خبر مشروع يهودية الدولة وخطة ليبرمان محاولات يائسة لإطالة عمر المشروع الصهيوني في فلسطين..د.جميل يوسف

الساعة 11:35 ص|05 ديسمبر 2014

قبل ايام طرح مشروع يهودية دولة  العدو "اسرائيل" امام الحكومة الصهيونية كخطوة جديدة لحماية المشروع الصهيوني, والمؤكد ان مبررات اسرائيل لهذه الخطوة هو عدم قدرتها على تحقيق الامن والسلام لهذا المشروع وانه في حالة تراجع متواصل. لا يختلف اثنان ان " إسرائيل " نبتة غريبة لا يمكن لها ان تحيا في هذه التربة العربية الفلسطينية وسيكون نموها في المنطقة مؤقتا وبشكل غير طبيعي, ولن تثمر أمنا واستقرارا وتطبيعا في المنطقة. هذه حقيقة لذلك دأبت إسرائيل على تغيير شكلها وسلوكها كل بضعة سنوات في محاولة بائسة منها لتحقيق القبول والاندماج في المنطقة.

كانت دولة العدو الصهيوني في كل مرحلة تحدد التهديد الرئيس وتبني عليه خططها العدوانية وإجراءاتها الأمنية, بعد قرار التقسيم الظالم وإنشاء دولة الاغتصاب (إسرائيل) عام 1947 وكان قادة المشروع الصهيوني يدركون ان اعتراف النظام الدولي ومجلس الأمن بدولتهم الغير شرعية لن يمنحهم اي قدر من الأمان كما كانوا يعتبرون ان المد القومي في المنطقة بقيادة الرئيس عبد الناصر هو التهديد الرئيس لهم,  فكانت خططهم تقوم على ضرب العمق العربي وفي مركزه النظام الناصري. هذا التشخيص دفع الدولة الصهيونية الى شن حرب عام 1967 لمواجهة النظام العربي القومي والذي يشكل تهديدا لها.

 ادت هذه الضربة الاستباقية لمصر وسوريا إضافة للأردن والتي أوصلت الجندي الصهيوني الى عمق التهديد العروبي, الى قناة السويس ومشارف دمشق, وكانت الاستراتيجية الصهيونية تقوم على خطوط دفاعية بعيدة عن العمق الصهيوني لتمكينها من مواجهة اي خطر قادم من دول الطوق العربي لذلك كان خط بارليف وهضبة الجولان, وبقيت اسرائيل متمسكة بذلك تحت مصطلح " حدود آمنة يمكن الدفاع عنها". بعد هذه الحرب بفترة استبدلت اسرائيل الحدود الجغرافية الآمنة بالحدود السياسية الآمنة والتي تعد حتى الآن انجع من الحدود الجغرافية. وتم عقد اتفاقيات كامب دافييد عام 1979 مع الرئيس المصري الراحل انور السادات, وفعلا نجحت اسرائيل في تحييد التهديد القومي في مصر وتم استبعاد العامل العروبي الاكبر من ساحة الصراع مع المشروع الصهيوني باستثناء تهديدات هنا وهناك مثل العراق وسوريا. هذه هي الاجابة الصهيونية للتهديد العربي حدود جغرافية آمنة يمكن الدفاع عنها ثم اتفاقيات سياسية اقوى من الحدود الامنة.

بعد كامب دافيد مباشرة اصبح التهديد الرئيس هو التهديد الفلسطيني وبنفس المنطق تعاملت اسرائيل مع الفلسطينيين فعملت في البداية على بعثرة القدرات العسكرية الفلسطينية الرئيسة والمتمثلة  في م ت ف في لبنان عام 1982 الى منافي جديدة وتلاشت كثيرا قدرات التهديد الفلسطيني الجغرافي في لبنان وسوريا وبشكل نسبي في الضفة وغزة, لكن الشعب الفلسطيني استبدل قدراته العسكرية المبعثرة بأعظم انتفاضة على مدار التاريخ لتجد اسرائيل نفسها في مأزق اشد خطورة من تهديد قوى المقاومة,  عمدت اسرائيل الى مواجهة ذلك عبر اتفاقيات اوسلو والتسوية الفلسطينية الاسرائيلية والتي اعتبرت انجازا امنيا اسرائيليا بامتياز.

