خبر عن «يهودية» إسرائيل والمشروع الوطني الفلسطيني.. كتب: إياد مسعود

الساعة 06:28 ص|03 ديسمبر 2014

القول إن «مشروع قومية إسرائيل» الذي تبنته حكومة نتنياهو أخيراً، جاء ليشرع ما هو قائم، لا يكفي للتدليل على خطورة هذا المشروع ومدى انعكاسه على بنية اسرائيل، وعلاقاتها الداخلية وعلى مجرى الصراع في المنطقة، ومستقبل القضية الفلسطينية.

- فالمشروع قام على اعتبار فلسطين وطناً قومياً لليهود وحدهم (خلافاً لقرار التقسيم رقم 181 المتخذ في 29/11/1947 والذي كان قد رفضه الفلسطينيون والعرب آنذاك).

- كما قام على أن لليهود وحدهم حق تقرير المصير على أرض «وطنهم»، (خلافاً لقرارات الشرعية الدولية التي اعترفت للشعب الفلسطيني بحقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة).

- ونص على ان اسرائيل هي وطن الشتات اليهودي في العالم وحده دون غيره. (خلافاً للقرار 194 الذي نص على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هُجّروا منها العام 1948).

- ونص كذلك على أن العبرية هي اللغة الرسمية الوحيدة في البلاد، في محاولة جديدة لنفي الشعب الفلسطيني باعتباره قومية وتاريخاً وحضارة وثقافة وإرثاً إنسانياً. فاللغة هي أداة التعبير عن هذا كله، ونفيها مقدمة لنفي ما ينتج عنها.

- واعتبر «الرزنامة العبرية» هي مرجعية المناسبات الدينية والوطنية اليهودية في خطوة تستكمل نفي الشعب الفلسطيني, ونفي ذاكرته، وحقه بالاحتفال بأعياده الوطنية والدينية والقومية، وتحويله من شعب إلى مجرد أفراد، بلا هوية، يسهل تذويبهم في المحيط المحلي، واكسابهم ثقافة بديلة، ولو مشوهة، في حل كما يبدو- للأزمة التاريخية للحركة الصهيونية التي ما زالت ترى في الوجود الفلسطيني داخل إسرائيل- وكما قال مؤتمر هرتسيليا عام 2001- قنبلة موقوتة، وطابوراً خامساً، يعمل لصالح أعداء اسرائيل من فلسطينيين وعرب.

- والأهم من هذا، أن نتنياهو، اشترط لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، أن يعترفوا بيهودية الدولة الاسرائيلية، ما يعني أن يعترفوا، ليس فقط بحق اسرائيل في الوجود، بل وكذلك بشرعية المشروع الصهيوني ولا شرعية المشروع الوطني الفلسطيني، والتراجع عن هذا المشروع، والقبول بالحل الاسرائيلي للصراع بما في ذلك الاعتراف بأن الضفة الفلسطينية، هي أرض عبرية، جرى «تحريرها» في حرب العام 1967، وأن القدس هي في الواقع «يروشلايم»، العاصمة الأبدية للدولة الاسرائيلية. أي بتعبير آخر، إعادة صياغة تاريخ المنطقة، ونفي الرواية الفلسطينية والقومية العربية، لصالح الرواية الصهيونية المبنية على الأساطير والخرافات التوراتية.

وإذا كان مطلوباً البحث عن تعريف لهذا الانقلاب المطلوب تماشياً مع قانون القومية اليهودية، فلعل أفضل تعريف هو الاستسلام الفلسطيني والعربي الكامل أمام المشروع الصهيوني والتسليم بمشروعيته السياسية والتاريخية.

