خبر المطلوب مؤتمر فلسطيني على شاكلة بازل.. أيمن خالد

الساعة 06:34 ص|16 ديسمبر 2014

الصراع بين الأشقاء في «حماس» و»فتح» هو حالة طبيعية تصل اليها الحركات والأحزاب السياسية، عندما يتحول الاختلاف الطبيعي بين الناس في عالمي السياسة والإدارة إلى مواجهة في الشارع. فعملية نقل الملفات من الأدراج المغلقة إلى الشارع، هي خطوة خطرة جدا، هي في عالم السياسة في الدول المتقدمة من أنوع الخيانة، وهي في ملف القوانين الإدارية بمثابة تدمير لهذه المؤسسات. وفي الحالة الوطنية، عندما يكون الاختلاف مع عناصر محدودة، فمن العدالة لكسب ثقة الناس بك مطلوب أن تعلن رأيك فيهم، ولكن الاختلاف عندما يتجاوز هذه القاعدة، نصبح أمام خيارات الانقسام، باعتبار العدد والكم. والانقسام: بالمنطق الشرعي والوطني والاخلاقي هو أكبر من خيانة عظمى.
نحن نعرف حجم المعاناة الفلسطينية في غزة والضفة، ونحن نعلم أن القدرات الفلسطينية لمواجهة هذه المعاناة هي أكبر من قدرات الفلسطينيين أنفسهم، ونحن نعلم واقع الحصار المفروض على كل الفلسطينيين في كل مكان بنسب معينة، ونعلم أيضا أن الانقسام الفلسطيني هو قرار صادر من دوائر الانظمة العربية، لأن النظم العربية هي كيانية لصيقة بالكيان الصهيوني، ومصير مشترك، ومستقبل مشترك، بغض النظر عن طبيعة المعلن والصافي، فما يطفو فوق البحر ليس زبداً، هي هذه النظم المستعدة لصناعة أي حدث لمنع الفلسطينيين من التأثير الفعلي على واقع الكيانية الاسرائيلية التي أصبحت تعيش حالة الاغتراب، وتحـــاول أن تفســر هذا الاغتراب بفكرة يهودية الدولة كنوع من علاج الداء بالداء.
في هذه المعادلة، ليس مطلوباً من غزّة أن تشكل جيش الأمة، ولا من الضفة أن تستعد لانتفاضة ثالثة، هذه الانتفاضة لا نريدها الان، كما لا نريد من غزة أن تكون جيش الامة، فالمطلوب من غزة أن تكون يداً على الزناد في جانبها المعنوي فقط، أن يسجل التاريخ يوماً، فيقول بقي من بقي، في لحظة ربط أصحاب الكيانات مصيرهم بمصير اسرائيل، في مشهد المملكة اللاتينية ودويلات المماليك المجاورة بعيد سقوط القدس في العصر الوسيط.
ولا نريد انتفاضة في الضفة وانما نريد عملا بالحدود الممكنة، الذي يجمع بين طرفي الحياة الفلسطينية الممكنة، في ظل قهر الاحتلال، في معادلة نقل الألم للاحتلال بالمتاح والمتوفر، ومن يريد انتفاضة ثالثة فنحن نقول له، إن واقع الانتفاضة التاريخي السابق جاء في ظل حالة شعبية عربية، تعاطفت مع الانتفاضة الفلسطينية فأجبرت هذه النظم وهذه الكيانات على تصدير مواقف داعمة للفلسطينيين. كان ذلك عمق الفلسطينيين العربي، ولكن الشعوب العربية تعيش اليوم حالة قهر فريدة من نوعها في مختلف الدول، وتعيش هذه الشعوب حالة من البحث عن الذات، في ظل معركة كسر العظم بين الإسلامي- والإسلامي والعلماني – والعلماني وكلاهما معاً، لأن تحرير الأمة يستوجب أن نكتشف التحليل التاريخي لستالين أو لينين، أو رؤية عبد الناصر القومجية، بين تحريراليمن او تحرير فلسطين، وصولا للتفسير السلفي أو الصوفي أو الإخواني أو… وذلك مرده أن النخبة المثقفة، عجزت عن تقديم مفكر عربي جامع، يمكنه أن ينسج رؤية واقعية لكيفية التعامل مع واقع عربي معقد جدا.
