خبر عندما تتنافر الشرعيات المتغيرة مع الشرعية الثابتة>> د.جميل يوسف

الساعة 04:03 م|04 يناير 2015

قلم: د. جميل يوسف*

يتأكد يوما بعد يوم أن الإنسان الفلسطيني في غزة يتعرض لعملية تدمير مستمرة من خلال الاختلاف بين السلطة الفلسطينية في رام الله وبين حركة حماس التي أدارت قطاع غزة منذ عام 2007 حتى اتفاق الشاطئ في ابريل 2014, وأن هذا الإنسان الغزاوي ليس في دائرة الاهتمام من حيث احتياجاته الحياتية وعوامل صموده وبقائه حيا على هذه الأرض, وقد كتبت قبل 3 أشهر أن عافية المشروع الوطني الفلسطيني من عافية غزة, بل ويشعر الفلسطيني في غزة أن القيادة الفلسطينية بدل أن تستغل كل ثوانيها من اجل نجاح واحد لصالح شعبها وذرا للرماد في للعيون نراها تغوص من فشل إلى فشل ومن تنازل إلى آخر بعيدا عن شعبها أو أدنى مراعاة لواقعه وحقوقه, وكذلك الحكومة الفلسطينية لم تبذل جهدا لرفع ولو جزء يسير من معاناة الفلسطينيين أو حتى البحث عن حلول للمشاكل الحياتية في غزة كالكهرباء والحصار والإعمار.

 

إن هذه الحكومة ومن خلفها القيادة الرسمية ترى أن مشكلتها مع حماس في غزة على رأس أولوياتها حتى لو كان هذا على حساب المواطن في غزة وعلى حساب القضايا المصيرية , وفي المقابل تبذل أقصى درجات الجهد والوقت لوأد أي محاولة فلسطينية للمواجهة ضد المحتل في الضفة الغربية.

 

إن أبسط قواعد العمل السياسي تتطلب أن تقدم لشعبك انجازات ملموسة حتى يغفر لك بعض الإخفاقات السياسية التي تبدو الآن وكأنها صفة سائدة للسلطة, الشعب الفلسطيني يسير خلف قيادته قسرا من كارثة إلى أخرى ولم تعد احتياجاته الحياتية تمثل جزءا بسيطا من همها اليومي, بل وتطلب منه ان يفقأ عينيه بيديه انتظارا لسراب يدرك الجميع وأولهم السلطة أنه مستحيل. يعيش المواطن الفلسطيني في حيرة حيث يرى الفشل المتواصل للسلطة مقرونا بالإصرار على المضي في نفس الطريق ويرى ان العلاقة مع مشروع التسوية مقدمة على العلاقة مع الفلسطيني المنكوب في قيادته وزعمائه.

 

الاختلاف بات السمة الرئيسة للخارطة السياسية الفلسطينية, المنظمة باتت أكثر إلحاحا الآن لإعادة بنائها وتفعيلها .. الحكومة والسلطة يجب إعادة النظر في وجودهما وضرورتهما... الفصائل بحاجة ملحة إلى مراجعة شاملة لبنيتها وأدواتها وعلاقاتها... الشعب الفلسطيني يجب إعادة الاعتبار له ولمصالحه. على مدى تاريخ المشروع الوطني الفلسطيني توجد شرعية واحدة والتي تعرف في العلوم السياسية بمصدر السلطات, وهي الشعب الفلسطيني, الثابت الفلسطيني الوحيد الغير قابل للتغيير أو التبديل, وكل المحاولات للقفز على هذا الثابت أو منافسته على شرعيته كمن يضع العربة أمام الحصان وهذا أمر شاذ لا يمكن أن يحقق أي انجاز وطني, والقاعدة التي لا تقبل التحريف انه عندما تتعارض الشرعية الثابتة مع الأخرى المؤقتة تصبح المؤقتة عبئا على الأولى, ويجب أن تتغير المؤقتة طبقا لرغبة الثابتة حتى تسير كل الشرعيات في مسار واحد بدون تعارض أو اختلاف, وهذا ما يحدث في كل الدول عندما يتم حل المؤسسات المنتخبة ويعود الأمر للشعب ليقول كلمته من جديد في الشرعيات المؤقتة, وتجري الانتخابات من جديد. كل الشرعيات الأخرى عبارة عن شرعيات مؤقتة وبشرط ان تكون مرتبطة بشكل وثيق بالشرعية الثابتة والرئيسة, وعندما تتنافر هذه الشرعيات العابرة مع شعبها (الشرعية الثابتة) او يصبح شعبها في حالة العداء معها كما يحدث الآن مع كثير من الأنظمة العربية, وكما يحدث الآن بشكل جلى بين الشعب الفلسطيني خاصة في غزة المنتصرة والمظلومة وبين الشرعيات المنتهية صلاحياتها الدستورية منذ سنوات وشرعياتها الوطنية منذ أوسلو حتى الآن.

 

منذ نشأت م ت ف حتى تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1993, كان الشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده داخل فلسطين والشتات في حالة تماهي عالية مع المنظمة وكأن الشعب الفلسطيني هو المنظمة والعكس صحيح وكانت بعض الأصوات التي تعترض على المنظمة لم تعترض على شرعيتها بل تعترض على تركيبتها والنمط الدكتاتوري لإدارتها, ومعظم الاتفاقيات والنصوص التي كتبت وتم الاتفاق عليها بين قيادة م ت ف والفصائل المعترضة دارت حول التفعيل وإعادة البناء فقط ولم تشكك في شرعيتها الثابتة.

