خبر خطنا الأحمر- معاريف الاسبوع

الساعة 10:47 ص|30 ديسمبر 2014

بقلم: عاموس جلبوع

(المضمون: الفساد بمعناه الاجتماعي الشامل هو التهديد الاكبر على حصانة مجتمعنا وعلى الثقة التي يوليها للمنظومة السلطوية. فالانجازات السياسية أو العسكرية ليست منوطة فقط بنا؛ الف مبادرة سياسية "شجاعة"، "اقليمية"، "ابداعية" ليست متعلقة بنا فقط - المصدر).

 

في ضوء قضية الفساد الجديدة التي هبطت علينا، بينما عرض العشرة الاف دولار من رئيس وزرائنا السابق لا يزال يصدح في آذاننا لا يمكنني الا أكرر ما سبق أن كتبته في الماضي عن أحد تحليلات البروفيسور ليفوفيتش لقضايا في الكتب المقدسة. فليفوفيتش يقول بالتقريب: يربعام الثاني كان ملكا على اسرائيل 41 سنة وكان يعتبر أعظم الملوك. في عهده، كما ورد في الكتب المقدسة، وصلت مملكة اسرائيل الى ذروة قوتها العسكرية، السياسية والاقتصادية، حين اتسعت حدود اسرائيل "من مدخل حماة (التي في سوريا) وحتى بحر العربا". كما نجح يربعام في احتلال دمشق وتحقيق ازدهار غير عادي.

 

ولكن رغم كل انجازاته الرائعة، يقول الكتاب المقدس ان يربعام "فعل الشر في نظر الرب". لماذا؟ يتساءل ليفوفيتش ويجيب على النحو التالي بالتقريب: كل انجازات يربعام لاغية ملغية أمام الفساد الرهيب الذي انتشر في مملكته، امام الطمع الرهيب وفي ضوء الفوارق التي لا تطاق بين الاغنياء والفقراء المظلومين. هذه هي المعايير التي ينبغي، برأي كاتبي الكتب المقدسة، ان تقرر الموقف والتقويم من الحاكم.

 

ويسأل ليفوفيتش: وكيف نعرف كل هذا؟ النبي عاموس الذي تنبأ في زمن يربعام هو الذي يروي لنا كيف عربد الفساد في زمن يربعام. ما هي الجريمة الاكبر لاسرائيل؟ يسأل عاموس ويجيب: قبل كل شيء طمعهم الذي بسببه "باعوا بالمال الولي والصدّيق لقاء حذاء"؛ جمعوا "المال السليب في قصورهم"؛ وبالذات النساء الغنيات ترمزن في نظره الى الفساد: "البقرات السمان التي في جبل السامرة والتي تقلن لاسيادهن: تعالوا واشربن". ودعوة النبي عاموس لوجود المملكة هي بسيطة واصبحت علما: "اطلبوا الخير ولا تعيشوا من اجل الشر".

 

ورأيي الواضح هو أن الفساد بمعناه الاجتماعي الشامل هو التهديد الاكبر على حصانة مجتمعنا وعلى الثقة التي يوليها للمنظومة السلطوية. فالانجازات السياسية أو العسكرية ليست منوطة فقط بنا؛ الف مبادرة سياسية "شجاعة"، "اقليمية"، "ابداعية" ليست متعلقة بنا فقط. ولكن مكافحة الفساد بكل اشكاله في أيدينا فقط، وليست متعلقة بأي جهة اجنبية. واذا كان هناك شيء يغيظني فهو التسامح الذي يبديه عندنا غير قليلين تجاه ظاهرة الفساد. عن اولمرت قال محاموه في وسائل الاعلام: حسنا، ولكنه كان "رئيس وزراء جيد"! وبالضبط حسب نموذج ليفوفيتش: لا يمكن أن يكون رئيس وزراء جيد اذا كان فاسدا ومفسدا لمملكته. فهو شر!

 

وبالضبط في هذا السياق جميل مثال يربعام لكل "المتحدين". حلت عادة على الدولة في السنوات الاخيرة واساسها: حتى لو كان الرجل فاسدا تعالوا ننسى ذلك وهيا نتعامل معه كأتروج نقي فنتجاهل خطاياه، كي يتمكن برأس هادىء من أن يجلب السلام لشعب اسرائيل. حينها لم يأتِ السلام ولكن الفساد جاء بل وحظي بالشرعية! وبالمناسبة، فان هذا يعطي سمعة سيئة لليسار، أو لصورته على الاقل كواحد من اجل تحقيق هدفه الذي احتمالات تحققه ليست واضحة بل ومفعمة بانعدام شديد لليقين، مستعد لان يقبل الفساد كأمر اعتيادي ينبغي الاستسلام له في صالح "الأهداف السامية". عن هذا كنت أقول: مستعدون للشر المؤكد الآن، على أمل بخير غامض في المستقبل.