خبر زيارة ترميم وتجديد.. د. يوسف رزقة

الساعة 10:48 ص|13 ديسمبر 2014

أنهى وفد من حركة حماس في الخارج زيارة لطهران استغرقت عدة أيام. الزيارة استهدفت ترميم العلاقات الثنائية بين الطرفين. الزيارة في نظر قيادات من حماس مهمة في الوقت الذي يشتد فيه الحصار على قطاع غزة. وربما أحس الموظفون في غزة بأهميتها من زاوية الأمل في الحصول على راتب شهري، بعد أن تنكرت ما يسمى بحكومة التوافق الوطني لواجباتها ، وحرمت موظف غزة من حقه في الراتب نظير عمله الذي يقوم به.

من المعلوم أن حكومة أحمد نجاد وقفت إلى جانب الحكومة في غزة في الفترة الماضية بما قدمت لها من مساعدات مالية، وسياسية، في الوقت الذي وقفت فيه الحكومات العربية موقف المتفرج، أو موقف المشارك في حصار غزة.

كان الموقف الإيراني أكثر إيجابية في تفهم الحقوق الفلسطينية، وحق الشعب في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، وقد قدمت حكومة نجاد مساعدات لوجستية مهمة لفصائل المقاومة الفلسطينية، وهو أمر لا تنكره المقاومة الفلسطينية. وكان الموقف العربي الأكثر انتقادا لعلاقة المقاومة الفلسطينية بإيران، والأكثر إثارة للخلافات المذهبية، بينما تلتقي في الباطن مع إسرائيل في خطواتها العدوانية ضد المقاومة، عل الأقل بحسب تصريحات نيتنياهو، وصمت الدول العربية المشار إليها بالتحالف الجديد غير المعلن.

يبدو أن زيارة وفد حماس إلى طهران تنبع من مخرجات الموقف العربي من حرب اسرائيل الأخيرة على قطاع غزة، حيث تميز هذا الموقف بالنفاق، واللامبالاة، والسكوت، على العدوان الإسرائيلي، ثم المشاركة في استبقاء الحصار على غزة. ويبدو أن حماس قد قررت التعامل مع الآخرين بشكل أكبر من خلال المصالح، وعدم الالتفات إلى المواقف التقليدية، التي تثار بين الشيعة والسنة، فمن ينكر على حماس علاقتها مع ايران، يمارس هو الرذيلة السياسية من خلال تحالفه المعلن وغير المعلن مع اسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني.

من حق المقاومة الفلسطينية رفع صوتها ضد المتآمرين، وضد المتفرجين، من العرب والفلسطينيين، فالمسألة تتعلق بالوطن، وبالدم الفلسطيني، ولا مجاملة في الوطن والدم، وقد كشفت معركة العصف المأكول عن عورات عربية كانت مستورة بورقة توت صفيقة. بعد الحروب دروس وعبر، ولا يمكن للمقاومة التسوية بين طرف عربي وقف في الحرب إلى جانب الغارات الغاشمة على غزة، بشكل أو بآخر، وأسهم إسهاما حقيقيا في إطالة الحرب على غزة، وبين طرف عربي و غير عربي وقف بجانب المقاومة وأبدى استعداده لاستئناف دعمها.

قد تكون المنطقة كلها خالية من الأموال بسبب تراجع البترول، أو بسبب الحروب، و بسبب التحالفات الجديدة، غير أن استسلام حماس والمقاومة لهذه البيئة، وترددها في تفعيل علاقاتها التقليدية وتجديدها مع الآخرين، هو ضرب من الفشل الذاتي، فالحركة مطلوبة في كل حال وفي كل وقت، والنتائج الإيجابية لا يحصدها الجالسون، بل يحصدها العاملون بالليل والنهار، وهناك خارج المال أمورا أهم من المال نفسه.

