خبر المشهد الإسرائيلي لـ 2014 : امن اسرائيل المتردي

الساعة 09:09 ص|01 يناير 2015

مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية

المشهد الاسرائيلي خلال سنة 2014 كان متفجراً وعنيفاً وزاخراً بالأحداث والتحولات الكبرى والمتسارعة على المستوى السياسي والأمني والحزبي الداخلي والاجتماعي، وعلى مستوى العلاقات الدولية والتهديدات الخارجية، رغم وجود وتبلور الكثير من اتجاهات الفرص المواتية إسرائيلياً، لا سيما على المستوى الإقليمي، وعلى مستوى التقدم التكنولوجي، وتحولها الى دولة مصدره للغاز، وزيادة حضورها في القارة الافريقية، وتعميق علاقات التعاون بينها وبين دولتي الصين والهند.

لكن الصورة الاجمالية لإسرائيل في نهاية العام تبدو وكأنها تسير بوتائر متسارعة على منزلق نحو الأسفل؛ فهي بلا زعامة حقيقية تستطيع الامساك بزمام المبادرة وقيادتها نحو استراتيجية إنقاذ، في ظل غياب الزعيم الحقيقي وغياب الحزب القائد وغياب النموذج القيادي، وغياب الشعور بالأمن الشخصي وتآكل الردع كأحد أهم مكونات مفهوم الأمن القومي الذي أرسى دعائمه بن غوريون، وتعالي صيحات الهجرة المعاكسة، وانكشافها كدفيئة تطرف وفساد النخبة الحاكمة، تطرف يمنعها من رؤية الطريق الذهبية لتأمين أمنها وحدودها وتأمين بقائها، واستشراء الفساد في القمة يهدد حصانتها الداخلية على نحو خطير ويقوض هيبة القيادات السياسية والحزبية وينزع الثقة عنهم.

ربما كان رحيل المجرم شارون في بداية العام وتفكك حزبه « كاديما » في نهايته يمثل إلى حد كبير فاصل نوعي كبير بين إسرائيل حتى شارون واسرائيل ما بعده؛ مرحلة جديدة من التدهور النوعي والقيمي والسياسي دخلتها اسرائيل منذ زعامة أولمرت الذي أدين بالفساد والرشوة وحكم علية بالسجن ثماني سنوات، عمقتها زعامة نتنياهو على مدار أربع سنوات، تعززت خلالها مسيرة التطرف والتغول وجرائم الاستيطان والكراهية والعنصرية وانسداد أي أفق للتسوية، وظهور ما نسميه بحالة السيولة الحزبية مما يعمق أزمة الحكم؛ هذه الأزمة التي كان أحد أعراضها اضطرار نتنياهو لتقديم موعد انتخابات الكنيست بعد مضي أقل من سنتين على إجرائها.

على المستوى السياسي والأمني

فشل المفاوضات السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والحرب على غزة، وانتفاضة القدس تقدمت أهم الأحداث السياسية في إسرائيل لعام 2014.

إعلان فشل المفاوضات بين الجانب الاسرائيلي والفلسطينيين التي رعاها في حينه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، والتي استمرت لتسعة أشهر حذر فيها كيري – بعد إعلانه عن الاحباط الذي أصابه جراء التعنت الاسرائيلي – من العزلة الدولية، وفق ما أكده في حينه الصحفي الأمريكي الشهير جفري غولدبرغ استناداً الى التحذير الصريح الذي وجهه وزير الخارجية كيري لنتنياهو حال فشل المفاوضات، هذا وقد ردت اسرائيل على تحذير كيري هذا بأنه مثل من يوجه بندقية الى رأس إسرائيل.

