خبر تداعيات..كل عام وأنت بخير يا جدَّنا الأعظم ..علي عقلة عرسان

الساعة 07:55 ص|31 ديسمبر 2014

كل عام وأنتم بخير..

كل عام وأنت بخير يا جدنا العظيم إبراهيم الخليل.. نحن فيما يسمى عيد رأس السنة، سنة ميلادية جديدة، يحتفي ويحتفل فيها نفر من ذريتك أكثر مما يحتفلون بالأضحى المبارك الذي جرينا فيه على سنّتك، ويقدمون في السنوات الأخيرة طوال العام أضاحٍ ليست كباشاً عظيمة، فدية على سنتك، بل هم في أضحى الأضاحي البشرية الممتد يضحون بالإنسان، أو يضحي بهم أعداؤهم.. لا فرق، فالضحية هو الإنسان… والإشارة هنا أبلغ من العبارة يا جدنا العظيم، وربما هي في سَعة الرؤية أو تزيدها سَعة، لضيق في عبارة النِّفَّري، وضعف في العقل البشري، ولاتساع في معاني "العيد؟!" ولتمدد في مدى الإشارات!؟.. وربما لأمر لا ندركه يكون ما يكون في عيدنا "السعيد المديد" المستمر منذ سبعة عقود في فلسطين ومنذ سنوات أربع في سورية في العراق وبلدان أخرى منها اليمن، السعيد بعيد أو من غير عيد؟!".. وهذا الوضع يا جدنا يُدمي القلب فينهمل دمُه مع دمع العيون ويجرّح الروح بألف جرحٍ ثخين.. لا سيما في بقعة مباركة من أرض الشام والعراق، حيث عيد الأعياد مدى يغرقنا في الدم ويفتت منا الأكباد.. وفي "أعياد" فلسطين وسورية من أرض الشام وفي العراق هذه الأيام تكثر الأضاحي وتتنوع، ويقع على رأس أصنافها "الإنسان؟!" فهو الضحية والمضحي.. فهنا: من يَنذُر نفسه لله يقتل الإنسان ليرضي "الله؟!" بزعمه، ومن ينذُر نفسه للشيطان والإلحاد والكفر بالله والإفساد في الأرض يقتُل ليتخلّص من عباد الله الذين يزاحمونه في أرض الله، ومن يرفع راية الصهيونية يقتل باسم الرّب والوعد والعنصرية والافتراء والحقد.. ومن يرفع راية الحرية والديمقراطية والكرامة والدولة المدنية يقتل ويقتل ليصل إلى هدفه ويخلّص الناس من "دولة" لا يراها ترعى حق الإنسان، فتقاتله وتقتله باسم الله والإنسان.. ومن يحكم باسم الله يقتُل!؟ ومن يدافع عن مذهبه وعرقه يقتل، ومن يتعصب لأيديولوجته البائدة أو المتخلفة يقتل.. ومن يدافع عن أرضه وعرضه يقتُل، ومن يطمع في أرض الآخرين وممتلكاتهم وثرواتهم يقتُل. ومن يطلب سلطة يقتُل، ومن يريد أن يحافظ على سلطته يقتُل، ومن ينهب ويسلُب ويرهِب ويفجُر يقتُل..إلخ!!.. وكأنما لقابيل في أرضنا من الذرية ما لا يُعدّ ولا يُحصى، وأن قابيلهم أبرياء العالم وفقراؤه قدِّر عليهم القتلُ حتى لا يقبلَ الله أحداً منهم غير هابيل وأبناءه وأتباعه؟! وموسم القتل يا جدنا العظيم يمتد ويتمدد منذ سنوات، ويزدهر أيما ازدهار في أرض فلسطين وسورية من أرض الشام وفي العراق بيت أبيك وجدك.

