خبر الشباب .. أمل ضائع ... خيارات متطرفة .. ومستقبل بلا ملامح ..بقلم: شمس شناعة

الساعة 01:47 م|04 ديسمبر 2014

 (صحفي فلسطيني من غزة)

تبلغ نسبة الشباب، أوسع القطاعات الشعبية الفلسطينية، حوالي 65% من عدد السكان، يتوزعون على العديد من الفئات والشرائح الاجتماعية، ويتميزون بالمرونة والحيوية والتطلع نحو المستقبل، وفي الوقت الذي شكلت مساهمة هذا القطاع في المسيرة الوطنية إضافة نوعية ومميزة في فترة صعود الحركة الطلابية أوائل الثمانينات وانخراط قادة العمل الطلابي في المهمات الوطنية، مثل القيادة الوطنية الموحدة إبان الانتفاضة الأولي، إضافة إلى دور تلك القيادات في تعزيز مفاهيم ومعاني الديمقراطية داخل الجامعات وكذلك نقل هذه التجربة في مجالات النقابات العمالية والمهنية للأطر النسوية، حيث أصبحت مفاهيم الديمقراطية مرتبطة بصورة وثيقة مع الأبعاد الوطنية والكفاحية، الأمر الذي مهد الطريق لتشكيل اللجان الشعبية إبان الانتفاضة الأولى "الكبرى"، والتي تميزت بعمقها الديمقراطي إضافة إلى طابعها الوطني ومسارها الشعبي المقاوم.

أدى تأسيس السلطة الوطنية إلى تغيرات في البنية الاقتصادية والاجتماعية بالمجتمع الفلسطيني، وطالت هذه التغيرات شريحة الشباب الواسعة، فقد تراجعت قيم ومعاني العمل الطوعي وتم استبدالها بالآليات الرامية إلى تحقيق المنافع الخاصة عبر تأسيس منظمات أهلية وانتشار ظاهرة "الدكاكين"، علماً بأن بعضاً منها كان يستند إلى فلسفة العمل الأهلي ولكن هناك نسبة أخرى فكرت بضمان آليات من الارتزاق على حساب مفاهيم المشاركة والطوعية.

يعتبر الشباب بمثابة القوة الرئيسية التي يجب الاستثمار فيها باتجاه التمكين والتطوير وزيادة القدرات، لكن هذه القيم الفريدة تعرضت إلى التقويض والهدر بعد أن تراجع الاهتمام بالتعليم والاعتماد على التلقين وثقافة النقل وعدم تحيكم العقل، كما تراجعت مفاهيم الانتماء في ظل فقدان النموذج السياسي أو الاجتماعي، الأمر الذي ترك الشباب فريسة للقوى السياسية المتنافسة ولنزعاتهم الذاتية في ظل ثقافة البحث عن الذات والخيار الفردي.

وعليه، ففي الوقت الذي شكل الشباب عنواناً للنهوض الوطني والبناء الديمقراطي إبان الانتفاضة الأولى، أصبحوا بعد ذلك أداة من أدوات التوتر والاحتقان بين القوى الرئيسية المتنازعة على السلطة، حيث ساعد ذلك انسداد فرص العمل وزيادة نسبة الفقر، الأمر الذي دفع الشباب للبحث عن خيارات الانتماء للتوظيف في إطار مؤسسات السلطة والمعارضة، حيث أصبحوا وقوداً للاقتتال بعد ذلك، ومن بقي منهم يواجه مصيره في ظل هذا الواقع المرير، بدأت تغزوه ثقافة راديكالية، وبدأ يُعجب بالنموذج الداعشي كوسيلة للثأر من الظروف التي عطلت مسار حياته، وبدأ يطمئن إلى أن هذال النموذج هو سبيله للعيش الذي طالما تمنى أن يحيا في ظلاله.

أدت عوامل كثيرة دوراً في تقهقر حالة الشباب في قطاع غزة، ودفعهم نحو الانعزالية والعزوف عن المشاركة أو البحث عن الخيارات الذاتية عن طريق السعي المحموم نحو الهجرة، تعكس فقدان الثقة والأمل بالمستقبل وغياب ثقافة الصمود والانتماء الوطني والبقاء في الأرض والنضال لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لصالح الشباب وباقي الفئات الاجتماعية الأخرى، كما تعكس صعوبات وتحديات الحياة بسبب ازدياد نسبة البطالة والتي وصلت إلى مستويات قياسية، حيث تشهد الحالة الاقتصادية تدهوراً واضحاً بسبب سياسات الاحتلال والحصار وتدمير البنية التحتية، بفعل الحروب المتتالية على غزة، الأمر الذي دفع العديد من الشباب للتفكير بالهجرة، وتنفيذها فعلياً، علماً بأن بعض من هؤلاء الشباب يعتبرون من العناصر الريادية في ميدان العمل الاجتماعي ومن نشطاء العمل الأهلي، حيث اختاروا أن يركبوا البحر ويتعرضوا لكل المخاطر، ومات الكثيرون منهم دون أن نعرف لهم قبوراً، في ظل الصراع على السلطة، وضعف ثقافة التسامح وتقبل الآخر وانسداد آفاق العمل عبر زيادة نسبة البطالة، إضافة للمشكلات والتحديات على مستوى الصحة والتعليم والبنية التحتية والمياه .. إلخ، ناهيك عن استمرار الاحتلال والعدوان والحروب والحصار المفروض علي قطاع غزة.

لا يمكن العمل على وقف التدهور والمساهمة باستعادة المبادرة من جديد فيما يتعلق بقطاع الشباب، بدون العمل على إقناعهم باستعادة الثقة بالوطن والمجتمع والحركة السياسية والمسيرة الوطنية، وعليه يجب أن تتركز أولويتنا الوطنية في ترتيب البيت الداخلي وإنهاء حالة الانقسام والعمل على بناء مؤسسة وطنية جامعة وتعزيز آلية الانتخابات الدورية والتداول السلمي للسلطة والسماح بحرية النشر والرأي والتعبير وضمان الحق بالتجمع السلمي هذا إضافة إلى ضرورة تطوير مناهج التعليم وتعزيز عملية التفكير العقلاني النقدي بعيداً عن التلقين الميكانيكي غير الخلاق.