خبر هل حان وقت م ت ف بعد فشل التسوية والمصالحة.. د. جميل يوسف

الساعة 08:01 م|25 ديسمبر 2014

بقلم:د.جميل يوسف

الحال الفلسطيني يقول: المصالحة معطلة والإجماع الفلسطيني غير موجود في عقول القيادات الفلسطينية ... التسوية غدت سما قاتلا والسلطة الفلسطينية مضيعة للجهد والوقت والحق ... متطلبات الحياة والصمود لشعبنا ترحل الواحدة تلو الأخرى ... الحضن العربي والإسلامي أصبح ناشزا والقرار الدولي يمعن في ظلمنا ومواجهتنا, والفلسطيني يتساءل ما الحل وما هو مصير مشروعنا الوطني؟.

أحس الفلسطينيون في العام 1964 بعد قرار إنشاء م ت ف, على الرغم من بعض الأهداف الغير فلسطينية لهذه الرغبة العربية الفلسطينية, أنهم أصبحوا يملكون عنوانا لمشروعهم الوطني وحاضنة حقيقية لحقوقهم الوطنية, وشكلت فعلا نظاما فلسطينيا تماما كباقي الأنظمة العربية وكان منسوب الأمل الفلسطيني في أفضل وأعلى حالاته. منذ إنشائها حتى حرب لبنان عام 1982 ظلت المنظمة تمثل كامل الحق الفلسطيني, وظلت المنظمة تحتفظ بهذا التمثيل بالرغم من كثير من الانتقادات التي وجهت لها من بعض مكوناتها مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتعليق عضويتها فيها أكثر من مرة. تركزت الانتقادات للمنظمة في معظم الأحيان على طريقة العمل والتفرد الفتحاوي في قراراتها وأحيانا بسبب بعض المواقف السياسية من المبادرات التي كانت تطرح في حينها . لكن كان ثابتا أن الأغلبية العظمى من الفلسطينيين لم يختلفوا مطلقا على وجودها وأهميتها.

بعد اجتياح لبنان عام 1982 بدأت م ت ف تفقد زخمها والتأييد الفلسطيني والخارجي لها ومن اهم الاسباب حسب اعتقادي هي اشتداد المؤامرة الدولية على القضية الفلسطينية ومحاولة حل المشكلة الفلسطينية بالاتفاق بين العرب والعدو الصهيوني بمعزل عن الفلسطينيين, حالة الشتات التي تعرضت لها بعد الاجتياح, الاحتراب الفلسطيني الداخلي في هذه الفترة كالذي حصل في مخيمي نهر البارد والبداوي بين فتح بقيادة ابو عمار والقيادة العامة احمد جبريل, والأهم من ذلك كله فقدان المنظمة لتوازنها السياسي وحالة التراجع عن قراراتها وثوابتها, كما حدث في اتفاق شباط 1985 من الاعتراف بالقرار 242 وشروط الملك الاردني الراحل حسين وما تلا ذلك من استدارة واسعة عن ثوابت م ت ف.

جاءت انتفاضة الحجارة الفلسطينية عام 1987 كرد على المؤامرة الدولية على الشعب الفلسطيني وتراجع المنظمة عن ثوابتها وعاد الشعب الفلسطيني بكل مكوناته لقيادة وصيانة مشروعه الوطني, وحققت الانتفاضة من الانجازات الداخلية والاقليمية والدولية الكثير واعادت الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني. في هذه اللحظة المصيرية والهامة من التاريخ الفلسطيني الرائع وبدل ان تحتمي المنظمة وفصائلها بالانتفاضة وشعبها العظيم خطفت المنظمة هذه الانتفاضة وجعلت منها ورقة مساومة لصالحها ووضعتها على طاولة النظام الدولي المتآمر والرافض باستمرار للحق الفلسطيني وتعجل الشهيد ياسر عرفات ومن اتفق معه من اللجنة التنفيذية على حمل الانتفاضة المقدسة الى المجتمع الدولي وبدون استشارة الشعب الفلسطيني او كل القيادات الفلسطينية, هذا التفرد قادنا الى مدريد بدون علم فلسطيني مستقل ثم الى الخطيئة الكبرى اوسلو ام النكبات حتى هذه اللحظة, كان منطقيا ان يؤدي تراجع م ت ف عن منطلقاتها وثوابتها الى الهبوط الى مربع سلطة فلسطينية لا حول لها ولا قوة في محال حقوق شعبها لكن يدها كانت طويلة على ابناء شعبها وانتقلت القيادة الفلسطينية من مربع المنظمة الى مربع السلطة ومنحت السلطة اليد العليا على المنظمة منذ993 حتى 2007 .

بدلا من ان تعمل بعض الفصائل خاصة حماس على إنقاذ م ت ف من سطوة السلطة دخلت هي الأخرى مربع السلطة في خطوة لم يستوعبها الكثير من الفلسطينيين الذين يعرفون جيدا دور حماس الهام والمركزي في المشروع الوطني الفلسطيني, وبات استحضار المنظمة فقط للاستقواء بها بدلا من إعادة الاعتبار لدورها الوطني الجامع.