ويعيدنا عيدُنا السنوي هذا، في كل سنة يختتمها أو يفتتحها، وتعيدنا الأضاحي البشرية الكثيرة، ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً..  إلى ذكرك يا أبينا وجدنا العظيم إبراهيم الخليل عليك السلام، وإلى العيد الديني الذي استُنّ على سنتك. يوم استسلمت وابنك إسماعيل لرؤيا فيها أمرُ الله أو استسلمتما لأمر الله في رؤيا، فتَللْت وحيدك الحبيب للجبين وكدت تذبح.. لكن.. نزل عليك النهيُ وأُنزِل إليك البديل.. كبشٌ، ذِبْحٌ عظيمٌ، لمن صدق الرؤية وآمن بالله وامتثل لأمره وسلم له.

لقد ضحى إبراهيم بكبش وأنقذ الإنسان، وفرح فرحاً عظيماً لا يُضاهى، وكان فرحه عيداً له، وكانت سنّة من بعده.. لكنَّ من يضحي اليوم بالإنسان في أرض العراق والشام واليمن لا يتبع نهج إبراهيهم، ولا هو ممن يسلم إسلامه ويوحد توحيده، ولا ممن يأخذ بحنيفية سمحة هادية مثل حنيفية ذلك الجد العظيم الذي جاء الإسلام ونبيُّ الإسلام عليه الصلاة والسلام ليعيدنا إلى ملَّته " ... (.. وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) البقرة ﴿١٣٥﴾، وليقول لنا: ( وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ )؟! البقرة/ 130

ترى ما الذي جعل إبراهيم يضع سكيناً على عنق ابنه الإنسان، ثم ما الذي منعه من إنفاذ الأمر/الذَّبْح وينقذ الإنسان؟! وهل همَّ إبراهيم بالذبح تقرُّباً إلى الله، أم كان ذلك تجسيداً للتسليم، وتسجيلاً للامتثال الأول للموحِّد الأول إبراهيم خليل الرحمن.؟!.. أم تراه كان الهُدى، وسبق لإبراهيم أن شكّ حتى.. ثم اهتدى؟!.. فلقد أخذ بالشك المنطقي أو المنهجي، فعلَ ذلك حين شكّ بأن القمر يمكن أن يكون ربه، وفعله حين شك بأن الشمس يمكن أن تكون ربه، فهي أكبر.. ثم انتهى به الأمر إلى الإيمان بالله الواحد، مكوَّن الكون ومدبره، وخالق الأحياء والحياة، ومسيِّر الشمس والقمر والأرض والكواكب كلها إلى مستقرٍ لها.. فكلٌ في فلك يسبحون..؟! 

لقد كان من أمر إبراهيم مع أبيه آزر ومع قومه في "أور" الكلدانيين ما كان، فكسر أصنامهم وكان أول من كسر الأصنام إعلاء للوحدانية وهدماً للشرك، وأتى نبينا من بعده ليمحق الأصنام والشرك.. وقصد إبراهيم مَكَّةَ/ "بَكَّةَ" في بعض روايات التاريخ، وصاهر جُرهُم إذ تزوج من هاجر الجرهمية/اليمانية وأنجب منها بكرَهُ إسماعيل، جدَّ العرب الأول، حسب رواياتٍ تاريخية أيضاً.. وفي كتب مقدسة أنه قَبِل هذه الخادمة المصرية هاجر هدية من زوجته العقيم سارة الكنعانية، التي أهدته إياها ليكون له منها ولدٌ، ومن ثم غارت منها، بعدما ولدت له إسماعيل، فأمرته بأن يُبعدها عن بيته في أرض الكنعانيين، فترك إبراهيم هاجر مع إسماعيل "في واد غير ذي زرع"، في مكة؟!

