خبر الانتخابات الإسرائيلية ... أزمة حكم لا أزمة حكومة

الساعة 01:14 م|03 ديسمبر 2014

مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية

قرر نتنياهو، أول أمس، العمل على حل الكنيست التاسعة عشر والذهاب لإجراء انتخابات عامة جديدة، بعد أن أقال وزيري المالية والقضاء من حكومته (لبيد ولفني)؛ الأمر الذي يبدو غريباً جداً، فكيف لرئيس حكومة لم يمض على حكومته أكثر من عشرين شهراً وتبقى لها في الحكم حسب القانون قرابة ثلاثة سنوات، حيث كان من المفترض نظرياً ان تجرى الانتخابات في أكتوبر 2017؛ أن يبادر بحل حكومته؟، انه لأمر مستغرب، رغم كونه متوقعاً وغير مفاجئ للمتابعين، فهو من جهة مستغرب حيث ان نتنياهو يتخلى عن حكم مضمون ويذهب للمجهول على الرغم من التوقعات الكبيرة بعودته، لكنه مع ذلك يغامر لأن ثمة دوماً احتمالات للمفاجآت الانتخابية، حتى لو كانت محدودة في أبعادها وتأثيراتها، وحيث ان حكومته كانت تقريباً بدون معارضة حقيقية وفاعلة من شأنها ان تهدد الائتلاف أو ان تؤثر سلباً على أداء الحكومة، كما ان ائتلافه كان منسجماً الى حد بعيد فيما يتعلق بقضايا الحكم الرئيسية (السياسة والأمن والاقتصاد والحريات)، والاختلافات الوحيدة كانت في الأسلوب وليس في المضمون، وهذا ما يجعل المتابعين الاسرائيليين لا يجدون تبريرات وأسباباً حقيقية أدت لانفراط عقد الائتلاف سوى أسباب تتعلق بالجوانب الشخصية والسيكولوجية الخاصة بنتنياهو (برانويا) جنون الشك والارتياب.

لكن من جهة ثانية؛ فإن انهيار الائتلاف الحكومي وانفجار أزمته كان متوقعاً، ليس على خلفية وجود أزمة حقيقية تتعلق بقضايا كبرى لا يمكن الجسر بين مواقف أطراف الائتلاف منها، بل على خلفية وجود الكثير من الأزمات الحزبية الداخلية والهويات الأيديولوجية وغياب الثقة الشخصية، لكن أبرزها كان أزمة القيادة، عدم قدرة نتنياهو على إدارة الائتلاف الحكومي، وعدم قدرته على إقناع الليكوديين بزعامته لهم، إضافة لعدم قدرته على فرض زعامته على المعسكر اليميني، مما فرخ أزمات ثانوية (أزمة انتخاب رئيس بلدية القدس، حيث لم يستطيع ان يحسم موقفه بتبني مرشح "الليكود"، وأزمة انتخاب رئيس الدولة  الليكودي ريفلين، حيث ظهر انه ضد انتخابه نتيجة لحساسيات شخصية، واستقالة جدعون ساعر، الرجل الثاني في "الليكود" على خلفية نفوره من نتنياهو، إضافة لأزمته مع ليبرمان الذي بات يعلن انه لا يثق به وينافسه على زعامة المعسكر اليميني، وكذا أزمته داخل حزبه)، وكل تلك الأزمات هي انعكاس لأزمة كبيرة، هي أزمة حكم في ظل ذوبان الهويات الأيديولوجية.

 

أزمة حكم وليست أزمة حكومة

أزمة الحكومات تنتهي بتغيير الحكومة عبر تغيير الائتلاف أو عبر انتخابات عامة، وهذا ما لم تستطع الانتخابات الاسرائيلية المتتالية علاجه على مدار العقد الأخير، وبات المشهد الانتخابي الاسرائيلي معقداً ومحيراً، تغيب عنه البرامج ويحضر النجوم الأفراد، تتحطم فيه قوى كانت مركزية، وتسيطر على المشهد أحزاب نشأت للتو تتمحور حول شخصية النجم الزعيم، وحضور ديكتاتورية الفرد بديلاً للديمقراطية الداخلية (حزب ليبرمان وحزب لبيد وليفني وحزب بينيت وحزب كحلون الجديد وديكتاتورية نتنياهو داخل حزبه وكل الاحزاب الدينية)، ولم يبقَ من الأحزاب التي تراعي أصول الديمقراطية الداخلية سوى حزبي "العمل" و"ميرتس"، أي ان المشهد الحزبي في إسرائيل يعود الى ما هو أسوأ مما كان قبل عقود، حيث سيطرت ديكتاتورية اللجنة الحزبية العليا، واليوم ديكتاتورية الزعيم الأول، وكانت المعايير حزبية وايديولوجية، أما اليوم فالمعايير تتراوح ما بين النجومية والعلاقات الشخصية مع الزعيم.

