خبر في الإحصاءات مثلما في الحياة -يديعوت

الساعة 09:41 ص|04 يناير 2015

بين الرأي والحقيقة

بقلم: سيفر بلوتسكر

(المضمون: على المستطلعين أن يغطوا جوانب تُغفل في الغالب في نتائج الاستطلاعات كنسبة رافضي المشاركة ومعدلات ميول التردد والثقة بالتصويت. ففي نهاية المطاف في الاحصاء مثلما في الحياة، كلما عرفنا أكثر فهمنا أكثر - المصدر).

 

أكثر من أي شيء آخر أحببت في دراستي للاقتصاد الاحصاء. وحتى اليوم وأنا مدمن عليه: أنكب على ملفات المعطيات بشهية لا تعرف الشبع. وبرأيي، مرغوب تعلم أسس الاحصاء منذ المرحلة الاعدادية. ففهم الاحصاء يحرر العقل البشري من المعتقدات الخرافية، من الاخفاقات في الاستنتاج، من التعميمات الخطيرة، من الاعتماد عديم الاساس على حالات منفردة، من الثقة الزائدة بالنفس ومن ميلنا الطبيعي نحو التزلف للناس. واستيعاب قوانين الاحتمال الاحصائي ومعناها يغير نظرتنا الى العالم والى افعال الانسان فيه. فالاحصاء يستند الى المنطق، ولهذا فان الاحصائي الخبير لن يصدق نظرية المؤامرة أو نظرية العِرق.

 

من شأن محبة الاحصاء أن تورطنا في خلافات مع اصحاب الآراء القاطعة. فالأخيرون يظهرون مقتنعين جدا الى أن يكتشفوا الحقائق التي يفترض أن تؤكد آراءهم. والحقائق المزعومة، والويل لها، لا تنجح في اختبار المعطيات أو في اختبار الاستخلاص المنطقي – الاحصائي. يتبين أن قسما كبيرا جدا من سلوكنا يعتمد بالفعل على المعتقدات عديمة الأساس كهذه، مثلما أثبتت بحوث طليعية في اقتصاد السلوك للبروفيسور عاموس تبرسكي والبروفيسور دانييل كهنمان. الاول توفي في 1996، والثاني، أطال الله عمره، نال جائزة نوبل في الاقتصاد ويواصل نشر المقالات والكتب واسعة الانتشار.

 

ليس صدفة أن انظمة الطغيان تخاف الاحصاء الحر حتى أكثر من الرأي العام. فرأي ما يمكن اعتراضه برأي آخر، ولكن بماذا ستعترض الاحصاء الذي يثبت بأن مستوى المعيشة تحت حكمك هبط بعشرات بالمئة؟ أو الاثبات بأن المعجزة التي حققتها بشدة حكمتك كزعيم أعلى هي بالاجمال احتمال احصائي؟ الكتاب الشهير للاقتصادي توماس فكتي عن عدم المساواة العميقة في توزيع المداخيل في الغرب ترك أثره العالمي ليس بفضل النظرية التي طرحها فكتي فيه – التي هي موضع الخلاف والتي لا ينجح حتى هو نفسه في تأكيدها بما يكفي – بل بفضل عمل النمل الاحصائي الهام الذي قام به، والذي هو غير قابل للالغاء ايديولوجيا.

 

إن الالتصاق بقوانين الاحصاء « الوحشية » هام على نحو خاص في الحملات الانتخابية. فاستطلاعات الانتخابات تبنى على عينات تخضع لطرائق البحث الاحصائي؛ وتبعا لها، كلما كانت العينة مبذولة الجهد أكثر تكون أكثر مصداقية. ولكن هنا يظهر ايضا الضعف الأساس لاحصاء العينة: فهو لا يمكنه أن يبين حقا النوايا غير المعلنة. عندما يظهر في عينة انتخابية ربع الناس الذين

 

توجه اليهم الاحصائيون (هاتفيا) يرفضون الاجابة، وبين المجيبين نحو ربع آخر بلور رأيا، فان أدوات الاستنتاج الأكثر تطورا لن تعطي نتائج مصداقة التوقع.

 

إن طريقة العينة التي أثبتت نفسها كاشكالية بشكل خاص هي تلك التي تعتمد على الشبكات الاجتماعية في الانترنت، الى جانب طريقة فاشلة اخرى هي « مجموعات التركيز ». كما تبين ايضا من تحليل الاستطلاعات التي سبقت العديد من الحملات الانتخابية بأنه يوجد فارق لا تفسير له بين الموضوع الذي تدعي اغلبية الجمهور بأنه يقف على رأس جدول الاعمال وأن هذه الشخصية السياسية أو تلك ستعالجه على النحو الافضل وبين نتائج الانتخابات بالفعل. ويبدو أن الموقف من الكامل – الحزب كله وبشكل خاص الشخصية التي تقوده – يختلف عن مجموع الموقف من أجزائه.

 

وعليه، فاني أوصي المستطلعين أن ينشروا، الى جانب توزيع المقاعد، سلسلة اخرى من المعطيات المرافقة: أي تقنية استخدمت في الاستطلاع ومن هم السكان الذين اعتمدت عليهم العينة، أي نسبة من المستطلعين رفضت المشاركة وأي نسبة من المشاركين لا تزال تتردد بين الاحزاب وأي نسبة مؤكد أنها ستتوجه الى صندوق الاقتراع (مقارنة بغير الواثقين). مشوق ايضا التمييز بين الميالين الى التصويت لحزب ما وبين الواثقين بأنهم سيصوتون له.

 

هذه المعلومات الاحصائية ضرورية للجمهور الغفير لا كي تشكك بمصداقية الاستطلاعات بل العكس تماما: تعزيزها. إذ في نهاية الامر في الاحصاء مثلما في الحياة، كلما عرفنا أكثر، فهمنا أكثر.