خبر المشروع الوطني الفلسطيني هوية وشعب.. د.جميل يوسف

الساعة 06:13 م|21 ديسمبر 2014

نعم لدى الفلسطينيين اوراق قوة كثيرة وهامة جدا يتشكل منها المشروع الوطني الفلسطيني لكنها تفتقر نوايا العمل الجمعي والي ناظم سياسي حقيقي يلم شعث هذه الأوراق  لتشكل مخرجات قادرة على ترشيد مسيرة هذا المشروع. فصائل العمل الوطني اوراق مهمة جدا ولديها من التاريخ والشرعية ما يؤهلها لتوجيه هذا المشروع في الاتجاه الحقيقي وهو حقنا التاريخي في فلسطين, لكن هذه الفصائل بمجموعها لا تشكل الجزء الأكبر من مكونات المشروع الوطني الفلسطيني بل يتقدم عليها الكثير من المكونات, الشرائح الفلسطينية الغير مؤطرة , مؤسسات المجتمع المدني, المؤسسات الخدماتية والاقتصادية, النقابات والاتحادات, مؤتمرات الشتات وحق العودة في الخارج, اهلنا المتشبثين في وطنهم في اراضي الــ 48 وغيرها الكثير. ولعل مؤسسات السلطة الفلسطينية وغزة يمكن ان تكون من مؤسسات المشروع الوطني الهامة اذا انفصلت تماما عن منشأها الأوسلوي.

ان الواجب الوطني يحتم على كل مكونات مشروعنا الوطني وكأن مسئولية المشروع ملقى على عاتقه بالكامل عند الوقوف على ارضية الواجبات وان يرهن كل حقوقه لصالح المشروع عند الوقوف على ارضية الحقوق, اي اننا يجب ان نفكر ما علينا من الواجبات ولا نلتفت لحقوقنا ان وجدت, وكان الشهيد د فتحي الشقاقي مؤسس وامين عام الجهاد الاسلامي يكرر باستمرار اننا جاهزين للتنازل عن نصيبنا (نسبتنا) في مؤسسات م ت ف لكننا لا نفكر في التنازل عن حقنا في مواجهة المشروع الصهيوني. هذه هي معادلة المشروع الوطني الفلسطيني معادلة الواجبات المطلوبة من كل منا .

ان كل مكونات المشروع الوطني الفلسطيني تبقى بدون وزن حقيقي ان لم تلتصق بشكل غير قابل للانفصام مع الهوية الوطنية الفلسطينية, وان اي تنازل عن مكونات هذه الهوية يعني فقدان المشروع الفلسطيني لشكله وهدفه وإصابته بتشوهات تقزم قدراته وتفقده مبرراته الأخلاقية والوطنية.  الهوية تعتبر مبرر النشأة لكل مفردات المشروع الوطني بفصائله وأهدافه ووسائله. هذه الهوية الوطنية الفلسطينية بدأت بالظهور والتشكل بعد وعد بلفور ووقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني, وكانت من اهم العوامل التي أثرت في تقوية هذه الهوية البحث عن استقلال فلسطين بشكل كامل وإقامة دولة فلسطينية حرة وكذلك المواجهة مع المشروع الصهيوني وموجات الهجرة صوب فلسطين, هذه المواجهة التي قادها الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه ورؤاه وخاض خلالها أطول إضراب في التاريخ قبل عام 1936 وكانت الأحزاب والمجموعات الفدائية عوامل مساعدة لهذا الشعب العظيم.

هذه الهوية التي بدأ تشكلها منذ اللحظة الاولى لبداية المؤامرة على فلسطين حتى فبل وعد بلفور 1917 ثم تعززت هذه الهوية من خلال حالة تراكمية من الجهاد والمقاومة للمؤامرة البريطانية الصهيونية على فلسطين, وكلما ازدادت المؤامرة تعاظمت الارتباط الفلسطيني بالهوية الوطنية. تمثل الهوية الوطنية الروح الحقيقية للمشروع الوطني الفلسطيني وانها تشكلت من خلال مواجهة المؤامرة والمشروع الصهيوني, وان اهم اعمدة الهوية هي المقاومة ورفض المشروع الصهيوني, وكذلك الاصرار على الحق الكامل في كل فلسطين الانتدابية, وانها تعني كذلك الالتصاق المطلق بالثوابت الفلسطينية, كما ساهمت حالة التشرد واللجوء في تقوية الهوية والتي اصبحت قاسما مشتركا لحماية الشتات من الذوبان في هويات اخرى, كما ويعتبر حق العودة من الاعمدة الرئيسة لهذه الهوية, نقطة اخرى وهي ارتباط الوطنية الفلسطينية ارتباطا مقدسا بالهوية القومية والهوية الاسلامية واعتبار الهوية الفلسطينية مكونا رئيسا من مكونات الهويتين الاكبر وها القومية والاسلامية,.

