خبر حراك أميركي لتأجيل «الاعتراف» بدولة فلسطين

الساعة 06:46 ص|15 ديسمبر 2014

حلمي موسى

من الواضح أن تقديم موعد الانتخابات في إسرائيل شوش بدرجة كبيرة مخططات أميركية لتحريك العملية السياسية مع الفلسطينيين.
وبديهي أن الانتخابات تعني بأقل المعاني تقديراً بأن العملية السياسية دخلت الثلاجة لستة أشهر على الأقل، يصعب خلالها إحداث أي تقدم على هذا الصعيد. ويبدو أن هذه الفترة، الضئيلة نسبيا بالمعنى العام، تعتبر طويلة جداً إذا قورنت بالظروف التي تمر بها المسألة الفلسطينية راهناً.
فمن ناحية، هناك وضع ميداني على وشك الانفجار في الضفة الغربية وقطاع غزة، بسبب القيود والحواجز من جهة، والحصار في جهة أخرى. وهناك وضع دولي لم يعد قادراً على مواصلة التزام الصمت، لا تجاه العربدة الإسرائيلية اليومية، ولا على استمرار احتجاز التطور الفلسطيني نحو الدولة. وفي الحالتين ثمة محاولة إقليمية ودولية لدفع إسرائيل إلى إبداء مرونة ما في السياسة، بقصد الحيلولة دون الانفجار.
وهكذا كان التخوف من انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية، أو حرب أخرى في قطاع غزة، مقدمة لتحركات في الحلبة الدولية، صار حتى أقرب المقربين لإسرائيل يخشون من الوقوف ضدها، فالحملة الدولية للاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 صارت تتخطى الطابع الرمزي، لتصل في الأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى خطوة استصدار قرار لا بد منه.
وفي كل الأحوال، إذا عجز الفلسطينيون عن تمرير صيغتهم لقرار واضح يتضمن ما يعتبرونه حقا مشروعاً ممكن التحقيق، فإن صيغة القرار الأوروبي، الذي يغمغم الأهداف والجدول الزمني نسبياً، غير مرضية البتة لإسرائيل أيضا، بل ان نية أميركا تقديم صيغة خاصة بها في هذا الشأن، تكون أقرب لإسرائيل، ينظر إليها في تل أبيب على أنها جزء من مؤامرة لدى إدارة الرئيس باراك أوباما ضد إسرائيل.
وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي أصيب نسبياً بأكبر قدر ممكن من الاحباط جراء الموقف الإسرائيلي، جلياً، حين أعلن الأسبوع الماضي أمام معهد «بروكينغز» في واشنطن، أن «هناك انتخابات في إسرائيل بعد عدة شهور. وسنعمل مع الحكومة الجديدة، مهما كانت تشكيلتها، ولن نورط أنفسنا بأي شكل في انتخابات الإسرائيليين».
لكن المراسل السياسي لصحيفة «هآرتس» باراك رابيد كتب أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو المصاب بداء الريبة والخوف كان يؤمن بأن أوباما ينوي إلقاء قنبلة سلمية على إسرائيل.
ولاحظ أن هذا الخوف لدى نتنياهو تحول بعد إقالة كل من تسيبي ليفني ويائير لبيد وتقديم موعد الانتخابات إلى توق عنده لإثبات التدخل الأميركي. ورأى أن هذا كان ملحوظا في العنوان الرئيس لصحيفة «إسرائيل اليوم» المتحدثة باسم نتنياهو حول خطة إدارة أوباما لتحقيق السلام في العامين المتبقيين لها في الحكم. وأشار إلى أن جنوح نتنياهو إلى اليمين المتطرف حول المفاوضات مع الفلسطينيين إلى مادة لا تقل خطراً عن المشروع النووي الإيراني.
وترددت أنباء عن نية الإدارة الأميركية الانتقال من إدانة التصرفات الاستيطانية الإسرائيلية إلى اتخاذ خطوات عملية ضدها. لكن يبدو أن تقديم موعد الانتخابات، وحساسية العلاقات مع إسرائيل، دفعت مسؤولي الإدارة الأميركية إلى تخزين هذه الخطوات بانتظار لحظات أفضل. غير ان هناك أموراً ليست موضوعة في الجيب الأميركي، ولا يمكن التحكم بها، ومن بينها الخطوة الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي، والتي سعت الإدارة الأميركية قدر استطاعتها لعرقلتها.