 

حماس وإيران: مراجعة بين الجمود والتراجع

 

د. وليد القططي ـ سما ـ 13/12/2014

نُشر في موقع الرسالة نتب تاريخ 9 ديسمبر الحالي خبر زيارة وفد حمساوي رفيع المستوى برئاسة السيد محمد نصر عضو المكتب السياسي لحركة حماس, وجاء في حيثيات الخبر تصريح للسيد خالد القدومي ممثل حركة حماس في طهران قال فيه: "أن حماس معنية بالأمة بكل أطيافها وتفاصيلها, وأن علاقاتها مع الجميع قائمة على الاحترام المتبادل, وأنها غير معنية بالتدخل في الشئون الداخلية لأي دولة, وأن حركته تهتم بإقامة علاقات متوازنة مع الجمهورية الإسلامية قائمة على أساس القضية الفلسطينية الجامعة بمعزل عن أي خلافات حول المسائل الأخرى". وهذا الكلام جيد يدل على بُعد نظر في العلاقات الخارجية لحركة حماس بعد مرحلة الارتباك في العلاقات الخارجية السابقة.

 وبعد يوم واحد أثناء تصّفحي لموقع العربي الجديد بتاريخ 15 ديسمبر الحالي وجدت تعليقاً على الزيارة للسيد محمد مرّة أحد مسئولي حماس في لبنان يقول فيه: "أن زيارة وفد حماس لإيران لا تعني أبداً أن الحركة تغّير من سياستها أو أنها تقوم بمراجعة لخياراتها أو مواقفها من قضايا المنطقة, أو أنها أخطأت وتتراجع عن خطأها, أو تعتذر عن عمل أو موقف". هذا الكلام يُشير إلى جمود يخلو من المراجعة بعكس تصريح القدومي السابق الذي يشير بطريقة ضمنية إلى مراجعة تخلو من الجمود, وكلام السيد محمد مرّة يُعطي إنطباعاً بأن تغيير السياسة الخاطئة عيب, وأن مراجعة الخيارات والمواقف عار, أو كأن التراجع عن الخطأ من الكبائر التي ينبغي تجنبها. أليست هذه السياسة وتلك المواقف والخيارات هي التي أوصلت حركة حماس إلى مأزقها الحالي على المستويين المحلي والإقليمي, ألم تراجع حركة حماس فعلاً خياراتها المحلية والإقليمية التي أدخلتها في نفق مظلم لم تستطع الخروج منه حتى اللحظة, أم أن هذه المراجعة كانت بالإكراه نتيجة لتغييرات إقليمية جبرية من باب مكرهاً أخاك لا بطل.

وعند التحليل الدقيق لما حدث, وفي نظرة أعمق لخلفية الأزمة الحالية لحركة حماس نجد أنها ناتجة عن ثلاثة اشكاليات استراتيجية. الأولى ناتجة عن علاقة حماس بالسلطة والمقاومة, فهي أزمة نابعة من الاعتقاد بإمكانية الجمع بين السلطة والمقاومة, فهي قد دخلت سلطة لم تشارك في صنعها وخارج إطار مشروعها المقاوم, وهذه السلطة لم تعترف حماس بمرجعتها السياسية وهي منظمة التحرير الفلسطينية, ولم تعترف بمرجعيتها القانونية وهي اتفاقية أوسلو, وهذا كسر لقواعد اللعبة السياسية التي تحدد للسلطة وظائف أمنية ومدنية وسياسية لن تسمح القوى التي ساهمت في إقامة السلطة بالخروج عنها, وهذه الوظائف لا تستطيع حركة حماس القيام بها لتناقضها مع مبادئها وبرنامجها وسياستها, وهذه اللعبة وتلك الوظائف لم تستطع حماس الخروج عليها لأنها أكبر وأقوى منها, وكذلك لم تستطع اللعب من خلالها لانعدام هامش المناورة المتاح أمامها, كما لم تستطع التوفيق بين مشروعها ومشروع أوسلو الذي اختزل المشروع الوطني الفلسطيني في كيان سياسي غير محدد المعالم وكيان مسخ مشّوه ينحصر بين حكم ذاتي موّسع ودويلة قصيرة ومنقوصة السيادة في أحسن احواله.