المأساة أن المفكر الفلسطيني والعربي لا يزال يجلس في المقعد الخلفي للحزب، أو التنظيم أو ما شابه، وكل همه أن يثبت أن وجهة نظر هذا التنظيم على صواب، بمعنى أن المثقف يؤدي دوره كسياسي، وضاع الفكر والمفكر، الذي كان يجب أن يكون دوره دخول قلوب كل الناس، بات المثقف اليوم يصطف وراء الحزب، كاصطفاف قطيع الاغنام وراء الراعي، وكثير من الرعاة في أوقات استجمامهم يتركون حول قطيع الغنم كلابا.
في الانتفاضة الفلسطينية القادمة ستقوم إسرائيل بإلقاء البراميل المتفجرة على المدن الفلسطينية، ولنا تاريخ سابق مع البراميل المتفجرة، عندما قصفت إسرائيل ترشيحا وجوارها عام 1948 وهي جاهزة لذلك ما دامت الأجواء العربية مليئة بالانفجارات، والنزوح والفوضى، وما دامت إسرائيل تدرك أنها لحظة الضعف العربية التي قد لا تتكرر، وما يستوجب فيها انتزاع آخر الممكن من الفلسطينيين، في آخر معركة لاستلاب الارض.
اليوم نحن بحاجة إلى هدنة فلسطينية داخلية، وبحاجة لأن نتوجه لما هو أعمق من فكرة انتفاضة تحرك الرأي العام الذي لن يتحرك، نحو مبادرة مؤتمر الشتات الفلسطيني الأول، كرد فعلي وعملي على واقع حالة الضعف الفلسطينية والعربية، ليكون المؤتمر كرد على مؤتمر بازل الصهيوني الأول عام 1897، وكل ما نريده أن يكون هناك حشد حقيقي لهذه الخطوة، وليست مبادرتنا بقصد عمل سياسي يخص أي جهة فلسطينية، فالمؤتمر هو محاولة لجمع كل الفلسطينيين والعرب على طاولة بعيدة عن السياسة، هي طاولة الهموم الانسانية، التي من خلالها نحن معنيون أن نقول للعالم أجمع، هذا ما نتج عن مؤتمر بازل الصهيوني من عذاب وتدمير لشعبنا الفلسطيني وهو عذاب لا يزال مستمراً، وهو محاولة بالقدر المتاح لإسعاف شعبنا ومحاولة لفصل المسار الانساني عن المسار السياسي للشعب الفلسطيني، لأن الفلسطيني المدني هو الوحيد في العالم الذي يدفع ثمن المواقف السياسية، من حصار وقتل ومنع أدنى مقومات الحياة والسفر وغيره، عند اسرائيل والأنظمة العربية السياسية، وعند غيرهم. والمؤتمر هو محاولة لتحميل الحكومة التركية المسؤولية التاريخية عن تخليها عن فلسطين، التي كانت شبيهة الحال بقبرص التركية، باعتبار تركيادولة إقليمية، وعليها أن تتحمل مسؤولية حقيقية تجاه الفلسطينيين، بمنطق الحق والعدل وليس بمنطق العاطفة أو الدافع الإنساني فقط، بمعنى أننا نريد أن يكون الجهد التركي على أساس استصدار قوانين في تركيا تعيد المسار القانوني للقضية الفلسطينية، ودور قانوني لتركيا بملف فلسطين للاعتبارات التاريخية.
مطلوب من القوى السياسية الفلسطينية أن تدرك أننا بحاجة إلى مؤتمر عالمي شبيه بمؤتمر بازل، ومطلوب من السياسيين أن يدركوا أن الحاجة لاستثمار الجهد الإنساني باتت أمراً ملحاً، ما يستوجب هدنة سياسية فلسطينية، على أن تعمل النخب المثقفة الفلسطينية معاً لمواجهة الحالة الانسانية المعقدة للشعب الفلسطيني، التي لا يمكن أن تتمكن من حلها أي من القوى الفلسطينية حتى لو اجتمعت معاً، فنحن بحاجة لجهد كبير لأجل القيام بعمل انساني كبير، وهذا لا يتم في ظل وقوف المفكر والمثقف الفلسطيني في الصف الخلفي وراء الساسة.
بعد أكثر من مئة عام على مؤتمر بازل الصهيوني، اعتقد أنه من العار على الساسة الفلسطينيين ألا يصنعوا مؤتمراً بديلاً، يجمع الفلسطينيين على اختلافهم، من أجل فلسطين، كما جمع هيرتزل اليهود لأجل فلسطين ذاتها.

٭ كاتب فلسطيني