الغريب أن هذا التطور، يريد نتنياهو أن يقحمه في المشهد السياسي في المنطقة، في الوقت الذي تعيش فيه الحالة الفلسطينية وضعاً ناهضاً ومتقدماً. فبعد الصمود الاسطوري في قطاع غزة ضد حملة «الجرف الصامد» الدموية، تهب القدس الشرقية المحتلة في ثورة شعبية، تأخذ طابع الأعمال الفردية في الجانب المقاوم، وتأخذ طابع العمل الجماعي في الصدام مع الشرطة والمستوطنين، ما يبشر، حسب تقديرات عدة، بتطورات عاصفة قد تشهدها عموم الضفة الفلسطينية، خصوصاً، إذا ما توصلت القيادة السياسية الفلسطينية إلى توافقات وطنية حول طبيعة الاستراتيجية السياسية الفلسطينية للمرحلة القادمة، يكون بمقدورها تحشيد القوى في الميدان، وكذلك إعادة تحشيد الدور العربي والتأييد الاقليمي والدولي في المحافل السياسية والقانونية الدولية، ومنها محكمة الجنايات الدولية، ومحكمة لاهاي العليا.

في هذا السياق، يفترض أن يكون واضحاً، في الحالة الفلسطينية أن رفض الاعتراف بيهودية اسرائيل، لا يقوم على خلفية في العداء للدين اليهودي، بل بالنظر إلى «اليهودية» باعتبارها «قومية انعزالية، عنصرية، تقوم على الغزو الاستيطاني، أداتها المشروع الصهيوني الاحلالي التدميري للمجتمع الفلسطيني». التمييز بين اليهودية كديانة، واليهودية كقومية موقف يخدم المشروع الوطني الفلسطيني ويسحب البساط من تحت أقدام اليمين واليمين المتشدد الاسرائيلي، ويقطع الطريق على محاولات تل أبيب تحويل الصراع من صراع سياسي قومي، تخوضه حركة تحرر وطني فلسطينية، لأجل أهداف تنطلق من القيم والمفاهيم الإنسانية، وتلتقي وقرارات الشرعية الدولية والقوانين الدولية والإنسانية، إلى مجرد صراع ديني، يوسع المجال أمام إسرائيل لوصم النضال الفلسطيني بالإرهاب. خاصة في ظل مرحلة توسعت فيها عمليات تشويه الاسلام سياسياً.

خطوات ثلاث نعتقد أن على القيادة الفلسطينية الأخذ بها في الرد على مشروع القومية اليهودية:

الأولى رفض الاعتراف بهذا القانون، ورفض كل أشكال الابتزاز، لأن ذلك يعيد صياغة أسس الصراع وآلياته ومخرجاته، مما يستدعي في السياق إعادة النظر بالاعتراف الفلسطيني بإسرائيل في 9/9/1993، عشية التوقيع على اتفاق أوسلو؛ خصوصاً بعد أن أعادت إسرائيل تعريفها لنفسها. في السياق، شن أوسع حملة دبلوماسية تدعو المجتمع الدولي إلى إعادة النظر بالاعتراف بإسرائيل، على خلفية تعريفها الجديد القائم على العنصرية.

الثانية رفض مبدأ تبادل الأرض، لأنه قد يجر، كما يعلن أكثر من مسؤول إسرائيلي، إلى تحويله إلى مبدأ آخر هو «تبادل الأرض والسكان» خاصة بعد أن يصبح الفلسطينيون داخل إسرائيل رقماً زائداً يتوجب المبادلة بينه وبين المستوطنين في الضفة الفلسطينية.

الثالثة التمسك بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هُجّروا منها العام 1948. فهذه العودة، وما تحدثه من تعديل في الميزان الديموغرافي، وتالياً السياسي، هي المدخل لإعادة النظر بالمنظومة القانونية للكيان الصهيوني، وتفكيك هذه المنظومة، مقدمة لتفكيك هذا النظام العنصري وإعادة بنائه على أسس ديمقراطية تلغي المشروع الصهيوني لصالح مشروع ديمقراطي، علماني، يعيد بناء الكيان، دولة لكل مواطنيها.