بقلم الخبير الاقتصادي أمين أبو عيشة

خبر الروبل الروسي والقتال من مسافة صفر ... الرابحون والخاسرون

الساعة 01:28 م|05 يناير 2015

غزة

يواجه الاقتصاد الروسي منذ فترة ليست بالقصيرة العديد من الإشكاليات والصدمات المتتالية كان من أخطرها وأهمها وما زالت صدمة تراجع أسعار النفط ، التي كان من ابرز نتائجها سلبية أكبر لهذا الاقتصاد، وعلى نحو أوضح تراجعت بموجبه قيمة العملة الوطنية الروسية « الروبل » فلو نظرنا تاريخيا نجد أنه في نهاية العام 2013 بلغ معدل صرف الروبل 33 روبلاً لكل دولار أمريكي تقريباً ، اليوم وحتى وقت كتابه هذا المقال بلغ معدل الصرف 59 روبلاً لكل دولار أمريكي تقريباً ، وهو ما يمثل تراجعاً في قيمة الروبل بنسبة78% .

بهذا الأمر تجتمع على روسيا عدة عوامل تسيء لمنظومتها الاقتصادية من أبرزها، أن الاقتصاد الروسي محاصر والنفط يتهاوي وتتراجع ثقة المستثمرين بالاقتصاد وتهرب رؤوس الأموال الخاصة وتزداد الديون السيادية لأكثر من 170 مليار دولار وتتعاظم معدلات التضخم لمستويات ثنائية 10% وتتآكل احتياطاته على نحو مقلق بل تعدم احتياطه إن جاز التعبير ، هذه الأمور حقيقة ترفع من مخاطر انهيار الاقتصاد الروسي .. كل ذلك يحدث بهدف إجبار روسيا قسراً على الانسحاب من أوكرانيا.

فقد قدرت عمليات الهروب عام 2014 لرؤوس الأموال بحوالي 134 مليار دولار

روسيا تدفع اليوم ثمن ريعية اقتصادها المعتمد بشكل كامل على النفط والغاز في تكوين مصادر إيراداتها الرئيسية وهو ما يطبق عمليا بانخفاض الطلب على الروبل وزيادة الطلب على الدولار الأمريكي لتمويل عمليات الخروج الآمن للاستثمارات خارج روسيا ، فقد قدرت عمليات الهروب عام 2014 لرؤوس الأموال بحوالي 134 مليار دولار في الوقت الذي يتوقع أن تصل فيه عمليات الهروب لحوالي 150 مليار دولار العام 2015.

اقتصاديا نجد أنه في حال تراجع قيمة العملة الوطنية « الروبل » تلجا البنوك المركزية إلى التدخل في السوق من خلال عمليات السوق المفتوحة فتبيع النقد الأجنبي  وهو في الحالة الروسية الدولار الأمريكي وتشتري النقد المحلي وهو هنا الروبل وذلك لترفع من سعر عملتها المحلية وتوقف تراجع صرفها، هذا طبعاً في الاختلال العادي البسيط لكن حين يكون الاختلال هيكليي كما في الحالة الروسية « له علاقة بمنظومة الاقتصاد – النفط والغاز – ومكوناتها » فإن الأمر هذا لن يفيد كثيراً.

البنك المركزي الروسي بهذا الأمر يوجه رسالة مفادها انه مستعد للدفاع عن عملته بأي ثمن بل مستعد للقتال عنها من مسافة صفر

صحيح إن البنك المركزي الروسي بهذا الأمر يوجه رسالة مفادها انه مستعد للدفاع عن عملته بأي ثمن بل مستعد للقتال عنها من مسافة صفر لكن التوقعات التشاؤمية للإصلاح بثت الذعر بين المتعاملون بالعملات الأجنبية وعلى رأسها العملة الخضراء وغذت الطلب عليها والنتيجة الفعلية لذلك هو استنزاف رصيد روسيا من العملات الأجنبية « الاحتياطات » كما أن روسيا لم تستخدم فقط التدخل المباشر ( عمليات السوق المفتوحة ) لوقف استنزاف الروبل بل لجأت إلى استخدام السياسة النقدية ممثلة بزيادة سعر الفائدة على الروبل لمستويات قياسية من 10.5% إلى 17% دفعة واحدة وهو أمر غير اعتيادي لمعدلات الفائدة وهو ما أشار له المركزي الروسي بتصريح صحفي من أن هذا الأمر هو حاجة للحد من مخاطر استمرارية تراجع الروبل وارتفاع معدلات التضخم ، وهو في نظري قتال باستماتة وشرف ،إن زيادة سعر الفائدة بنسبة 6.5% يؤكد حرص روسيا على استخدام جميع الأدوات للدفاع عن عملتها بل القتال من أجلها.

غير أن ذلك الأمر وتحديداً في المدي الطويل هو سياسة خاطئة ففشل الفشل هو فشل بحد ذاته وهو ما يفعله البنك المركزي دون إدراك لهذا الأمر، صحيح أن جرح الروبل من الممكن أن يضمد لكن هذا الأمر له انعكاساته المستقبلية على النمو الاقتصادي وتدهورا في ميزانها التجاري إضافة لضغوط انكماشية واسعة وهو ما سيؤثر على أوربا الشرقية سلبا وهو ما أعلنه المركزي الروسي بنمو سالب نسبته 4.7% لعام 2015 حال استمر النفط عند مستوي 60 دولار للبرميل ( حالياً 53 دولار للبرميل ) ، كما أن تراجع الروبل له آثاراً سلبية على دخول المواطنين الروس نتيجة لتأكل دخولهم الناتج عن ارتفاع الأسعار – التضخم – كما انه لن يحسن من صادرات روسيا لان اغلب أسعار صادراتها تسعر بالدولار الأمريكي وليس بالروبل وعلى رأسها النفط والغاز بل سيزيد هذا الأمر سوءاً على سوء ، كما سيؤثر ذلك على ارتفاع  أسعار صادراتها إلى أوربا وهو ما سينعكس سلبا على روسيا وروابطها مع منطقة اليورو بشكل خاص وأوربا بشكل كلي وسلبي أيضا.

السعودية قدمت لأمريكا ولأوبا خدمة جليه وكبيرة برفضها خفض وتخفيض إنتاجها من النفط والغاز

وفي الختام، إن الضغوط الاقتصادية التي يمارسها الغرب على روسيا وحتي ضغوطات العرب منها والمتمثلة في رفض السعودية لمطالبات فنزولية وإيرانية في الاجتماع الماضي لاوبك بخفض إنتاجها من النفط، وتصريحات وزير طاقتها وبترولها علي النعيمي بعدم الموافقة على الطلب الإيراني الفنزويلي بخفض الإنتاج، أسهمت هذه الأمور بالفعل في الإضرار بالاقتصاد الروسي على نحو كبير ومتواصل ، وهذا ما أكده احد المحللين السياسيين الأمريكان من إن السعودية قدمت لأمريكا ولأوبا خدمة جليه وكبيرة برفضها خفض وتخفيض إنتاجها من النفط والغاز ،هذه الأمور تسببت في انهيار عملة الروبل وارتفاع المخاطر المحيطة بالاستثمار في روسيا حاليا، فضلا عن تأثيرها السلبي في آفاق النمو المستقبلي لها.

لقد خسرت وخسر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لياقته ولياقة روسيا الذي اعتقد طول سنوات مضت انه يمتلكها أمام أمريكا والغرب في صراعاته المستمرة معهما وكسبت أمريكا جولة القتال وبضربة قاضية لكن بأيدي عربيه .

كلمات دلالية