: أوقفوا بدوي، مكبل بيديه وقدميه ووجهه الى الحائط، وقام شرطي بجلده بأحزمة جلدية خمسين مرة على مدى ربع ساعة، ومنشور عن المحاكم تُلي بصوت عال: ألف جلدة، عشر سنوات سجن وغرامة ربع مليون دولار. لا يزال بانتظاره 950 جلدة اخرى.

 

وقد أُدين بدوي بنشر افكار « الكفار » حين أصر على مطالبة السلطات بادارة حوار ليبرالي « مثلما في الدول المتنورة »، تبني نماذج الديمقراطية واطلاق العنان للنساء المظلومات في المملكة. لم تكن هناك محاكمة عادلة: محامي بدوي تلقى عقابا أشد. بعد أن صاغ نفسه بحماسة مؤيدا حقوق المواطن ومدعيا البراءة التامة للمدون، حكموا عليه بـ 15 سنة سجن على التشهير بالمؤسسة الدينية.

 

من وزارة الخارجية في واشنطن ومن وزارة الخارجية في كندا، التي فرت اليها زوجة بدوي وثلاثة اولاده، هاتفوا لمناشدة السعودية « اعادة النظر » والتفكير بالغاء الجلد. هذا لم يجدي نفعا بالنسبة لمنظمات حقوق الانسان ايضا. فالجلد يستهدف الاهانة، أما الحبس فيستهدف ردع كل من يحاول هز المؤسسة، والغرامة المالية جاءت لتهدئة روع حكماء الدين في ألا يرى بدوي النور.

 

وأُرسل المدون الى الفحص الطبي قبيل عملية الجلد. ويوم الجمعة التالي، قبل أن يتلقى الحقنة الثانية من اصل عشرين جولة جلد مخططة كل اسبوع، سيأخذوه مرة اخرى للفحص. الى أن ينكسر أو أن يقرر الجلادون بأنهم ملوا من اثارة زعماء العالم لاعصابهم.

 

لعبة القط والفأر بين الحكم النزاع الى القوة وبين وسائل الاعلام في العالم العربي تستمر ايضا بعد هزات « الربيع ». من يرفع الرأس يدفع ثمنا باهظا. وفي افضل الاحوال يطيرونه من العمل، وفي اسوأها الى السجن. وبسبب ملاحقة الصحفيين، يحتل الكاريكاتور مكان مقال الرأي. « شارلي ايبدو » ذبحت عددا لا يحصى من البقرات المقدات. لدى الليبراليين العرب تعتبر رمزا لحرية التعبير.

 

والعملية هي النتيجة النازفة. أما الاسد، في سوريا، فبعث برجال الاغتيال لمعالجة صديقه رسام الكاريكاتور الذي أغاظه وأثار اعصابه. في مصر أقالوا رسامي كاريكاتور « وقحين ». في لبنان صُفوا، وفي المغرب نُحوا. في الاردن يتعلمون كيف يضبطون أنفسهم.

 

في نهاية الاسبوع امتلأت صحف العالم العربي بالكاريكاتورات التي تعرب عن الصدمة الحقيقية من العملية، ولكن في حالة المدون المجلود، لا كلمة. لا يكتبون ولا يبحثون عن مشاكل. أحد غير معني بأن يقف ضد مظهر ازدواجية الاخلاق في قصور الرياض.