منذ البداية ارتكزت الهوية على ثلاث أعمدة رئيسية, وأي خلل مهما كان بسيطا في هذه المرتكزات يفقدها جوهرها, الأول المواجهة الشاملة للمشروع الصهيوني ورفض وجوده في فلسطين بالمطلق واستخدام كافة الوسائل وعلى رأسها مقاتلة هذا المشروع, والثاني فلسطين الكاملة من نهرها لبحرها حق كامل للفلسطينيين وأي تنازل عن جزء من هذا التراب مهما كان يعتبر نسفا للهوية الوطنية, والثالث أن الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه وتشكيلاته هو المعبر الرئيس عن هذه الهوية, وان الخلل الذي أصاب القضية الفلسطينية كان بسبب التصدعات التي أحدثها الفلسطينيون في أعمدة هويتهم الوطنية. وبعد نكبة عام 48 اضيف مرتكز رابع للهوية وهو حق العودة الى الأماكن التي هجر منها الفلسطينيون " الى قراهم ومدنهم الاصلية ".

بدأ الخلل يتسرب للمشروع الوطني الفلسطيني منذ اللحظة الأولى التي اقر فيها بعض الفلسطينيين بإمكانية التعايش مع المشروع الصهيوني مما وجهة ضربة مؤلمة للهوية الوطنية واهتزت الرواية الفلسطينية حول فلسطين الجغرافيا والتاريخ,  وعندما غيب الشعب الفلسطيني عن صدارة القرار الوطني واستولت عليه الفصائل الوطنية والإسلامية سواء كانت عبر اطار جامع كما حدث في السابق عبر م ت ف أو فصلئل متفرقة تقزم ايضا هذا المشروع, ثم تعرض إلى نكسة اكبر عندما تساوى العداء للصهاينة بالعداء بين الفصائل الفلسطينية بعضها البعض. وعندما صوب الفلسطينيون الرصاص الى صدور بعضهم هيمنت الهوية الحزبية على الهوية الوطنية. وكانت الضربة الأكثر ايلاما عندما اصبح حق العودة قابلا للنقاش والمراضاة بين الطرفين.

واضح ان كل مكونات الهوية الوطنية الفلسطينية قد تم استبدالها الآن بهويات أخرى حتى وان حافظنا على ترديد هذا الشعار, وعند تفحص مكونات الهوية الآن نجد انها تعني 22% من فلسطين والاعتراف بالمشروع الصهيوني (اسرائيل) والتنسيق معه و الاحتراب الفلسطيني الداخلي سياسيا وجسديا والتلاعب بحق العودة من خلال خطاب خداعي, كل ذلك يؤكد ان المشروع الوطني الحقيقي في واد والمشروع الوطني المشوه هذه الأيام في واد آخر.

وعلى هذا الأساس يمكننا أن نتحدث عن خصوصية تبلور الوعي بالهوية الوطنية الفلسطينية، وهي مسألة مرتبطة بخصوصية ما تعرض له الشعب الفلسطيني من صدمة تدمير نسيجه الاجتماعي ودفعه إلى النزوح عن أرضه بسبب ما تعرض له من مجازر استهدفت إنهاء وجوده فيها. وهو الوعي الذي تبلور من جهة أخرى على شكل فعل مقاوم يتصدى لفعل النفي الذي تعرض له ولا يزال من طرف المشروع الصهيوني.

ان الهوية الفلسطينية هي النقيض الموضوعي للهوية الصهيونية القائمة على الاحتلال والتشريد والتدمير

ولاشك ان استمرار مقاومة الاحتلال عمق مفهوم الهوية الفلسطينية كرد فعل سياسي ، لدى كل أجزاء الشعب الفلسطيني ، في المخيمات في الدول العربية ، داخل المناطق الفلسطينية وعند اهلنا في اراضي الـ ـ48. كما شكل بؤس الاوضاع الفلسطينية في المخيمات والشتات محفز مهم للهوية.

ان المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا تتطلب من الفلسطينيين العودة الى مرتكزات هويتهم الوطنية التي دفعوا على مذبحها ملايين المشردين والمعذبين في منافي الأرض ومئات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى, ان اعادة الاعتبار لهذه الهوية تتطلب العودة الى فلسطين الكاملة من نهرها الى بحرها, والى علاقة النفي والتضاد المطلق مع المشروع الصهيوني وكل انصاره في العالم, وكذلك ان يعود الشعب الفلسطيني بكافة طوائفه وشرائحه هو الموجه الرئيس لمسيرة المشروع الوطني الفلسطين وان تعود الفصائل أدوات لهذا الشعب لأن الشعب الفلسطيني لن يفنى او يذوب لكن الفصائل تتغير وربما تغادر ساحة العمل مطلقا. وكما شكلت حالة المقاومة ضد المشروع الصهيوني ضمانة لتمتين وسلامة الهوية الوطنية وتجربة السنوات الماضية اكدت ان استبدال المقاومة بالتفاوض ثم التفاوض شوهت مشروعنا الوطني.

ان عملية استبدال مكونات مشروعنا الوطني والتي تشكلت منذ مطلع القرن الماضي هي خطيئة وجريمة تؤدي الى ضياع فلسطين واهلها وحقوقهم, ويجب ان يبقى الشعار الفلسطيني الرئيس ان مشروعنا الوطني هو الهوية والشعب الفلسطيني واي تغيير في الشعب او الهوية يعني ضياع فلسطين للأبد.

* باحث في الشأن الفلسطيني