وكان كيري قد أطلق تحذيره في مؤتمر أمني في ميونخ عندما لمح الى وجود ما أسماه حملة متصاعدة لنزع الشرعية عن اسرائيل على المستوى الدولي، وأشار الى إمكانية مقاطعتها في حال استمرار الصراع مع الفلسطينيين، واعتبر الوزير الإسرائيلي يوفال شتاينتس تصريحات كيري تهديداً لإسرائيل « يشجع الفلسطينيين على تصليب مواقفهم في المفاوضات التي لم تظهر أي دلائل على تقدمها »، وأضاف شتاينتس « الأمور التي قالها كيري مؤلمة وجائرة ولا يمكن السكوت عليها »، وهكذا استغرق الرد الاسرائيلي يليه الرد الأمريكي المبرر لموقف كيري، وبين الموقفين تمسك الفلسطينيون بمطالبهم بتنفيذ ما اتفق عليه فيما عرف حينها بـ « اتفاق الإطار »، والذي رفضت اسرائيل تنفيذ الشق المتعلق منه بالإفراج عن بقية ما تبقى من الأسرى الفلسطينيين المتفق على إطلاق سراحهم، مما حذى بالسلطة الفلسطينية بالتوجه الى مؤسسات الأمم المتحدة بالمطالبة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية والعمل على انهاء الاحتلال، والتي آخرها مقترح مشروع قرار لمجلس الأمن يضع جدولاً زمنياً لإنهاء الاحتلال.

اندلاع المواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال إثر فشل المفاوضات

إثر الاعلان عن فشل المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفي أعقاب الاحباط الذي تسلل الى الشارع الفلسطيني على خلفية التهديد الاسرائيلي للسلطة لتوجهها الى الأمم المتحدة بخمسة عشر طلباً للانضمام الى مؤسسات وهيئات دولية؛ اندلعت مواجهات مع جنود قوات الاحتلال في الضفة الغربية، أدت الى استشهاد الفتيان الفلسطينيان في قرية بيتونيا قضاء رام الله يوم 15/5/2014، وقد سجلت كاميرات المراقبة القريبة انهما كانا يقفان جانباً ولم يكونا مشاركيْن في المواجهات، وعند التحقيق تبين ان جندياً إسرائيلياً قتلهما بدم بارد لمجرد شعوره بالملل؛ كما جاء في الـ BBC وبعض الصحف العبرية.

خطف وقتل المستوطنين الاسرائيليين الثلاثة

في الثاني عشر من يونيو تم أسر ثلاثة مستوطنين من قبل المقاومة الفلسطينية كما اتضح فيما بعد، ولم يعلن أي فصيل فلسطيني عن تبنيه العملية، ولكن نتنياهو سارع في حينه الى اتهام حماس، وشرعت اسرائيل في حملة عسكرية موسعة طالت كل بيت في الخليل وما حولها من المدن والقرى الفلسطينية، وتعرض الشعب الفلسطيني في الضفة الى أفظع حملات الإهانة والاذلال بحجة البحث عن الفاعلين، وقد اتضح فيما بعد علم الحكومة الاسرائيلية بمقتل المستوطنين الثلاثة منذ الدقائق الأولى لاختطافهم وفق تسجيل صوتي لدى الشرطة الاسرائيلية يحكي مكالمة بين أحد المخطوفين وشرطة الطوارئ، وقد سمع حوار بين الخاطفين والمستوطن المختطف الذي حاول الاتصال بالشرطة، فاكتشف الخاطفون أمره وأطلقوا النار على ما يبدو وأردوهم قتلى، ولم تكتفِ اسرائيل بالحملة العسكرية التي أضعفت حماس عسكرياً واجتماعياً واعلامياً ومالياً؛ بل واعتقلت عدداً كبيراً من صفوف قيادييها وأعضاء المجلس التشريعي التابعين لها ومحرري ما يعرف بـ « صفقة شاليط » والذين لا يزالون في السجون الى يومنا هذا.

اختطاف الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير وحرقه حياً

بعد حادثة اختطاف المستوطنين الثلاثة وقتلهم من قبل حماس، كما عُرف لاحقاً، بحوالي اسبوعين أو يزيد، وفي الثاني من يوليو 2014 اختطف فتى فلسطيني على أيدي مجموعة من المستوطنين الذين خطفوه بالقرب من منزله في قرية شعفاط قضاء القدس، واعتدوا عليه بالضرب والتنكيل حتى الموت، وقد أثبتت التحقيقات الجنائية فيما بعد ان الفتى محمد ابو خضير كان لا يزال حياً عندما سكب المستوطنون عليه البنزين وأشعلوه بالنار.