 

كانت أهم الأسباب التي منحت م ت ف الشرعية الثابتة, انها مثلت الإجماع الفلسطيني والهوية الوطنية والمقاومة الجذرية للمشروع الصهيوني في فلسطين كما مثلت بشكل كامل الحق في كامل التراب الفلسطيني من البحر الى النهر. بعد اوسلو نشأت السلطة الوطنية الفلسطينية وهي شرعية متغيرة وبالأصح مشكوك في شرعيتها لأنها لم تولد من الشرعية الأساسية, بل ولدت من اشد الجهات عداء ورفضا للحق الفلسطيني وما حدث قبل ايام في مجلس الأمن يجب ان يشكل قناعة ملزمة للجميع ان كل التغييرات التي حدثت على الساحة الفلسطينية بعد اوسلو هي رغبة معادية للشعب الفلسطيني, وعلينا ان نبادر فورا الى رد هذه البضاعة الفاسدة الى أصحابها والمستفيدين الوحيدين منها (أمريكا وإسرائيل).

 

لقد أحدثت السلطة الفلسطينية تموضعات وتباديل كثيرة داخل الخارطة السياسية الفلسطينية وداخل الاطار السياسي نفسه, كلها كانت ضارة بمسيرة المشروع الوطني والحق ألفلسطيني. المؤكد الآن ان هذه الشرعيات المتغيرة وعلى رأسها السلطة الفلسطينية قد انتهت ولايتها منذ 4 سنوات ويجب ان يعود الأمر للشعب فكل الألقاب المتداولة الآن فاقدة الصلاحية القانونية والدستورية. لقد بات امرا ضروريا القيام بإصلاح الخلل الكبير جدا الذي أحدثته هذه السلطة والذي يتطلب اعادة الاعتبار للمشروع الوطني وإصلاح المؤسسات الوطنية وأيضا وبدون مجاملة إصلاح فصائل العمل الوطني لما تعانيه معظمها من ترهل وعدم القدرة على مواجهة التحديات الثقيلة, والضبابية التي تلف الحراك السياسي لمعظمها جراء الانقلاب الأوسلوي على المشروع الوطني الجامع.

 

ان وقفة وطنية جريئة تتطلب العمل على وزن السلطة الوطنية بميزان المشروع الوطني وهل هي بهامته وقدسيته أم لا؟, والجواب لدى الجميع بـ لا ولعل التهديد بحلها من قبل القيادة الفلسطينية أكثر من مرة يؤكد انها خيار ثبت فشله.ان المؤسسات الدولية هي التي أنشأت الدولة العبرية وتعمل على حمايتها, سواء كان مجلس الأمن او باقي المؤسسات التي تحاول ان نخدع شعبنا بأهمية الانضمام اليها وما حدث في مجلس الأمن قبل أيام وتكرر سابقا عشرات المرات, لم نجن منه سوى مضيعة الوقت ومواصلة التنازل أملا في الوصول للسراب الموعود, وهذا الأمر سيتكرر مع باقي المؤسسات الدولية ولسنا بحاجة الى عقد او عقدين على أبوابها كي نتأكد انها الأخرى ستعطينا السراب كما فعل مجلس الأمن بالأمس القريب والبعيد.

 

للخروج من النفق المظلم الذي أدخل إليه المشروع الوطني الفلسطيني علينا :- *الإعداد الوطني الجاد لمؤتمر وطني فلسطيني في كافة أماكن التواجد الفلسطيني داخل فلسطين او خارجها, وان يتم الاختيار بعيدا عن لغة النسب الفصائلية او الهيمنة او الانزياحات هنا وهناك, على ان يأخذ هذا الإعداد والمؤتمر حقه الكافي من الوقت والجهد. ويقف على رأس أولوياته اعادة ترتيب البيت الفلسطيني وبالذات م ت ف ودراسة حل السلطة الفلسطينية بشكل جدي.

 

*العمل على تشكيل هيئة وطنية لإدارة قطاع غزة على اساس انها ارض فلسطينية محررة وتعمل هذه الهيئة لتوفير الدعم المالي اللازم للقطاع بعيدا عن الاشتراطات والتهديدات الدولية على ان تتحمل فصائل العمل الوطني المسئولية عن جمع الأموال.

 

*إطلاق يد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية لمواجهة المحتل الصهيوني عبر انتفاضة تتوافر لها الآن كل عوامل الاشتعال على ان تركز كل جهدها في القدس ومواجهة الاستيطان وجعل تكلفته عالية جدا تجبره على الرحيل كما حدث في غزة 2005 .

 

*خلق خطاب إعلامي تجميعي مهمته توحيد الكل الفلسطيني تحت راية وطنية واحدة ومخاطبة الخارج الإقليمي والدولي بلغة واضحة وموحدة بعيدة عن التكتيك والمجاملة تركز على الحق الفلسطيني التاريخي والثابت وليس الذي تحدده التوازنات الدولية الظالمة وتوازنات الممكن التي حملتنا أوزارا مكنت العالم من ملاحقتنا من خلالها.

 

*الارتباط مع الحوض العربي والإسلامي من خلال فلسطين فقط ورفض ما دونها مهما كانت قدسيته, لقناعتنا ان فلسطين هي الحل لكل مشاكل المنطقة وليس العكس, فساحة الحق الفلسطيني فقط هي التي تجمع الكل.

* باحث في الشأن الفلسطيني