خبر كذب الاستطلاع- هآرتس

الساعة 10:43 ص|29 ديسمبر 2014

كذب الاستطلاع- هآرتس

بقلم: جابي فينن

بروفيسور يدرس في دائرة الاعلام في جامعة حيفا وباحث في الاعلام السياسي

(المضمون: عندما يعرض الصراع بين المبادىء، الايديولوجيات، الافكار والقيم كمباراة رياضية، وحين تكون المنافسة شخصية ويكون الصدام على مكان في الاستطلاع وجمع النقاط فان الضحالة والخفة للخطاب السياسي يكونان محتمين - المصدر).

 

مرة أخرى يضرب بنا أنبياء الاستطلاع، تغمرنا بالتوقعات، تبني وتهدم ائتلافات محتملة، ترفع منتصرين وتهين مهزومين. تفسد الخطاب السياسي وتجعله سباق جياد كله جهدا للمدى القصير، من اجل استطلاع الغد. توفر لوسائل الاعلام عاصرات تغطية اعلامية في شكل الاستطلاع اليومي وللجمهور يانصيب سياسي مشوق. ولكن مثلما كان في كل حملات انتخابية

 

حتى الان، فانها تخطيء وتضلل. وهاكم بضعة أسئلة صعبة لا يُسأل فيها المستطلعون وبضع حقائق مزعجة يحرصون على اخفائها.

 

كم شخصا رفض اجابة المستطلعين؟ كل استطلاع، هاتفي او انترنتي ، يقوم على أساس استعداد المشاركين في العينات للاجابة. ولكن معظمهم يرفضون الاجابة. اسألوا المستطلعين، وبينهم نزيهون ومهنيون، ما هي نسبة الرافضين للاجابة، وسترونهم ينكمشون، يتلعثمون ويتملصون من اجابة مباشرة. أنا سألت، ويتبين ان هذا هو احد الاسرار الاكثر كتمانا في فرع الاستطلاعات، ولكن الحسابات الاكثر حرجا تتراوح حوالي 70 في المئة.

 

طلابي ممن يعملون على اجراء المقابلات في هذه الاستطلاعات سمعتهم يقولون ان واحدا من كل عشرة مستعد للاجابة. بمعنى أن "العينة التمثيلية" تقوم عمليا على أساس عينة غير تمثيلية لاقلية مستعدة للاجابة.

 

وبين المجيبين، ليس لجميعهم يوجد تفضيل أو اختيار. كثيرون منهم لم يقرروا، لا يعرفون، يترددون ويتلبثون. ولو كان الحديث يدور عن أقلية بائسة – لقلنا حسنا. ولكن في معظم الحملات الانتخابية يكون معدل "غير المقررين" في الاستطلاعات بين 20 و 25 في المئة. اما اليوم فالمعدل أعلى. المستطلعون، ولانعدام البديل وتحت ضغط وسائل الاعلام التي تطالب بتزويدها بتوزع المقاعد، يستندون الى اولئك الذين قرروا منذ الان ويعرضون علينا توزيع المقاعد، على فرض أن "غير المقررين" سيتوزعون عندما يحين الوقت كما توزع من سبقهم في القرار. ليس صحيحا. ولما كان المستطلعون يعرفون ذلك، تحاول قلة منهم ان تخمن او تتنبأ بتصويت "غير المقررين" حسب مواقف سياسية، تصويتان سابقة وغيرها.

