خبر هكذا انهارت ديمقراطية الشعبية -يديعوت

الساعة 11:03 ص|01 ديسمبر 2014

بقلم: سيفر بلوتسكر

(المضمون: الدستور المتذاكي، مهما كانت صياغاته عظيمة، فانه ليس فقط لا يساعد في الصراع ضد نقص شرعية الحكم، النظام والدولة، بل يجعل الامر صعبا عليه. فهو لا يعزز، بل يضعف. خذوا تجربة الديمقراطيات الشعبية في اوروبا الشرقية - المصدر).

 

عندما سيطرت الاحزاب الستالينية على شرق اوروبا وبخلاف تام مع "اتفاقات يالطا" بين الاتحاد السوفييتي، الولايات المتحدة وبريطانيا، انتهجت هناك نظاما شيوعيا احادي الحزب، صاغت في كل دولة دستورا جديدا. وقد كتبت الدساتير بلغة حذرة وباستثناء واحدا لم تظهر فيها تعابير مثل "دكتاتورية البروليتاريا". وقد شددت الدساتير بشكل لا بأس به على الديمقراطية، مع اضافة النعت "الشعبية"؛ المانيا الشرقية مثلا تبنت في حينه اسم "الجمهورية الديمقراطية الالمانية".

 

وتقرر في الدساتير اياها بان صاحب السيادة في الدولة هو الشعب، اي الطبقة العاملة، الفلاحين والمثقفين العاملين؛ واودع حفظ الديمقراطية في ايديهم. وفي بعض الدساتير- ولا سيما في دساتير المانيا الشرقية، بولندا وتشيكوسلوفاكيا – ذكرت بغموض ايضا الحقوق المدنية، ولكن لم يتقرر في اي منها حرية التعبير عن الرأي والمساواة امام القانون.

 

الدساتير الاولى لدول الكتلة السوفييتية في اواخر الاربعينيات وبداية الخمسينيات، والتي أقرها ستالين، لم تعجب الجيل الثاني من الحكام في هذه الدول. فقد بدت لهم رقيقة جدا، ملتبسة

 

جدا، لا تعبر بحزم كاف عن الطابع الاشتراكي الذي لا مرد له للانظمة الديمقراطية الشعبية، بل واعتقد رجال الدعاية المهنيين في احزب السلطة، في السبعينيات القاسية بان من المجدي لهم أن يحركوا مسيرة نقاش علني على مزايا الاشتراكية الشعبية ليخلقوا بذلك صورة حرية الرأي.

 

ولم ينجح الامر: فالمثقفون الذين اخذوا الامور ببساطتها، وتجرأوا على الاعراب عن تحفظهم الحاد على صياغات الدساتير الجديدة – فرضت عليهم الرقابة، اسكتوا والقي بهم في السجون. والعمال، الذين اضطروا الى المكوث ساعات اضافية في الطوابير للخبز، للزبدة وللسجق، ردوا على مدولات الدستور الجديد بهزء وغضب.

 

ومن الدساتير الجديدة التي اقرت في السبعينيات بالاغلبية المتوقعة 99 في المئة، شطب بشكل عام كل ذكر، حتى وان كان غير المباشر والمتلعثم، لحقوق المواطن. واعطي فيها دور سلطوي حصري للاحزاب الاشتراكية، ووصف شكل الحكم بانه مركزي ديمقراطي. وجاء فيها ان القرارات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والايديولوجية الجوهرية تتخذ من فوق، في القيادة، في اللجنة المركزية للحزب، وتهبط من هناك الى الاسفل، الى الشعب الذي لا يمكنه أن يشكك فيها بل ان يتكيف معها فقط.

 

ومع نهاية السبعينيات كانت هناك قد تحققت الدساتير الجديدة، الاشتراكية الطاهرة، بشدة في كل الكتلة السوفييتية. بعد سبع – ثماني سنوا من ذلك انهار، كبرج ورقي، النظام الاشتراكي، ومعه دفنت الدساتير الشيوعية. لم يتبقَ منها شيء؛ في القوانين الاساس للدول ما بعد الشيوعية، حلت كلمة "الديمقراطية"، بدون اضافات، تزيينات وكلمات نعت، محل الديمقراطية الشعبية المركزية.

 

في نظرة الى الوراء يدعي اليوم المؤرخون الشباب في شرق اوروبا بان بالذات الرغبة في ترسيخ الحكم الشيوعي من خلال فرض دستور جديد شق عميقا ثقة نشطاء الحزب الاكثر اخلاصا. والتجربة البائسة في "الديمقراطية الشعبية قيد العمل" رفعت الى السطح الاغتراب التام بين الشعب وبين الحاكمين باسم الشعب. فنسبة المؤيدين للدساتير، قبل ان تزور نتائج التصويت، لم تجتز 20 في المئة. فضلا عن ذلك، فقد تسربت النتائج الحقيقية الى الاذاعة الغربية "صوت اوروبا الحرة" بثت واحدثت نزع شرعية نهائي للانظمة الشيوعية في شرق اوروبا. وبدلا من تثبيتها، فان الدساتير الحازمة سرعت فقط نهايتها. سبع سنوات فقط مرت بين اقرار الدساتير وانهيارها.

 

وأترك للقراء استخلاص النتائج – اذا كانت توجد كهذه على الاطلاق – من الفصل المنسي قليلا في التاريخ السياسي الشرق اوروبي كما روي هنا. كل قارىء حسب فكره. انا شخصيا يبدو ان درسا عمليا واحدا جدير بالاستيعاب. الدستور المتذاكي، مهما كانت صياغاته عظيمة، فانه ليس فقط لا يساعد في الصراع ضد نقص شرعية الحكم، النظام والدولة، بل يجعل الامر صعبا عليه. فهو لا يعزز، بل يضعف.