خبر أمريكا تضحك و« أوبك » تتخبط.. الرابحون والخاسرون .. أمين ابو عيشة

الساعة 03:47 م|15 ديسمبر 2014

في 19 حزيران (يونيو) الماضي وصل سعر خام برنت 115 دولارا للبرميل ، حتى وقت كتابة هذا المقال بلغ سعر البرميل 63 دولارا ، أي أن سعر البرميل من خام برنت تراجع بنحو 52 دولارا ، أو ما يمثل 45.5 في المائة من السعر ، وهو تراجع كبير جدا ...المشكلة في نظري هي أنه لا تبدو هناك أية ملامح في الأفق تشير إلى أن هذا التراجع في الأسعار سيتوقف عند مستوى سعري محدد.. اليوم تتزايد توقعات المراقبين بأن النفط في طريقه لكي يصل إلى 40 دولارا ، وهو توقع إن حدث فسيسبب كارثة مالية للدول المصدرة للنفط، فما أسباب هذا التراجع السريع في سعر النفط ؟.

من الناحية الاقتصادية ، يفترض أن سعر أي سلعة يتحدد بالطلب والعرض ، والعوامل المحددة لهما ، التي هي في حالة النفط تتمثل في مستوى النشاط الاقتصادي ، وعوامل خارجية أخرى تمارس دورها في التأثير في السوق ، على سبيل المثال حالة الجو والعوامل الجيوسياسية .. إلخ.

في جانب الطلب هناك انخفاض واضح حاليا بسبب ضعف النشاط الاقتصادي نتيجة للأوضاع الاقتصادية السيئة في الدول المستوردة للنفط وعلى رأسها أوروبا وآسيا ، ففي أوروبا ترتب على برامج التقشف المالي التي انتهجتها منطقة اليورو تراجع معدل النمو إلى مستويات متدنية وسالبة في بعض الأحيان ، من ناحية أخرى ، يتراجع معدل النمو في اليابان ، وفي الصين والهند ومعظم الدول الناشئة في العالم ، ولم يقتصر التراجع في الطلب الآسيوي على ضعف مستويات النمو، وإنما أسهمت سياسات بعض الدول المستوردة حول خفض دعم الطاقة في انخفاض الطلب على النفط في العالم..

والسبب الثاني لانخفاض الأسعار هو تراجع المخاطر الجيوسياسية في المنطقة العربية وتحديداً ليبيا والعراق، حيث إن الإنتاج الليبي لم يزدَدْ بل تضاعف منذ حزيران (يونيو) الماضي ثلاثة أضعاف تقريبا إلى 900 ألف برميل يوميا ، على الرغم من أن ذلك يمثل نحو 60 في المائة فقط من الإنتاج الطبيعي لليبيا، كما أن الصراع مع تنظيم "داعش" لم يؤثر على تدفقات النفط من العراق ، وهو ما أدى إلى تلاشي التهديد من تأثر العرض العالمي للنفط نتيجة لهذا النوع من المخاطر، وبالتالي هدوء الضغوط على الأسعار نحو الارتفاع وبدء تراجعها...

السبب الثالث هو تزايد الإنتاج الأمريكي من النفط نتيجة لتطور استخدام تقنيات تساهم في استخراج الوقود الاحفوري الذي أدى إلى تمكين أكبر مستورد للنفط من إحلال النفط المحلي محل المستورد ، ونتيجة لذلك استعادت الولايات المتحدة طاقتها الإنتاجية في الثمانينيات ، إلى الحد الذي تفكر فيه أمريكا حاليا بجدية برفع الحظر على عمليات تصدير النفط الأمريكي للعالم ، ونتيجة لهذه التطورات أصبحت الولايات المتحدة تستورد اليوم كميات أقل عما سبق ، وهو ما أدى إلى وجود فائض في الطاقة الإنتاجية في الدول المنتجة للنفط...

