تحليل الانتخابات « الإسرائيلية »:تأثير رفع نسبة الحسم على التمثيل الفلسطيني

الساعة 07:16 ص|15 ديسمبر 2014

غزة

أطلس للدراسات

تتميز انتخابات الكنيست في دورتها العشرون بميزة تفعيل قانون رفع نسبة الحسم من 2% في الانتخابات السابقة الى 3.25% في الانتخابات التي ستجري في السابع عشر من مارس 2015؛ الأمر الذي سيكون له تداعيات كبيرة وعميقة على المشهد الانتخابي الإسرائيلي، أولها ان الكثير من القوائم الصغيرة التي كانت تترشح للانتخابات كل دورة انتخابية وكانت قريبة من عتبة كسر حاجز حسم الـ 2% لن تجرؤ على التجريب هذه المرة، وبالتالي فإنها قد تعزف عن المشاركة الانتخابية أو ستصوت لصالح أحزاب مضمونة الفوز وقريبة من أجندتها، وثانيها اضطرار الأحزاب الصغيرة والمهددة بفشل تجاوز نسبة الحسم للاندماج والتوحد مع بعضها أو مع أحزاب كبيرة.

عندما كانت نسبة الحسم 2% وصوت في الانتخابات السابقة ما نسبته 65% تقريباً من أصحاب حق الاقتراع؛ فقد كان مطلوباً الحصول على ستة وسبعون ألف صوت لتتجاوز القائمة حاجز الحسم وتضمن تمثيلها في الكنيست، وفي حال بقيت نسبة المشاركة على ما كانت علية 65% ولم يزدد عدد المقترعين عما كانوا في الدورة السابقة (وهذا مستبعد بحكم الزيادة الطبيعية) فإن كل قائمة مضطرة للحصول على قرابة 124 ألف صوت على الأقل لتضمن تمثيلها في الكنيست، هذا يعني ان حزبين عربيين هما الجبهة "حداش" والتجمع "بلد" إذا ما حصلا على ما حصلا عليه سابقاً (الجبهة: 113,439 صوت، 2,99% من إجمالي الناخبين، واحرزت 4 مقاعد، والتجمع: 97,030 صوت، 2,56% من إجمالي الناخبين، وأحرز 3 مقاعد) لن يستطيعا تجاوز نسبة الحسم ولن يتمكنا من تمثيل ناخبيهم في الكنيست القادمة.

قانون رفع نسبة الحسم الذي أقرته الكنيست المنحلة، وقاتل حزب ليبرمان بشكل خاص من أجل تشريعه، وتحمس له الائتلاف الحاكم تحت ذريعة معالجة مشكلات الحكم ليخفي رائحته ودوافعه العنصرية؛ كان الهدف الرئيسي منه تقليص التمثيل الفلسطيني داخل الكنيست، ووصفه بعض خبراء القانون بأنه يتناقض مع روح الديمقراطية التي يجب ان تشجع الأقليات وتشجع التعددية، لا سيما في دولة فسيفساء اجتماعي متعددة الأقليات والاثنيات، كما يعاب عليه انه يعتبر من أعلى نسب الحسم في البرلمانات الغربية.

بيد ان كل تلك الانتقادات لدوافع التشريع وتناقضه مع أسس وأهداف الممارسة الديمقراطية لم تعنِ شيئاً لليمين العنصري، سواء الموسوم منه بالتطرف أو الليبرالي، فالأهم هو مقاومة الانفجار الديمغرافي ميدانياً، وطمسه واخفاءه من المشهد السياسي.

الخوف من عدم تجاوز نسبة الحسم كان السبب في تقدم النائب زحالقة عن "التجمع" قبل يوم من المصادقة على حل الكنيست للمطالبة بتأجيل موعد الانتخاب لأشهر عديدة، وطلب آخر بعدم تفعيل قانون نسبة الحسم في الانتخابات القادمة، وقد رد علية بالسلب في كلا الطلبين.

