خبر لماذا لم يسقط الطيار الأردني فوق فلسطين؟ ..د. وليد القططي

الساعة 12:45 م|08 يناير 2015

لماذا لم يسقط الطيار الأردني فوق فلسطين ؟ هذا السؤال الذي كان من المفترض أن يسأله كل واحد منا لنفسه وللآخرين , وبالتحديد لمن أرسلوه ليقاتل عدواً صنعوه بأيديهم وحسب معايير الجودة الأمريكية لينفذ أهدافاً مُصاغة في أروقة صانعي السياسة الصهاينة والأمريكان , وها هم اليوم يقاتلوه بعد أن انتهت صلاحيته واستنفدت أهدافه تماماً كما يتم اتلاف السلعة الفاسدة والمنتهية الصلاحية . وللإجابة على هذا السؤال الذي يستفسر عن سبب عدم سقوط الطيار الأردن الأسير فوق ثرى فلسطين والذي يحمل في مضمونه افتراضاً فحواه أن الوجهة الحقيقية التي كان يجب أن يتجه إليها هي فلسطين للإغارة على المواقع العسكرية الإسرائيلية والمستوطنات الصهيونية المُقامة فوق الأرض الفلسطينية , وبالأحرى لماذا لا يقوم الجيش الأردني بما فيه سلاح الطيران بمحاربة الكيان الصهيوني , وبدلاً من ذلك يقوم بالاشتراك في حروب ليس للأمة ناقة فيها ولا جمل ؟

إن الإجابة على هذا السؤال يتطلب أن نعود إلى نشأة الدولة الأردنية , ومدى ارتباط هذه النشأة بالدور الوظيفي للنظام الأردني , ومدى ارتباط استمرار هذا النظام بأداء هذا الدور الوظيفي المحدد له من الأطراف الدولية التي ساهمت في انشائه . فالدور الوظيفي للكيان السياسي الأردني بدأ قبل انشائه , بل ان النظام الأردني يختلف في نشأته عن الكثير من الأنظمة السياسية المشابهة له إذ انه نشأ بطريقة عكسية فبدلاً من أن يُنشئ الشعب نظامه ودولته , فإن النظام هو الذي أنشئ الدولة والشعب ليتمكن من أداء دوره الوظيفي المرتبط بإنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين ويتزامن معه حيث اقيم الأول على الضفة الشرقية لنهر الأردن , بينما أ ُقيم الثاني في الضفة الغربية للنهر , ولفهم هذا الدور الوظيفي أكثر لا بد من عود على بدء .

ظلت منطقة شرق نهر الأردن جزءاً من ولاية دمشق في العهد العثماني , ولم تكن كياناً سياسياً أو إدارياً منفصلاً عن محيطها الشامي أو العربي في العهود السابقة للعثمانيين . وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى عام 1918 , ودخول قوات ( الثورة العربية الكبرى ) الأردن بقيادة الأمير ( فيصل بن الحسين ) بدأت أول ملامح الدور الوظيفي للكيان المنّوي إقامته شرق الأردن عندما وقُعت اتفاقية ( فيصل – وايزمان ) في مؤتمر باريس بين الأمير فيصل بن الحسين وحاييم وايزمان رئيس المنظمة الصهيونية العالمية التي اعترف فيها فيصل بوعد بلفور ووعد بتقديم تسهيلات لليهود لإقامة مجتمع لهم في فلسطين مقابل مساعدة المنظمة في اقامة كيان سياسي لهم في شرق الاردن ,وعندما زار ( تشرشل ) وزير المستعمرات البريطاني انذاك الاردن التي وقعت مع فلسطين تحت الانتداب البريطاني اتفق مع الأمير ( عبدالله بن الحسين ) على اقامة ( امارة شرق الاردن ) عام 1923 , والتي تحولت إلى ( المملكة الاردنية الهاشمية ) عام 1946 ونُصّب عبدالله بن الحسين ملكاً عليها .

ولم تكن ملابسات النشأة هي التي تخدم الدور الوظيفي للنظام الاردني فقط , بل استمر وجود هذا النظام يخدم هذا الدور أيضاً مقابل دعمه من الغرب ممثلاً في بريطانيا ثم أمريكا , وتجّلى ذلك واضحاً في تخلّي الجيش الاردني عن مساحات كبيرة من فلسطين المحتلة عام 1948 كثير منها دون قتال حقيقي , ثم انسحابه من القدس الشرقية والضفة الغربية عام 1967 لتقع كل فلسطين التاريخية في قبضة الصهاينة , واستمر هذا الدور ليُترجم إلى ضرب المقاومة الفلسطينية وإخراجها من الاردن عام 1970 ,التي تمثل أطول حدود برية مع الكيان الصهيوني عام , لتكون الحدود الاردنية - الفلسطينية أكثر الحدود حماية وأمناً للكيان الصهيوني , ولتكرّس المنظومة الأمنية الاردنية في خدمة هذا الدور من خلال مطاردة كل من تسّول له نفسه ويصّور له خياله أن يفكر أو يهم بعمل مقاوم ضد الكيان الصهيوني .

أما الأدوار الوظيفية الأخرى للنظام الأردني فهي تعود جميعها إلى الدور الوظيفي المركزي المتجسّد في حماية الحدود الشرقية للكيان الصهيوني , ومن هذه الأدوار قيام النظام الأردني بالمساهمة في تدمير الدولة السورية – وليس مجرد إسقاط النظام – وهذه المساهمة الأردنية تتمثل في فتح معسكرات تدريب للمعارضة المسلحة السورية تديرها أمريكا وتموّلها بعض دول الخليج , وإقامة مخازن للسلاح تكون نقاط إمداد عسكري ولوجستي للمعارضة السورية المتمركزة جنوب سوريا . ولم تكن مشاركة الطيران الأردني في الاغارة على أهداف لداعش في سوريا والعراق بعيدة عن هذا الدور , حيث أن المصلحة الامريكية اقتضت ضرب داعش لإضعافها أو استئصالها بعد أن صنعتها بالتعاون مع حلفائها أو تابعيها العرب وانتهت صلاحيتها ودورها في تدمير الدولة السورية .

وقد يكون هذا الدور الوظيفي هو الذي أبعد شبح ثورات ( الربيع العربي ) عن الأردن ولم تتطور المظاهرات في الأردن إلى حرب اهلية مسلحة كما حدث في سوريا وليبيا , وذلك للمحافظة على الدولة الأردنية التي لم ينتهِ دورها الوظيفي بعد , ولن ينتهي ما دام هذا الكيان جاثم فوق صدر الأمة , وسيظل هذا الكيان جاثماً على صدورنا ما دامت الأمة تخوض حروباً ليست حروبها وتوّجه بوصلتها في كل الاتجاهات ما عدا القدس وفلسطين .