إنها أزمة حكم ظهرت بشكل جلي عندما حطم شارون حزب "الليكود" وأنشأ "كاديما" وعندما حطم بيرس وباراك حزب "العمل"، وعندما تحطمت الأيديولوجيات السياسية والاجتماعية، الاجتماعية لصالح الرأسمالية والخصخصة، فلم يعد ثمة مبرر ليسار اجتماعي، وبات الجميع بلون اجتماعي واحد، واستبدلت الأفضليات الطبقية بأفضليات قطاعية (قطاع الروس وقطاع الطبقة الوسطي وقطاع المتدينين وقطاع المستوطنين)، وتحطمت الأيديولوجية السياسية لصالح أيديولوجية لوبي المستوطنين، حيث باتت كافة الأحزاب تقريباً تستقيم معها وتتهرب من إعلان هويتها السياسية مفضلة منهجية رد الفعل المتناسب مع الظرف والمزاج السياسي، مع مراعاة ضابط تخليد الأمر الواقع جوهرياً، والتمايز في شكلية الخطاب (حزب "العمل" وحزبي لبيد وليفني)، مما يجعل التنافس على البرامج السياسية بين كافة الأحزاب تنافس على المفردات واللغة، لغة الخطاب السياسي وليس على مضمون البرامج؛ الأمر الذي يضطرها للبحث عن حلبات تنافس أخرى فلا تنجح، مما يجعل المنافسة تنحصر على شخصية زعيم الحزب، فالناخب الاسرائيلي لم يعد يكترث ببرامج الأحزاب، وينصب تفكيره على زعيم الحزب الذي سيمنحه ثقته، حتى انه لا يهتم ببقية أسماء القائمة الحزبية المرشحة، والأحزاب من جهتها تدرك المكانة الكبيرة للنجم القائد، فتركز حملتها الانتخابية على شخصيته وعلى قدراته القيادية.

ومن تعبيرات أزمة الحكم أيضاً غياب المعارضة التي يفترض ان تشكل بديلاً للحكم القائم، وليس أدل على ذلك من أن أي حزب لا يستطيع ان يعد جمهوره انه لن يجلس في حكومة برئاسة نتنياهو، أي انهم عملياً يرون أنفسهم جزءاً من أي ائتلاف حكومي قادم لقناعتهم بعدم وجود فوارق حقيقية تمنعهم من الجلوس معاً تحت سقف حكومة واحدة، باستثناء حزب "ميرتس"، فضلاً عن ان غياب الهويات السياسية والاجتماعية  وظهور الاصطفافات الشخصية أدى الى غياب الحزب الكبير القادر على ان يشكل العمود الرئيسي لأي حكومة، وظهور الأحزاب القطاعية وسطية الى صغيرة الحجم، مما خلق حالة من الفسيفساء الحزبية تعكس الانقسامات الاجتماعية داخل المجتمع الإسرائيلي الذي بات أشبه بمجتمع أقليات.

مع استمرار أزمة الحكم فمن المستبعد ان تؤدي نتائج الانتخابات القادمة الى استقرار حكومي أو الى انتهاء الأزمات التي عانت منها الحكومات السابقة، لا سيما في ظل المتوقع من الانتخابات، عودة نتنياهو كزعيم لليكود ولبيد وليبرمان وليفني وبينيت مضافاً إليهم موشيه كحلون، فالانقسامات ستزداد وستكون الخيارات إما حكومة ضيقة (يمين وأصوليين) ومعارضة قوية، أو حكومة موسعة تشمل غالبية المكونات الحزبية وستكون حكومة شلل على كل المستويات، ونحن نرجح خيار الحكومة الموسعة التي ستضم المتدينين.

 

التاريخ يكرر نفسه

منذ إقالة وزراء حزبي "الحركة" و"يوجد مستقبل" فإن الحكومة القائمة حتى ربما شهر يونيو 2015 ستكون حكومة انتخابات مرحلية يسيطر عليها "الليكود" و"البيت اليهودي" وحزب ليبرمان، وهي تأتي في مرحلة سياسية ذات أهمية خاصة بالنسبة للفلسطينيين، حيث التوجه لمجلس الأمن، مرحلة تشبه الى حد كبير نوفمبر 2012، حيث توجه الفلسطينيون لنيل عضوية الأمم المتحدة عندما سيطرت في إسرائيل حكومة انتخابات، فكأنما التاريخ يعيد نفسه، الأمر الذي قد يعكس نفسة إيجاباً على الساحة الدولية، حيث توجد في اسرائيل حكومة متطرفة بدون ورقة تين (ليفني ولبيد)، ولكنه سيعكس نفسه بمزيد من التطرف الإسرائيلي، حيث ان نتنياهو الذي يطمح بالمنافسة على أصوات اليمين سيجد نفسة اضطراراً وطواعية يتبني مواقف متشددة قد تجد تعبيراتها في الاعلان عن المزيد من العطاءات الاستيطانية أو فرض عقوبات مالية، والمزيد من السياسات الاحتلالية البطشية.

أما على صعيد العلاقة مع قطاع غزة؛ فسينظر اليها نتنياهو بحساسية عالية، فهو من جهة لا يريد للقطاع أن يؤثر سلباً على برامجه الانتخابية، ولا يريد ان يذكر الناخب بفشل عدوانه عن تأمين الهدوء لمستوطنات "غلاف غزة"، لذلك ربما سيسعى الى شراء الهدوء مقابل تسهيلات، وسيوجه الجيش لاحتواء أي أزمة، لكنه من جهة أخرى سيهدد بصوت عالٍ إذا ما حدث أي خرق للتهدئة.

نتنياهو، الذي استخدم في الانتخابات السابقة شعار "نتنياهو قوي ضد غزة"، سيحاول أن يغيب غزة عن شعاراته الانتخابية، وسيتحدث أكثر عن يهودية الدولة وإيران وحزب الله و"الإرهاب الإسلامي".