 

فلسطينيي الـ 48

حال النخبة السياسية والحياة الحزبية لفلسطينيي الـ 48 ليست أحسن حالاً من حال خواتها في الـ 67 أو في الوطن العربي؛ حيث الارتباك السياسي والشقاقات الحزبية والأمراض الاجتماعية والقبلية التي تتسرب وتهيمن على المشهد السياسي.

يمثل فلسطينيي الـ 48 في الكنيست ثلاثة قوائم (القائمة العربية الموحدة وحداش والتجمع) بما لا يتجاوز 11 مقعداً، بما فيهم مقعد من حزب "ميرتس" يمثله النائب عيساوي فريج، والقائمة العربية الموحدة مشكلة من ثلاثة قوائم؛ قائمة الطيبي وقائمة اسلامية برئاسة الشيخ صرصور، وقائمة طلب الصانع، أي ان القائمة الموحدة مركبة من قوائم شخصية ائتلفت اضطرارياً لأجل البقاء؛ الأمر الذي يثير الكثير من الاستغراب على جدية المشهد السياسي وقدرته على تمثيل فلسطينيي الداخل وقدرته على الانتصار لأهدافهم.

يبلغ عدد إجمالي فلسطينيي الداخل على كل طوائفهم 1712100 نسمة حسب آخر احصائية في ديسمبر 2014، بما يشمل أيضاً فلسطينيي القدس وسكان الجولان المحتل، حيث ان الاحصاءات الاسرائيلية تشملهم باعتبارهم مواطنين مقيمين بفعل قانون الضم، ويبلغ إجمالي سكان اسرائيل 8268400 نسمة، يبلغ اليهود من بينهم 6197900 نسمة بنسبة 75,3% من إجمالي السكان، ويبلغ عدد المهاجرين المسيحيين أو بدون ديانة (غير يهود وغير عرب) 350000 نسمة بنسبة 4% من إجمالي السكان، وتبلغ نسبة الفلسطينيين من اجمالي السكان بما في ذلك القدس والجولان نسبة 20,7%، بينما تبلغ نسبة من يحق له الاقتراع من الفلسطينيين 15% من إجمالي أصحاب حق الاقتراع الذي بلغ عددهم في الكنيست السابقة 5656705 نسمة، وسبب تدني نسبة أصحاب حق الانتخاب الفلسطينيين يعود الى التركيبة العمرية للمجتمع الفلسطيني حيث نسبة كبيرة منه أقل من سن 18، وهو السن الانتخابي، بالإضافة الى ان سكان القدس والجولان المشمولين في الاحصاء السكاني لا يحق لهم الانتخاب.

 

نسبة تصويت هي الأدنى

يذكر أيضاً ان نسبة الذين يذهبون للتصويت من بين أصحاب حق التصويت الفلسطينيين الـ 56% قد وصلت في مرات سابقة الى 43%، بينما في أوساط اليهود تبلغ بالمتوسط (65-67%)، ويعود عزوف الفلسطينيين عن المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها إلى أسباب اجتماعية وثقافية تراكمت في وعيهم على مدار السنين، شجعها الإهمال والتهميش والعنصرية، الذي تمارسه الأحزاب والمؤسسات الصهيونية ضدهم، فهم في نظر هذه الأحزاب والمؤسسات ليسوا سوى طابور خامس أو خطر ديموغرافي يهدد الهوية "اليهودية للدولة"، كما أن لديهم شعوراً متنامٍ من أن المشاركة السياسية لم ولن تؤدي إلى أي تحسين على نوعية حياتهم، فلا زالوا في أدنى درجات السلم الاجتماعي، حيث يتصدرون قوائم البطالة والفقر وما يسببه ذلك من أمراض ومشكلات اجتماعية.

هذا فضلاً عن أن نظرة الكثير منهم للأحزاب العربية تنطوي على الكثير من عدم الرضا عن أداء الأحزاب، سواء من حيث تغليب اهتمامها بالقضايا السياسية على حساب قضاياهم الحياتية، أو من حيث اعتماد الأحزاب على القبلية السياسية وعدم قدرتها على التوحد وإنعاش الممارسة الديمقراطية داخلها.