وفي هذه الفترة أطلق عدد من الصواريخ من قطاع غزة تجاه البلدات والمستوطنات المحيطة بالقطاع بشكل تقطيري، وقامت اسرائيل باستهداف عدة مواقع ومقاومين، وانتهت هذه الجولة من التصعيد بشن الحرب على غزة خلال أقل من أسبوع، الحرب على غزة أو ما تسميه اسرائيل « الجرف الصامد ».

الحرب على غزة

بعد المناوشات التي أعقبت كل ما سبق من الأحداث في الضفة الغربية، على الحدود مع قطاع غزة، وفي الثامن من يوليو 2014 على أرجح التقديرات؛ شنت اسرائيل حرباً ضروساً استمرت أكثر من 50 يوماً، وأسفرت في الجانب الفلسطيني عن استشهاد حوالي 2147 فلسطيني ما بين رجل وامرأة وشيخ وطفل، حوالي 81% منهم من المدنيين، وعلى الجانب الاسرائيلي 72 قتيلاً بينهم مدنيان فقط وفق تقرير المرصد الأورومتوسطي؛ انتهت بتوقيع تفاهمات لوقف إطلاق النار بين الطرفين برعاية مصرية فرضتها إسرائيل، ووافقت عليها الفصائل، وخصوصاً حماس بعد فشلها في تقديم الرعاية التركية القطرية لمفاوضات وقف إطلاق النار الذي أفضت نهاية الأمر الى اتفاق يقضي بوقف فوري ومتبادل للأعمال التي وصفها الاتفاق بأنها « أعمال عدائية متبادلة » والرفع التدريجي للحصار عن قطاع غزة المتمثل بفتح المعابر وزيادة مسافة الصيد البحري لتصل بالتدريج الى 12 ميل.

وعقد مؤتمر ينتج عنه اتفاقية بين الدول المانحة ومصر واسرائيل والسلطة لإعادة إعمار غزة وفق خطة ممنهجة تراقب الإعمار، وتضمن عدم ذهاب المواد الخام لأيدي حماس وإشراف السلطة الفلسطينية على العملية برمتها واستبعاد حماس من لعب أي دور في هذا الموضوع (لم ينفذ الى الآن من ذلك كله شيء).

المستوطنون المتطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك

لم يكتف الاحتلال الاسرائيلي بهذا الحد من المجازر التي ارتكبها في حق الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ بل أطلق العنان للمتطرفين الصهاينة من المستوطنين ليقتحموا المسجد الأقصى في حملات محمومة لتهويد المدينة المقدسة والقيام بالتطهير العرقي بحق الفلسطينيين هناك، استكمالاً لمشروعهم التوراتي بإقامة الهيكل المزعوم محل الاقصى المبارك.

وكان ذلك ابتداءً هذه المرة باقتحام نائب رئيس الكنيست اليميني المتطرف موشيه فيجلين للمسجد الأقصى، وقيامه بجولة استفزازية داخل باحاته تحت حماية الشرطة، هذه الزيارة كانت بمثابة الشرارة التي أوقدت نار ما عرفه المصطلح الاعلامي الاسرائيلي بالانتفاضة الهادئة أو « الحضارية »، والتي تخللها عدد من العمليات الفردية قام بها غاضبون فلسطينيون طعنوا ودهسوا وقتلوا عدداً من المستوطنين المتطرفين في القدس، وما زالت المواجهات شبه اليومية تقع في القدس والضفة الغربية المحتلتين الى يومنا هذا.

الملف النووي الإيراني

راقبت إسرائيل عن كثب ما يدور في أروقة المفاوضات التي تجريها الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى مع إيران في فينا؛ بل انها تعتبر نفسها من خلال هؤلاء ممثلة في المفاوضات، وقد خرج رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الجيش يعلون أكثر من مرة بتصريحات ساخنة تهدد بالتوجه الى الحرب ضد ايران في حال فشلت الجهود التي تبذلها تلك الدول في التوصل الى ما أسمته اسرائيل بـ « الاتفاق الجيد » الذي يضمن باختصار عدم امتلاك أو اقتراب إيران من امتلاك القنبلة النووية، وبالمقابل فقد أكثر الاعلام الاسرائيلي من الكتابة والتحليل في هذه القضية حد الإشباع، ويلاحظ في الفترة الأخيرة توجه جديد بهذا الشأن على المستوى الاعلامي على الأقل مفاده ان هذا الملف يوشك على الأفول دون الحديث عن الاتفاق الجيد أو السيء .