لا أدخل في تمحيص الروايات، مقرراً بين روايات التاريخ وبين ما جاء في الكتب المقدسة بهذا الشأن، وفيه تضارب بَيَّنٌ، لكني أطرحه بمناسبة ما يراق من دم الأضاحي البشرية اليوم في "عيد أضحى مديد" تجدده الهيودية ضد أبناء إسماعيل، لا سيما الفلسطينيين منهم، وأطرحه في مقاربة إسلام الحنيفية السمحة، ملة إبرهيم، ونحن أحفاد إبراهيم من إسماعيل، الذي حوله بعض منا إلى أضحى الأضاحي البشرية.. أسئلة تتصل بالحدث وبالروايتين، أو تُستنبَت في تربتهما الخصبة وفي ما أحاط ويحيط بها: أتراه، خليل الرحمن، يوم غادر مكة/بكة، بعد أن قدِمها أولاً وفق روايات تاريخية، تاركاً هاجر وإسماعيل في واد غير ذي زرع.. أتراه غادرها بأمر أم لأمر؟! نحن لا نعرف حقيقة ذلك، وسؤالنا لا يحمل اعتراضاً أو شكاً، ولا يمكن أن ينطوي على شك أو تشكيك من أي نوع، فذاك الذي هجَر أور الكلدانيين بعد أن حطَّم أصنامها، نابذاً الشرك وأهله وقومه المشركين، كان يدرك أنه يخرج لله الواحد، ويقصد الله الواحد، ويؤسس لدين التوحيد، ويسلم أمره لله.. وما الإسلام إلا عودة إليه وإلى مِلَّته ".. ملَّة أبيكم إبراهيم حنيفاً مسلماً.. الآية". وفي مكة لم يكن إبراهيم مغلوباً على أمره أو مكرَهاً على شيء، فهو صهر قبيلة جُرهم التي لها في اليمن والحجاز، وفي مكة خاصة من أرض الحجاز، رَبْعٌ وبَتعٌ وباعٌ وشوكة، وصهر جرهم ونزيلها لا يُضام ولا يُجبر على فعل لا يريده.. إذن لماذا أرض الشام يا أبا إسماعيل، ولماذا مدينة الخليل من أرض الشام، ولماذا شَفَة كنعان من بين الألسن، ولماذا سارة الكنعانية الحاكمة المتحكمة، من قبل ومن بعد، كما قيل ويقال.؟! لم أدرك المعاني البعيدة لذلك الفعل، ولكن يحضنني ويهيمن عليّ يقينٌ ينفي الشكَّ، بأن ذلك كان لحكمة، على الرغم من المعاناة.. والحكمة في حالات كثيرة هي مخاض عسير لتجربة قاسية مُرة، وفي حالات هي إلهام، وفي حالات إعجاز تتبدى على مشارفه وفي شُرافته الحكمة تسليما لله، وفيهما ما يضعف معه التفسير ويصعب معه التقدير.. ومن ذلك ما كان من قبل في بطحاء مكة من أمر معجزٍ انطوى على أكثر من تواريخٍ وحِكَم.. هناك إذ القيظ يرمِضُ الرَّمضاء ذاتها، وإسماعيل الطفل عَطَشٌ وبكاء، وهاجر تركض بين الصفا والمروة - وهما مرتَفعان صخريان بينهما انخفاض يسير - سبع مراتٍ غرثى ولهى، تسعى بين الصفا والمروة بحثاً عن ماء أو عن منجدٍ بماء للطفل، أو عن شيئ من عذر وعزاء في عجز البشر عن إنقاذ أحب الناس إليهم من بني البشر " الولد"، حين يحين الحينُ أو يلمّ البين، وهي تبكي وتصرخ وتبحث عن وعما ينقذ الطفل إسماعيل، وهو يكاد يدخل في النزع الأخير، يضرب بقدميه الغضَّتين الأرضَ ويبكي.. وإذ بالقدم الغضَّة تفجّر نبع زمزم.. ليكون الإعجاز إلهاماً بِكراً وحكمة ومعجزة ورحمة في ظل حنيفية سمْحَة، فيشرب الصغير وينجو من الموت، وتفرح الأم/هاجر ويكون لها عيد، ويشرب خلق كثير بعد ذلك من ماء زمزم، ويكون لهم تطهُّرٌ روحٍ وفرحٌ وعيد.

