خبر فشل استخباري مدوٍ -معاريف الاسبوع

الساعة 10:57 ص|11 يناير 2015

بقلم: يوسي ميلمان

(المضمون: مثلما حصل في الولايات المتحدة بعد احداث 11 ايلول 2001 سيؤدي الحفاظ على الامن في هذه الحالات بالضرورة الى قيود معينة على حريات الفرد - المصدر).

 

مثل شركات التأمين، فان وكالات الاستخبارات هي ايضا لا يمكنها أن تضمن تغطية كاملة للاضرار. فالاجهزة الفرنسية لم يكن بوسعها أن تعرف عن كل خلية ارهابيين، وبالتأكيد ليس عن مجموعة من الافراد أو الازواج، ممن تآمروا في الخفاء على تنفيذ عمليات. ولتذكيركم، فان جهازا سريا وناجعا مثل الشاباك الاسرائيلي لم يعرف عن خطة اختطاف الاسرائيليين في مفترق غوش عصيون في حزيران الماضي – العملية التي انتهت بقتل التلاميذ الثلاثة – واستغرقه وقتا ما حتى صعد على آثار مخربي حماس.

 

« في معظم الحالات، لا يكون بوسع أجهزة الاستخبارات أن تتوقع متى يتحول فيها متزمت من متطرف يعرب عن أفكاره الى ارهابي عنيف »، كما اقتبس امس عن المسؤول الكبير السابق في السي.اي.ايه بروس ريدل، في وكالة « رويترز » للانباء في سياق أحداث باريس. واضاف ريدل بان « مشكلة اجهزة الامن الفرنسية هي أنه يوجد عدد كبير من المواطنين الفرنسيين الذين انضموا الى حروب الجهاد في سوريا، في العراق وفي اماكن اخرى وعادوا الى الديار، ولا يمكنها ان تتابعهم جميعا وتراقبهم ».

 

هذه أقوال موزونة وصحيحة مبدئيا. ولكن مع ذلك، ينشأ انطباع بان هذه المرة ارتكبت اجهزة الاستخبارات الفرنسية فشلا مدويا. فالاخوان سعيد وشريف كواشي، المخربان اللذان قتلا شرطيين و12 شخصا في اسرة تحرير المجلة الساخرة « شارلي ايبدو » كانا هدفين هامين لاجهزة الامن. فقد ظهر اسماهما أيضا في « TIDE »، بنك المعلومات المركزي للاستخبارات الامريكية عن الارهابيين المعروفية او عن المشبوهين باعمال ارهابية. وتوزع الاستخبارات الامريكية القائمة التي تتشكل من أكثر من مليون اسم، على الاجهزة المماثلة في الدول الاخرى، بحيث انهما كانا معروفين للاستخبارات الفرنسية. بل ان اسميهما ظهرا في قائمة دولية من ممنوعي الطيران.

 

احد الاخوين تدرب في 2011 لدى القاعدة في اليمن. وفي فرنسا عملا كمجندين لمتطوعين للعراق. وكانت هذه مؤشرات دالة يفترض بها أن تشعل اضواء تحذير. ولكن في السنة الاخيرة، كونهما لم يكونا مشاركين في احداث استثنائية وبقيا في الظل، فقد ضعفت المتابعة لهما.

 

في الوقت الذي يحاول فيه خبراء أجانب مثل ريدل، ابداء التفهم لما فعله أو لم يفعله بما يكفي جهاز الامن الداخلي في فرنسا، فان الانتقاد الاكثر شدة ينطلق بالذات من جانب مهنيين من فرنسا نفسها. وبعضهم لا يتردد في أن يصف بكلمة « قصور » ما ظهر امام ناظرينا بعد ثلاثة أيام كانت فيها العاصمة الفرنسية في شبه حصار، في اثناء المطاردة للجهاديين الاربعة المسلحين بالكلاشينات. وقال لي خبير فرنسي في شؤون الامن والاستخبارات طلب عدم ذكر اسمه ان « مشكلتنا هي في مبنى اسرتنا الاستخبارية ».

 

الشرح: في العام 2008 تم توحيد وحدات الاستخبارات في الشرطة (RG) وجهاز الامن الداخلي (DST) في جسم واحد يدعى DCRI، تم تغيير اسمه في 2014 ليصبح DGSIويتبع وزير الداخلية. وحسب الخبير، فقد كان المقصود من التوحيد هو أمر جيد: النجاعة في عمل جمع

 

المعلومات، منع الازدواجية، وتطوير مستوى قدرة المتابعة للمشبوهين. اما عمليا، مع ذلك، فان الهدف لم يتحقق.

 

ويضيف الخبير فيقول ان « هذا النموذج لا ينجح. فالـ RG ركز في الماضي على المواضيع الكبرى، اي اساسا على التجسس المضاد، المتابعة للمجموعات الارهابية الكبرى مثل القاعدة. بينما الـ RG الاستخبارات الشرطية، فقد قام في الماضي بالعمليات الميدانية القذرة – التسلل بهويات خفية الى المساجد، الاستماع الى الأئمة ورفع التقارير الفورية عن ذلك. وكان هذا عمل منهاجي، محبط وبطيء، ولكن كانت له نتائج ».

 

وعلى حد قوله، « مع توحيد الاجهزة، ابتلعت وحدات الـ RGفي المبنى الجديد ووقفت في ظل DST الذي رأى نفسه يوما كجهاز ارستقراطي لا يعنى بالصغائر. وقد »لوث« هذا المزاج كل المبنى الجديد. وللمفارقة، فانه كلما تعاظم تهديد الارهاب – ضعفت التغطية له ».

 

وبالطبع مشكلة فرنسا ليست فقط مبنى اجهزتها السرية، بل أعمق بكثير. فرنسا، مثل كل اوروبا الغربية، بحاجة لان تفهم بان عليها أن تغير نمط التفكير وان تستوعب بانها توجد في حالة حرب في مواجهة من يهددون الحضارة، الثقافة والتراث الخاص بها. عليها أن تشرع قوانين اكثر تشددا ضد الارهاب، وتوثق الرقابة على الهجرة بل وربما سحب الجنسية من نشطاء الارهاب. كما أن عليها أن تؤكد اعتراف الجهاز القضائي بان هذا صراع بين الثقافات. فالحديث يدور عن سياق متواصل يستغرق زمنا الى أن تتوفر التوازنان الصحيحة بين الحفاظ على حرية الفرد، على المبادىء الليبرالية وعلى القيم الديمقراطية، وبين حماية أمن الجمهورية. ومثلما حصل في الولايات المتحدة بعد احداث 11 ايلول 2001 سيؤدي الحفاظ على الامن في هذه الحالات بالضرورة الى قيود معينة على حريات الفرد.