أما أهم العوامل المسئولة عن تراجع أسعار النفط من وجهة نظري فهو السلوك المثير للدهشة لمنظمة أوبك ، فقد كان من المتوقع أن تتخذ «أوبك» موقفا حاسما لاستيعاب النمو في العرض حتى تخفف الضغوط على الأسعار، باعتبارها اتحاد المنتجين للسلعة، الذي من المفترض أن تكون وظيفته الأساسية هي ضبط توازن السوق في مواجهة هذا التراجع في الأسعار... لم تقدم «أوبك» على خفض الإنتاج في اجتماعها الأخير في فيينا الشهر الماضي وذلك للحد من ضغوط العرض في السوق ، وبدلا من ذلك أعلنت «أوبك» عن الإبقاء على حصتها الحالية من الإنتاج ، وهو ما تسبب في انخفاض الأسعار بصورة أكبر و لم يقتصر الأمر على ذلك، وإنما بدأ بعض أعضاء «أوبك» في تقديم خصومات سعريه للمستوردين...

على سبيل المثال قامت السعودية بتخفيض أسعار النفط ، الذي تبيعه لمشتريها الرئيسيين في آسيا والولايات المتحدة ، وقد تبعتها إيران والعراق والكويت ، وقد شبه بعض المراقبين ما يحدث على أنه حرب أسعار داخل «أوبك»، وبغض النظر عن صحة هذا الادعاء ، فمن الواضح أن المملكة السعودية مستعدة لتحمل الأسعار المنخفضة حتى لا تخسر عملاءها في مناطق الاستهلاك الكبرى في العالم ، وأن الاستراتيجية السعودية تركز اليوم على الحصة ، بغض النظر عن التأثير على السعر، ربما لأنها تنظر إلى تأثر السعر على أنه تأثير وقتي ، وأن الأسعار ستميل نحو الارتفاع لاحقا وهو ما دفع وزير النفط السعودي علي النعيمي لان يصرح عقب اجتماعات أوبك قائلاً:" لا نرغب بخفض الإنتاج وأن الأسعار ستصحح نفسها بنفسها" أنا أسال كيف يمكن ذلك.. كيف ستصحح الأسعار نفسها بنفسها ؟ هل هنالك نظرية جديدة بعلم الاقتصاد تفعل ما يقوله النعيمي؟!...

أما الرابحون في نظري فهم المستهلكون و على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية .. فهي ليست سعيدة بل سعيدة جدا الآن لأنها ستربح حوالي 100 مليار دولار وذلك حسب وكالة موديز المالية وبالتالي ستكون هذه المبالغ داعماً أساسيا للاقتصاد الأمريكي وستنعكس هذه المبالغ إيجابا على ميزانية الأسر الأمريكية وستنخفض كلفة نقل واستيراد النفط ، وبالتالي سيكون عام 2015 لأمريكا ليس عاماً جيدا بل عاما عظيماً ..

في الختام لا نغفل نظرية المؤامرة في عدم لجوء أوبك لخفض الإنتاج وتحسين الأسعار وهو ما صرح به علانية الرئيس الإيراني حسن روحاني بقوله:( إن انخفاض أسعار النفط ليس مجرد أمر عادي أو اقتصادي وليس نتيجة الركود العالمي فقط .. السبب الرئيسي له هو مؤامرة سياسية حاكتها دول بعينها ضد مصالح المنطقة والعالم الإسلامي تصب في صالح بعض الدول الأخرى فقط )، وهو ما أكده أيضا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، يذكر أن فنزويلا وإيران طالبتا بخفض أوبك للإنتاج في اجتماعها الأخير لكن دول الخليج وعلى رأسها السعودية رفضت الأمر ربما لان التأثير ما زال محدودا رغم إقرار السعودية العام الحالي لأعلى موازنة في تاريخها بمبلغ 300 مليار دولار..

لكن من المؤكد أن هذه الاستراتيجية لا يمكن أن تستمر على المدى المتوسط لأن الإنفاق الجاري في المملكة بلغ مستويات لا يمكن استدامتها دون سعر مرتفع للنفط .. وهو ما سيشكل للسعودية والدول المنتجة عجوزات ضخمة في موازناتها العامة للسنة القادمة بل للأعوام المستقبلية بل ليس من الغريب أن تستنزف هذه الدول جزءا كبيرا من احتياطاتها المالية لسد فجوة العجز بين أسعار النفط في الماضي واليوم وليست الأمور بالسهلة خصوصا بعد أن رفعت هذه الدول مستويات الدعم لكل ما يستحق الدعم وما لا يستحق .. فتقنين إنفاق الدول كان في الماضي حاجة لها، لكن اليوم في نظري ضرورة ليس فقط لانتشالها من الركود بل لتجنبها الكساد والأزمات ورحم أجدادي حين قالوا : "ما طار طير وارتفع إلا وكما طار وقع" .