والإشكالية الثانية ناتجة عن أزمة الهوية التي لم تحسمها حركة حماس حتى الآن والناتجة عن تحديد أولوية الانتماء للإخوان المسلمين كحركة اسلامية عالمية, أو للحركة الوطنية الفلسطينية كحركة تحرر وطني, ورغم أن أدبيات الحركة تجمع بين الانتماءين ولكن الانحياز لخيارات الاخوان المسلمين الاقليمية كان واضحاً بعد اندلاع ما يُسمى بثورات الربيع العربي, وهذا كان مجسداً في الوقوف مع نظام الاخوان المسلمين في مصر ضد خصومه السياسيين – بغض النظر عن صوابية موقف الاخوان المسلمين في مصر أم خطأه - , والوقوف ضد نظام بشار الأسد في سوريا انسجاماً مع موقف الاخوان المسلمين العام ضد النظام السوري, دون الأخذ بعين الاعتبار دعم النظام السوري للمقاومة الفلسطينية ولحركة حماس في جهادها داخل فلسطين المحتلة, وكذلك الانحياز للخيارات السياسية للدول المؤيدة لجماعة الاخوان المسلمين كقطر وتركيا بغض النظر عن تحالفاتها السياسية والعسكرية مع أمريكا وإسرائيل وحلف الناتو, على حساب العلاقات مع الحلف الداعم للمقاومة.

والإشكالية الثالثة هي في الارتباك والتذبذب في الانتقال من معسكر لآخر بدون تحديد معايير التحالف الصحيحة التي يجب أن تقوم على أساس محاور الاسلام وفلسطين والمقاومة ,وعلى أساس المصلحة الوطنية الفلسطينية, وليس على أساس المصلحة الحزبية للحركة حتى لو كانت تناقض كلاً من مصلحة المقاومة ومصلحة القضية الفلسطينية أو حتى مصلحة الشعب الفلسطيني, فتحديد معسكر الحلفاء الاستراتيجيين يجب أن يكون ثابتاً كتحديد معسكر الأعداء, إلاّ إذا حدث تغير جوهري في معسكر الحلفاء, وهذا التغير لم يحدث, ولكن الذي حدث هو تغّير في حسابات الحركة نابع من حسابات استراتيجية خاطئة رجّحت صعود الحلف المدعوم من الاخوان المسلمين خاصة بعد فوز الرئيس محمد مرسي بالرئاسة المصرية, وما اُشيع عن قرب سقوط نظام بشار الأسد في سوريا, وبعد تغير هذه المعطيات تغّيرت هذه الحسابات مما أدى إلى محاولات الرجوع إلى الحلف السابق المعروف بحلف المقاومة والممانعة الذي يدعم المقاومة الفلسطينية والذي يقف وحيداً في هذا الخندق, بينما الآخرون إما أنهم يقفون على الحياد بيننا وبين العدو, أو يقفون مع العدو سراً أو علانية ضد المقاومة.

وأخيراً فإن تصريحات السيد محمد مرّة تكرّس الجمود, والإصرار على البقاء في الأزمة, وعدم مغادرتها نحو محطة تقرّبنا من فلسطين, وتبعدنا عن القضايا الهامشية التي فرّقت الأمة. أما تصريحات السيد خالد القدومي فهي تعيد توجيه مؤشر البوصلة بالاتجاه الصحيح, ومراجعة السياسات السابقة التي أدخلت حركة حماس في مأزق سياسي خطير أبعدها عن الحلف الذي ساندها, وصدمها باستحقاقات السلطة المناقضة لمشروعها, وتشير إلى مراجعة صحية تخرج الحركة من الجمود السياسي, وتعفيها من التراجع غير المدروس للخيارات والمواقف السابقة.