 لم يقف التهديد الفلسطيني عند هذا الحد بل تجاوزه الى عمليات استشهادية طالت كل التراب الفلسطيني, ولم تشفع الاتفاقيات التسووية او التنسيق الأمني ولا حتى الاستعدادات العسكرية الصهيونية لمواجهة هذا التهديد. ادركت اسرائيل ان هذه المواجهة مع الفلسطينيين لا يمكن حلها بالاتفاقيات كما هو الامر مع مصر. اضطرت اسرائيل وقتها الى احاطة نفسها بسور اسمنتي عنصري والذي يعبر عن الموروث الثقافي اليهودي فيما يعرف بالغيتوهات, لعله يدفع عنها التهديد الفلسطيني اعقبه اندحار من قطاع غزة والذي يعتبره الصهاينة المنجل الذي ابتلعوه عام 1967 وفشلوا حتى الآن في هضمه او اخراجه.

اتسع التهديد الفلسطيني امام المشروع الصهيوني, وبات واضحا امام اسرائيل ان كل اجراءاتها لحماية مشروعها وشرعنته لم تصل للهدف المنشود, فاتفاقيات التسوية والحدود القابلة للدفاع عنها واندحارها من غزة وكذلك احاطة نفسها بسور عزل عنصري, كل هذه الاجراءات فشلت في الوصول بالمشروع الصهيوني الى شواطئه المنشودة. كما ان محاولة حصر الصراع ليصبح فلسطيني - اسرائيلي ايضا فشل في دفع التهديدات عنه بل ما حدث هو العكس زادت وتيرة التهديد الفلسطيني كما وكيفا وازداد المأزق الاسرائيلي. ان ماحدث مع قطاع غزة على مدى الثلاثة مواجهات الاخيرة منذ 2008 حتى 2014 اكدت فشل كل اجراءات اسرائيل.

التهديد الفلسطيني الذي تزداد وتيرته من خلال قطاع غزة والذي بات يمتلك ادوات صراع مقلقة جدا لاسرائيل واهلنا في 48 والذين يشكلون بكل تأكيد تهديدا هاما وضروريا في المواجهات المقبلة تقديرا لظروفهم, واهلنا في القدس الذين يوجهون تهديدا لمنطقة القلب من هذا المشروع اضافة الى ساحة الضفة الغربية التي تمنع اسرائيل من التقاط انفاسها, كل ذلك دفع قادة العدو الى التفكير في اجراء جديد للتصدي لهذه التهديدات الفلسطينية المتزايدة والاكثر تأثيرا, هذا الاجراء يتمحور حول يهودية دولة العدو "اسرائيل" والتخلص من معيقات هذا الاجراء واولها اهلنا في اراضي 48 والاعتراف الفلسطيني بتوصيف اسرائيل كدولة يهودية.

 على الرغم ان اسرائيل غير موحدة ليهودية الدولة وتوجد تباينات اسرائيلية كثيرة حول هذا الطرح اولها من هو اليهودي وهي الخطوة الاولى للوصول الى يهودية دولة العدو الصهيوني, وما العلاقة بين القومية واليهودية, وما حكم الجاليات اليهودية في الخارج وهل يجب ترحيلها للدولة اليهودية ام ان هذه الدولة لاحدود لها!, وهل تصبح التوراة دستورا لها والتي تستحل كل ما هو غير يهودي وتعتبرهم اغيار (غويم)....الخ.  مؤسسات القرار في دولة العدو يدركون هذه الاشكاليات وغيرها الكثير لكنهم يرون ان الاولوية لمواجهة التهديدات الفلسطينية الآن والتي تتوسع مع الوقت في غزة, القدس, الضفة, فلسطينيي 48. كما ان القادة الصهاينة يدركون ان اسرائيل لن تستطيع مواجهة هذه التهديدات في وقت واحد. الملاحظ ان كل اشكال العدوان الصهيوني ضد هذه التهديدات تحاول محاصرة التهديدات الفلسطينية لكن تجربة الصراع تؤكد انه كلما نجحت اسرائيل في تحييد اي تهديد تواجه بتهديد اصعب واكثر جذرية من سابقاتها.