 

وهل "العينة التمثيلية" تمثيلية بالفعل؟ تماما لا. كثير من الاستطلاعات التي تبلغ عنها وسائل الاعلام تقوم على أساس استطلاعات تضم 500 عينة، يفترض بهم أن يمثلوا كل السكان الناخبين في اسرائيل، بكل تنوعاتهم وتركيباتهم. غير ان هذه العينات تعاني من مشاكل صعبة في تمثيل الجماعات السكانية الفرعية في المجتمع الاسرائيلي، بمن فيهم السكان العرب، المهاجرين الجدد الذين يصعب عليهم المشاركة في الاستطلاعات، الجنود الذي يخدمون في الجيش، الاصوليين وغيرهم. وفي تحليل بأثر رجعي لفشل الاستطلاعات في الماضي وجد الباحثون بان 35 – 36 في المئة من أوساط جمهور الناخبين لا يتمثلون كما ينبغي في الاستطلاعات الانتخابية الدارجة والمتواترة في تقارير وسائل الاعلام. ان الاستطلاعات التي تجرى اليوم هي افتراضية جدا: قسم كبير من

 

الاحزاب التي تتنافس لم تتبلور بعد، تحالفات تعقد وتفكك و"كلنا" بقيادة كحلون هو في هذه الاثناء كحلون وحده. فكيف يمكن التنبؤ بتصويت الناخبين حين تكون القوائم لم تتبلور بعد، حين لا يكون واضحا من سار مع من ومن ضد من، واستطلاع اليوم في الصباح يتقادم حتى المساء؟

 

 

معظم استطلاعات الانتخابات التي اجرت في الماضي اخطأت. توقعاتها لم تتحقق، وهي لم تدقق في توزيع المقاعد، بل واحيانا اخطأت في تشخيص المنتصر (اسألوا شمعون بيرس، المنتصر الخالد في الاستطلاعات والخاسر في صناديق الاقتراع). وفي الانتخابات الاخيرة فقط "فوجيء" المستطلعون من انتصار يئير لبيد ويوجد مستقبل (بعضها تنبأت له بسبعة مقاعد فقط).

 

أما استطلاعات اليوم فتثبت بان معظمها ان لم يكن كلها، مخطئة. راجعت 90 استطلاعات نشرت حتى الان، والفوارق بينها كبيرة جدا بل وكبيرة اكثر مما ينبغي. فمثلا، ميرتس يحصل لدى مستطلعين مختلفين في نفس الوقت، على 6 مقاعد، 8 مقاعد، ولكن ايضا 10 و 12. بمعنى ان الفوارق هي مئة في المئة. "كلنا" يحصل في الاستطلاعات على 5 حتى 13 مقعدا. والتوقعات بالنسبة لليكود تتراوح بين 20 و 40 مقعدا. واذا كانت كل الاستطلاعات "تعكس الوضع الان" – فكيف يحتمل أن يكون انعكاسها لدى كل واحد مختلف؟

 

الاستطلاعات هي اداة بحثية هامة ومقبولة. وفي الايادي الصحيحة، بالاساليب الصحيحة وللاهداف الصحيحة فانها وسيلة هامة ومصداقة. ولكن عندما يستخدمها رجال العلم فانهم يسعون الى القاء الضوء على وضع قائم وليس التنبؤ بالمستقبل. ومن يستخدم الاستطلاعات لغرض تسلية التوقعات، تخمينات الخلطات المحتملة والتحليلات الهزيلة – لا يخطيء فقط من ناحية منهاجية بل ويتسبب ايضا للجمهور ولمنتخبيه بالغرق في سياسة مريضة بالسكري.

 

الباحث الاجتماعي الامريكي ميلتون بروكتش قال ان "نوع المعلومات التي تأتي من استطلاعات الرأي العام وتنشر في وسائل الاعلام يصمم من أجل الترفيه اكثر مما من أجل التبليغ. جودة المعلومات التي تقدم للقارىء لا تختلف جوهريا عن صفحة الرياضة أو استعراض سباقات الجياد". والنتيجة المقلقة لهذه التقارير هي تفاهة المسيرة السياسية. عندما يعرض الصراع بين المبادىء، الايديولوجيات، الافكار والقيم كمباراة رياضية، وحين تكون المنافسة شخصية ويكون الصدام على مكان في الاستطلاع وجمع النقاط فان الضحالة والخفة للخطاب السياسي يكونان محتمين.