وأميركا، من ناحية أخرى، ولأسباب كثيرة، غير معنية بأن توضع في مواجهة الفلسطينيين في هذه الأيام بشأن هذه المسألة. ولذلك هناك تخوفات إسرائيلية كثيرة من عدم رغبة إدارة أوباما في مواجهة الصيغة الفلسطينية أو الأوروبية باستخدام حق النقض (الفيتو). ومن ضمن هذه التخوفات أن إدارة أوباما ليست في موقف ترغب فيه في منح نتنياهو نجاحا ديبلوماسيا يعزز مكانته في المعركة الانتخابية الجارية.
ولهذا تسعى إدارة أوباما لتأجيل التصويت في مجلس الأمن الدولي على مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وقد تباحث كيري لهذا الغرض مع وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، الذي يقود الحملة الأوروبية لإقرار صيغة خاصة بهذا الشأن في مجلس الأمن. وسيلتقي كيري لساعات في باريس مع نظرائه الفرنسي والألماني والبريطاني ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني. وسيتوجه بعد ذلك إلى لندن للقاء كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات والأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي غداً.
وفي هذا السياق، يقع الاجتماع المقرر عقده اليوم بين نتنياهو ووزير الخارجية الأميركي في روما، والذي ليس معروفا من ألح على طلب عقده بشكل عاجل. وفي الأجواء اعتقاد بأنه يستحيل تأجيل مناقشة مشروع القرار في مجلس الأمن إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، ما يعني وجوب اتخاذ موقف.
وتحاول الولايات المتحدة، وفق صحف إسرائيلية، إقناع حكومة نتنياهو بتليين موقفها من السلطة الفلسطينية بعد موجة الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية، فالحملة الدولية للاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 67 مستمرة، وهي تتصاعد في أوروبا، ما يوجه رسالة تحذير شديدة لإسرائيل، ويدفع أميركا لاتخاذ موقف.
وهكذا فإن نتنياهو سيعمل في اللقاء مع كيري على تشجيعه على استخدام «الفيتو»، في حين سيعمل كيري على إقناع نتنياهو بتليين مواقفه. واستبق نتنياهو اللقاء بإعلان رفضه بشكل قاطع فكرة انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين في غضون عامين. وقال «نقف أمام احتمال شن هجمة سياسية علينا لمحاولة إجبارنا على الانسحاب إلى خطوط عام 1967 خلال سنتين وذلك من خلال قرارات في الأمم المتحدة»، مضيفا ان «قيام إسرائيل بذلك سيؤدي إلى وصول الإسلام المتطرف إلى ضواحي تل أبيب والى قلب القدس». وتابع «لن نسمح بذلك، سنتصدى لهذا الحراك بشكل مسؤول وحازم».
ونشر موقع «والا» أن الإدارة الأميركية تحاول في الأيام الأخيرة بلورة بديل، ليس أقل إشكالية لدى نتنياهو من المشاريع المقترحة في مجلس الأمن. ويتضمن البديل الأميركي دعوة الى إنشاء دولة فلسطينية مرفقة ببعض الصياغات التي تروق للإسرائيليين. وفي وزارة الخارجية الأميركية صياغة تشير لدولة فلسطينية على حدود 67 مع تبادل أراض، ونصوص تؤكد هوية «إسرائيل اليهودية» ومطالب إسرائيل الأمنية من دون جدول زمني محدد للانسحاب.
وأيا تكن الحال، فإنه من الواضح أن القضايا تغدو أشد سخونة على الأرض وفي المحافل الدولية، وهو ما يجعل تقديم موعد الانتخابات الإسرائيلية حافزا لتسريعها من جهة لدى البعض في مواجهة من يحاولون تثبيطها في الجهة الأخرى.