اختلف الفلسطينيون حول مرجعية المنظمة عندما اختطف بعض قادتها قراراتها بمعزل مطلق عن الشعب الفلسطيني وعن فصائل العمل الوطني وفي اخطر المسائل التي تخص الحق والمصير الفلسطيني, وبات الشعب الفلسطيني ومعظم قادته واغلب فصائله آخر من يعلم بما تقوم به المنظمة, صحيح ان الفصائل والشارع الفلسطيني لم يكن راضيا حول تصرفات م ت ف قبل مشروع التسوية لكن لم يوجد احد يعتقد انها فقدت مبررات وجودها , لكن بعد مشروع التسوية جزء كبير كن الفلسطينيين باتوا يؤمنوا بفقدانها لأهليتها وهذا مثل بداية الخطر الأكبر لدور المنظمة, واستغل فريق التسوية هذا الأمر وعملوا على سيادة السلطة على المنظمة, وبات كل من فريق التسوية والرافضين لها يلتقون عند فقدان المنظمة لدورها مع اختلافهم في الأرضية لهذه الرؤية.

منذ اللحظة الأولى لفقدان الفلسطينيين لدورهم في قراراتهم المصيرية واصبح مصيرهم طبقا لأهواء بعض القادة مهما كان تاريخهم, وفقدان المنظمة لدورها كنقطة التقاء للكل الفلسطيني, بل واصبح القرار الخارجي سواء كان عربيا ام غير ذلك اكثر تاثيرا في مسار المشروع الوطني الفلسطيني من اصحاب الحق, توالت النكبات الخطيرة جدا على الشعب الفلسطيني وبدلا من ان يلتفت القادة الى ما يحل بالشعب الفلسطيني اصروا على مواصلة الطريق الخاطئ وتحول المعارض الفلسطيني سواء كان فردا ام حزبا ام قائدا تاريخيا ام مجموعات جهادية شهد لها التراب الفلسطيني, الى عدو وملاحق والعدو الحقيقي تحول الى شريك مقبول.

بعد فقدان المنظمة لدورها التجميعي الحقيقي وبالتحديد كما ذكرت منذ مشروع التسوية الذي اسقط عل الفصائل والشعب الفلسطيني بدون علمهم, بدأت معادلة الانقسامات والتشظي للشعب الفلسطيني واصبح الاختلاف بل والاحتراب هو الأكثر تعبيرا عن العلاقات البينية الفلسطينية.

ان الانقسام الفلسطيني لم يكن مجرد صدفة في المسيرة الفلسطينية بل كان محصلة عوامل كثيرة وعلى رأسها فقدان البيت الفلسطيني الجامع م ت ف دوره بل ضاق هذا البيت بحيث لم يعد يتسع سوى لفريق التسوية وكذلك سيطرة السلطة الفلسطينية (المختلف عليها) على المنظمة (المتفق عليها), تأثير القرار الخارجي على القرار الفلسطيني والذي عبر عنه الشهيد ياسر عرفات في إحدى لقاءاته بأحد الفصائل انه يمثل 85% من القرار الفلسطيني وتهميش دور الشعب الفلسطيني مطلقا في كل القرارات المصيرية بل وعدم اطلاعه عليها ومعرفته بها, واصبح حال المشروع الوطني الفلسطيني لا يسر احدا ولعل ما حدث هذه الأيام من محاولة تقديم الفلسطينيين لمشروع عربي فلسطيني لمجلس الأمن يعطي صورة واضحة للوضع الفلسطيني, الفصائل مغيبة ولا ]ابه بوجهة نظرها والشعب لا يعرف ماذا يدور بصدده والعالم كله يقضم في الحقوق الفلسطينية والقيادة مصرة ان تأخذنا جميعا الى السراب وتضرب رؤوسنا جميعا في الصخر ولم تحاول هذه القيادة ان تحمي نفسها من محاسبة التاريخ والشعب وتعود الى استشارة اصحاب الحق او على الأقل وضعهم في الصورة وهذا اضعف درجات المسئولية الاخلاقية والوطنية.

ان وحدة الشعب الفلسطيني والتفافه حول مرجعية فاعلة وحقيقية تفرد عباءتها للجميع بدون محاباة او تهميش اكثر اهمية وقداسة من وهم هنا وسراب هناك, ان تجاوز كل الازمات الفلسطينية من انقسام واحتراب والاحباط يتطلب العودة للنقطة التي شكلت البداية لكل هذه المصائب, الشعب الفلسطيني اهم من السلطة واهم من التسوية واهم من ارضاءات الخارج واهم من الفصائل وهو الضامن الحقيقي بعد الله سبحانه وتعالى لصوابية وسلامة مسيرته الوطنية.

اضعنا اوقاتا وجهدا ودماءا كثيرة على طريق التسوية والسلطة والانقسام, ألم يحن الوقت لنبذل نفس الجهد والوقت لتوحيد الشعب الفلسطيني واعادة بناء منظمته الجامعة م ت ف لتغطي جميع الفلسطينيين؟, ان المصالحة تبدأ من اعادة بناء المنظمة ... توحيد الشعب يبدأ من اعادة بناء المنظمة ... سلامة المشروع الوطني يبدأ من اعادة بناء المنظمة ... اعادة الهيبة والقوة للفلسطينيين ولمشروعهم يبدأ باعادة بناء المنظمة ... مواجهة الاملاءات الخارجية تبدأ من اعادة بناء المنظمة.

المسيرة الفلسطينية الآن تسير في طريق منحرف وتصحيح هذا الانحراف يتطلب ان نعود الى نقطة الانحراف الاولى وبدون ذلك سنواصل الانحراف والترقيع السياسي في وقت اتسع فيه الفتق السياسي على الراتق الفلسطيني. ألم يحن الوقت لاعادة الاعتبار لــ م ت ف بعد فشل التسوية والمصالحة؟ . ونذكر بالمثل العربي " مائة عين تبكي ولا شعبنا يبكي".

* باحث في الشأن الفلسطيني