وجولة أخرى تكون لإبراهيم في مكة، بعد أن ترك هاجر وإسماعيل فيها، وبعد الرؤيا التي أريَها فاستجاب للرحمان الرحيم وتم الافتداء بذِبْحٍ عظيم.. أقصد الجولة التي رفع فيها أركان البيت العتيق مع إسماعيل، وأقاما للناس هناك مِحجاً بقي لهم فيه طوافٌ وسعي وعيد وأضحيات يضحونها لله مما جعله الله فداءً وحلله للناس، ويفدون ويفتدون كما فعل إبراهيم وكما فُدي إسماعيل بذبحٍ عظيم، بكبش جُعل فداً للإنسان وليس بالإنسان.. و يشاركهم في كل ذلك، بعد الإسلام، أناسٌ من كل بقاع الأرض، تهوي قلوبهم إلى مكة لتَغْنَى بالإيمان والرحمة والمغفرة ولتُغْنِي الناس الذين هم هناك في وادٍ غير ذي زرع، تغنيهم عن الحاجة والعزلة والقحط، استجابة لدعاء إبراهيم.." رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) سورة إبراهيم، الآية ٣٧

ترى يا جدّنا العظيم ماذا تقول لمَن كانت حكمتك ورحمة الله لك والفداء الذي هداك إليه ومَنَّ به عليك، بركةً على الناس.. فكان منهم من تخلى عن البركة والحكمة والنعمة والفداء فأخذ " يضحي" بالإنسان، يزهق الروح التي حرَّم الله قتلها إلا بالحق وفق العدل الحق؟! ماذا تقول/نقول في من بَرَكَ ويبرُك في بِرَكِ الدم شأن البعير الهائج، يرغي ويزبد وهو العجز القائم والحقد والتيه؟! وماذا تقول لمن ينسب إليك وإلى الله الذي خلقك ورزقك ورحمك، ما لا يتفق وحكمتك ولا مع معاني رحمة الله لك ولزوجك بعدما بلغتما من العمر ما بلغتما، فيقتل ويعذب ويرهب ويرعب، ويحتج بما رحمك الله به وينسى العقل والمنطق اللذين كانا سبيلك إلى الاهتداء والحكمة، ويخرج على كل ما هداك الله إليه ويسره لك وأدَّبَك به.. فيقتل ويعتدي ويفتري وينتهك حرمة الإنسان، ويدعي أنه ينصر الله وينصر الإسلام والحنيفية مللتك؟! أو لذلك الذي يزعم أنه منك وأنه الأولى بك، ويرى أنه من عنصرٍ غير الناس ويجوز له ما لا يجوز للناس، أعني اليهودي الذي يأتي بكل فرية ترتج لها الجبال ثم يدعي أنه الأخلاق والقيم، وأنه البرَكة التي خصك الله بها، وأنه وارثك ووليك، وأنه من عيَّنته وعينتْه السماء ليأخذ أرض الفلسطينيين/الكنعانيين الذين احتضنوك، على أنها أرض موعودة وإرث الجد العظيم إبراهيم، و (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. [آل عمران:67،]"، ويذبح ذاك اليهودي ويُرهِب ويفتري اليوم باسمك/ باسم الوعد؟!.. وهو من دين غير دينك، ومن قوم غير قومك، ومن نسل غير نسلك، ومن أرض غير أرضك، ولا يمت إليك بنسب، وينقطع بينك وبينه كل سبب، فهو من بحر الخزر وحثالات البشر، وآنت من أرض العراق أرض الحضارات، ثم من أرض مكة أرض الرسالة الإسلامية، ثم من أرض الشام وفلسطين هي الشام الجنوبية.. أنعم بك وأكرم؟! ولماذا يصرّ هذا المدعي الصهيوني الغريب العجيب على أن ينتزع البركة والرحمة اللتين مَنَّ الله بهما عليك وعلى زوجك هاجر ثم زوجك سارة فرزقكما على الكبَر ولداً بل اثنين إسماعيل وإسحق، ويريد أن ينتمي إليك من خلاله بالقوة بل وأن يلحقك به يهودياً وأنت الأقدم وجوداً وهداية وتوحيداً وإسلاماً، ولست لا يهودياً ولا نصرانياً بل حنيفاً مسلماً؟! وهو في أرض كنعان، أرض الشام يقتُل باسمك وتنفيذاً لوعد يقول إنه اخْتُّصَّ به من دون الناس باسمك؟!