يضاف لذلك المقاطعة لأسباب قومية ودينية، فجزء من الأحزاب والشخصيات والقوى الوطنية والإسلامية، تحرم الانتخابات وتقاطعها مثل حركة أبناء البلد، وجزء من الحركة الإسلامية التي يتزعمها الشيخ رائد صلاح، حيث تعتبر المشاركة في الانتخابات مساساً بالهوية الوطنية الإسلامية، فكل نائب ينبغي عليه أداء قسم "الولاء للدولة"، كما وينظرون إلى التمثيل العربي في الكنيست على انه جزء من لعبة تجميل الحالة الديمقراطية التي تشكل غطاءً للعنصرية والاضطهاد الممنهج والمؤسس الذي تمارسه مؤسسات "الدولة".

 

ائتلاف اضطراري

يبدو ان مؤشرات زيادة نسبة العزوف عن المشاركة في الانتخابات في تزايد على خلفية زيادة التوترات والسياسات العنصرية التي تدفع الشباب الفلسطيني الى اتخاذ وتبني مواقف أكثر قومية للتعبير عن هويتهم الوطنية في مواجهة العنصرية المنفلتة، إلا ان حدثت مفاجآت على مستويين؛ الأول: على مستوى وحدة واندماج الأحزاب العربية لما يمثله ذلك من زخم كبير لاجتذاب المترددين والمتحاملين على الأحزاب، والثاني: ان يستطيع خطاب المرشحين إقناع أغلبية الشباب ان طريقهم نحو التصدي للعنصرية وتحقيق بعض مطالبهم في الحياة الكريمة والمساواة تمر عبر زيادة تمثيلهم في الكنيست.

طريق الأحزاب نحو الوحدة أو الائتلاف طريق سهلة وعسيرة في آن؛ فهي سهلة لعدم وجود خلافات جدية على البرامج والتوجهات السياسية والأيديولوجية، وسهلة من حيث الجوانب الإجرائية، حيث يمكنهم الائتلاف قبل الانتخابات والعودة للانقسام كما كانوا بعد الانتخابات، حيث ان القانون يسمح لثلث أعضاء الكتلة البرلمانية بالانشقاق وتشكيل كتلة جديدة، وسهل من حيث طريقة التفاهم على عدد المقاعد الذي ستحظى به كل كتلة بجعل نتائج الانتخابات السابقة معياراً، ويتم تقاسم أي زيادة بنفس النسبة، لكنها عسيرة وشاقة نظراً لحجم "الأنا" الكبير، فالصراع شخصي، وتاريخ الصراعات الشخصية والمشاحنات كبير وعميق، ويجعل من الصعوبة بمكان في حال لم يتم تهذيب "الأنا" الكبيرة التغلب عليها، لكن ما يعزز الوحدة انها لم تعد مجرد خيار، بل طريق اضطراري للبقاء، والكرة الأهم الآن في ملعب التجمع في حال تم تشكيل قائمتين، فهل سيتحالف مع الجبهة أم مع القائمة الموحدة؟ إلا ان نجحوا جميعاً في الاتفاق على قائمة موحدة، وان تم ذلك (ونسبة نجاحه أقل من تشكيل قائمتين) فإنهم قطعاً سيقلبون السحر على الساحر حيث ستشارك نسبة أكبر في التصويت وسيزداد التمثيل الفلسطيني.

الشارع الفلسطيني من جهته على المستوى الشعبي والنخبوي يدعم توجهات الوحدة، ويشجع الأحزاب منذ زمن بعيد على تجاوز خلافاتهم ومناكفاتهم، وهو اليوم تواق لهذه الوحدة لا سيما في ظل تنامي العنصرية والكراهية وتنامي ترجماتها اليومية، سياسياً وتشريعياً وحياتياً.