تنظيم الدولة الإسلامية « داعش »

الملف الساخن الآخر الذي شغل اسرائيل هذا العام هو ملف صعود نجم المجموعات الاسلامية المتطرفة، ولا سيما « داعش » الذي استخدمته اسرائيل كورقة ضاغطة في ملف المفاوضات مع الفلسطينيين، وكذريعة لعدم الانسحاب من منطقة الأغوار الفلسطينية على الحدود مع الأردن، بحجة ان السلطة الفلسطينية والأردن غير قادرتين على صد هجوم « داعش » إن حدث.

حتى إن بعض المحللين قرروا ان ليس هذا زمن الحديث عن قيام الدولة الفلسطينية للحجة نفسها، وبالطبع فإن إسرائيل تبارك التحالف الأمريكي ضد « داعش » ولكنها تعتبره منقوصاً وغير كاف، وتطالب بالمزيد من السيناريوهات العسكرية التي تحرف بوصلة الدولة الاسلامية « داعش » عن التوجه الى حدود الأردن عبر العراق أو سوريا.

المواجهات المتقطعة على الحدود الشمالية

قام حزب الله ببعض العمليات العسكرية الصغرى التي أوقعت خسائر طفيفة في صفوف قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، وفي الغالب كرد على استهداف اسرائيل لقوافل كانت تحمل أسلحة من سوريا الى حزب الله أو قصف اسرائيل لما يعتقد انه مخازن للعتاد العسكري التابع لحزب الله.

وقد عمدت إسرائيل – رغم حرص الجانبين على عدم التصعيد وانفلات زمام الأمور – الى الاكثار من الحديث عن الحرب محتملة الوقوع مع حزب الله، وعن وصفها بأنها ستكون مدمرة، حد ذهاب يعلون بأنه سيعيد لبنان الى العصور الوسطى في حال نشبت هذه الحرب، وتخلص الكثير من الدراسات والتحاليل بهذا الشأن الى ان الطرفين نهاية الأمر لا يرغبان في التصعيد لعلم كل منهما بالنتائج الوخيمة.

انهيار الائتلاف الحكومي

آخر الأحداث على الساحة الداخلية السياسية في إسرائيل إقالة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للوزيرين يائير لبيد وزير المالية، وتسيبي ليفني وزيرة القضاء بحجة انهما يعيقان ويشوشان عمل الائتلاف الحكومي، والاعلان عن الانتخابات البرلمانية المبكرة، والتي تقرر الـ 17 من مارس موعداً لها، وتعيش اسرائيل الآن حالة من التجاذبات السياسية الداخلية ومشاريع التحالفات بين الأحزاب اليمينية والمتطرفة من جهة وبين أحزاب وسط اليسار، مستبعدين اليسار كلية، ويحار الكثير من المحللين في تقدير مسار الأمور نحو اليسار الوسط أو اليمين واليمين المتطرف، بينما يجزم آخرون بأن الأمور تسير باتجاه اليمين.

ومجمل القول في حركة السياسة الاسرائيلية هذا العام ان الأمور في توجهها نحو العام المقبل لا تبشر بالأفضل بالنسبة لنا كفلسطينيين، وان المجتمع الاسرائيلي برمته ينساق الى التطرف، والسياسيون اليمينيون الحالمون يطمحون بأن يخرج العرب من الدولاب الى حيز التحالف مع إسرائيل ضد « الارهاب الإسلامي » كما يصفونه، وفي سلته حماس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية، ويبدو ان هناك ارهاصات تشير الى صحة هذه التوجهات من قبل بعض العرب؛ آخرها ما صرح به كيري من ان الدول العربية، ومن بينها السعودية، مستعدة للتعاون مع اسرائيل في هذا المجال.