أعرف يا جدنا العظيم أن أسئلتي ترتد إليّ بلا أجوبة.. فالحكمة/حكمتك والسبق سبقك، وكل ما اهتديتَ إليه بالعقل والتأمل والتدبر والتجربة، وما هُديت إليه بالعقل والمنطق والشك فأصبح إيماناً عميقاً ونوراً من الله وأعظم نعَمه عليك.. الحكمة تقول: إن الإنسان يبحث ويتوسل بالمعرفة ويتدبر الأمور ليحصل على أجوبة لأسئلة، وليفهم الكثير مما يستعصي عليه فهمه من أمور.. لكن ما يقف شوكاً في الحلق يا جدنا العظيم، وما يشكل غصصاً لا تنتهي في يوم كل أيام الشعب وأعياده في العراق واليمن، وفي الشام، كل الشام، لا سيما سورية وفلسطين منها، بما فيها بيتك في الخليل من فلسطين/الشام.. أرضك التي فيها نضجت وهَديت وفَديت ودَفنت ودُفنت.. أن يوم الفداء والحكمة والفرح الذي اجترحته بالمنهج والتسليم وبرحمة من الله الرحيم لك، ولنا بسببك.. ما يقف شوكة في الحلق أننا يُضحَّى بنا في الأقصى وما حوله وفي فلسطين كلها، ويلاحقنا بالعنصرية والإرهاب والقتل أعداء القيم التي ناديت بها.. وفي الشام والعراق يا جدنا الأعظم يضحي بعضنا بالإنسان في أرض الحضارة ومجد الإنسان.. إننا نُذبَح ونَذبح ونتذابح ولا نقبل الفداء ولا يُقبل منا، ونُقبل على الحقد والكراهية والكيد والإبادة ولا ندرك أن في ترك كل باب من تلك الأبواب حكمة وفلاحاً وعبادة.. ونمعن في الرعب والقتل والهدم والردم ولا نتمعَّن في الأمن والحياة والسلم، ولا في ما وراء ذلك من الحكمة والهدى والرحمة؟! اليوم.. مَن يَقبل الفداء منا ويتقي الغوص في الإثم والدم ويرفض الإرهاب والعنصرية والاستبداد والظلم والفساد والإفساد، ويدعو إلى آن نسلك دروباً غير دروب الدم والإثم.. يُتّهم ويرذّل لا يُقبَل ولا يكاد يُقبِل عليه أحد.. وهو فينا إما لا رأي له، وإما معزول بالمرذولين من الناس ولا حيلة له، وإما متَّهم لأنه لا يقتحم بِرَكَ الإثم والدم ولا يبْرك فيها مبارك الجِمال المعقورة تهيج وتهدر وترغي وتزبد وهي العجز عن حمل قيم الإسلام وتحمل أعباء السلام وحياة فيها الأمن والسلم والعدل والحكمة والبناء والنماء.. وهي العجز أيضاً عن الاتعاظ بالحكمة واتباع الهدى.. نحن يا جدنا الأعظم في الزمن الذي فيه كل عيد هو الذي ما بعده أمنٌ ولا حُبٌّ ولا خصبٌ ولا عيد، ولا مسعِدٍ ولا سعيد!؟.. فاعذرنا وادعُ لنا، ولا يتفتت كبدك وقلبك حسرة علينا، فإننا فقدنا أو كدنا نفقد الإحساس العالي بالإنسان فينا وبالناس من حولنا، وقد أُجبِر كثيرون منا على ركوب لُجج البحار والغوص في رمضاء رمال الصحارى، وعلى قَبول البؤس واليأس لأنه فقد الصوت وافتقد إلى من يسمع الصوت..

وكل عام وآنت بألف خيرٍ يا جدنا الأعظم.

دمشق في الثلاثاء، ٣٠ كانون الأول، ٢٠١٤

 

علي عقلة عرسان