على الرغم من ان اوراق القوة الفلسطينية تعيش اوضاعا صعبة كالحصار ورفع العرب ايديهم عن القضية الفلسطينية بشكل واضح والتأييد الدولي والاقليمي لاسرائيل, وكذلك الزج بقوى غريبة عن المنطقة اهدافا وارتباطات ( مثل اعادة الصراع بين العروبي والاسلامي في اكثر من مكان في المنطقة العربية والصراع المذهبي ومحاولات تقسيم سايكس بيكو!) لاجبار العرب في التفكير في هذا التهديد بدلا من مواجهة الظاهرة الصهيونية في المنطقة. مع كل ذلك يبقى وقوف الفلسطينيين خارج اتفاقيات التسوية والوقوف على ارضية المقاومة بكافة اشكالها هو تهديد هام جدا لاسرائيل.

الفلسطينيون الذي نجحوا في الوقوف على ارضية التهديد للكيان الصهيوني على الرغم من الانحرافات التي شكلها البعض عن المشروع الوطني الفلسطيني يستطيعوا الآن تضخيم التهديد للكيان الصهيوني وتفكيك اجراءات تهويد الدولة الصهيونية واي اجراءات بحق اهلنا في 48 . ان التفكير العملي باعادة التهديد القومي العروبي للمشروع الصهيوني خطوة مهمة في المواجهة ونقل الصراع بين القومي العروبي والاسلامي الى صراع بين العروبي والصهيوني كما كان على مدى عدة عقود وكذلك دفع الكل الاسلامي الى ساحة المواجهة جنبا الى جنب مع المشروع الوطني الفلسطيني المقاوم وقوى المقاومة الفلسطينية وحدها القادرة انجاز هذا المشروع .

من المفيد جدا ان يساند النظام السياسي الفلسطيني بكافة مكوناته والنظام العربي تعزيز الهوية الوطنية لأهلنا في 48 حتى تزداد قوتهم في تهديد المشروع الصهيوني ورفض اي مساس ببقائهم حيث هم الآن, وافشال مخطط تبادل السكان معهم, ولا يجوز تبادل المستوطنات اللاشرعية باصحاب الوطن الحقيقي .

الفصائل وقوى المقاومة مطالبة الآن بوضع الخطط العملية لصب الزيت على الانتفاضة المتدحرجة الآن القدس والضفة الغربية, وان تتمرد قوى الامن الفلسطيني في الضفة الغربية على دورها الحالي وتعمل على تفعيل الانتفاضة, ولدى هذه القوى الامنية من عناصر القوة ما يمكنها من قلب الطاولة على المشروع الصهيوني. في كل لحظة يستطيع الفلسطينيون اضافة اوراق قوة جديدة لهم وزيادة قوة التهديد للمشروع الصهيوني. ان اهلنا في القدس والضفة والــ 48 هم اكثر الادوات فعالية لافشال مشروع يهودية الدولة.

ان الخروج من كل اتفاقيات التسوية الظالمة بين الفلسطينيين والاسرائيليين واجب وطني واخلاقي وضرورة سياسية في هذه المرحلة وخطوة فعالة لاجهاض محاولات تهويد دولة "اسرائيل".

ان الشارع العربي الذي انتفض ضد نظامه ولم يصل حتى الآن الى شواطئ حقوقه بل على العكس احدث "الربيع العربي"  شروحا خطيرة ونتائج عكسية في النظام العربي وادى الى افرازات شكلت تهديدا خطيرا للمنطقة والمشروع الوطني الفلسطيني, يجب ان يعيد الشارع العربي النظر ويغير من وجهته الى حيث لا يوجد اختلاف وان ينتفض الشارع العربي ضد اسرائيل فقط ومن المؤكد ان هذا الطريق سيوصل الشارع العربي الى حيث يريد .

ان مشروع الدولة اليهودية خطوة بائسة ولن يكتب لها النجاح ويستطيع الفلسطينيون بقليل من الجهد تحويلها الى تهديد للمشروع الصهيوني وستفشل كما فشلت البدائل السابقة من الحدود الآمنة القابلة للدفاع عنها حتى الجدار العازل.

* باحث في الشأن الفلسطيني