خبر قانون يهودية الدولة بين الجدل الإسرائيلي والعجز الفلسطيني

الساعة 07:25 ص|01 ديسمبر 2014

أطلس للدراسات

"للأسف الشديد ان محاولات تشويه وتشويش وثيقة استقلال إسرائيل لصالح مصلحة سياسية؛ تسلخنا وتبعدنا عن هذه الوثيقة، وعن قيم محبة الآخر، والجدل الدائر حول قانون القومية هو جدل فائض عن الحاجة السياسية ومشاحنة زائدة في غير محلها وليست ضرورية، وقد تجرنا الى الحرب الدينية" هكذا تحدث شمعون بيريس الرئيس الاسرائيلي السابق عن مشروع نتنياهو المتعلق بقانون يهودية الدولة.

وأضاف بيريس ان "أقلية متطرفة تقوم بإبراز جوانب عنصرية سامة باسم الدين"، ودعا إلى القيام بما هو ضروري لمنع اندلاع صراع ديني متحججاً بأن "مشروع هذا القانون لن يؤدي الى إخفاض اللهب ولا يقرب السلام ولا يؤمن مستقبل إسرائيل"؛ هذا إذاً موقف أحد السياسيين المخضرمين في دولة الكيان مما أسماه قانون يهودية الدولة الذي نسبه الى نتنياهو وأقلية من المتطرفين الذين قد يجرون اسرائيل الى حرب دينية، وفي الكثير من المقالات والتحليلات فإن هناك محاولات عدة لثني نتنياهو عن مشروع قانونه العنصري، والذي قد يزيد من عزلة اسرائيل على الساحة الدولية، ويشكل خطراً على النموذج الديمقراطي الأرقى الذي تمثله اسرائيل في الشرق الأوسط، فهو القانون – من وجهة نظر هؤلاء – الذي سيحول إسرائيل الى دولة عنصرية تقوم بالتطهير العرقي، حتى ان الرئيس الاسرائيلي الحالي رؤوفين ريفلين انتقد القانون، واعتبر انه لعبة في يد أعداء اسرائيل الذين يسعون الى تشويه سمعتها.

رئيس الشاباك الأسبق كرمي غيلون قال خلال مظاهرة احتجاجية ضد مشروع القانون ان "زمرة من المهووسين بإشعال النار وتديرها ذات منحرفة تقود دولة إسرائيل للدمار اليوم، وقانون القومية هو سرطان في هذه الأمة، بكل مواطنيها"، مشيراً إلى أن "استمرار الأنشطة المتطرفة في جبل الهيكل ستقود إلى حرب يأجوج ومأجوج، إلى حرب للشعب الإسلامي كله ضد الشعب اليهودي كله، ونتنياهو ورفاقه في اليمين يمثلون اليوم انتحاريي متسادا"، في إشارة إلى رجال القلعة الذين قرروا الانتحار الجماعي.

أما المؤيدين للقانون، والذين وصفهم بيريس بالأقلية المتطرفة، فهم يؤكدون ان القانون لن يمس بالأقليات القومية في اسرائيل ولن يجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية، وكأنهم الآن من الدرجة الأولى، وقد سارع نتنياهو الى الاجتماع برؤساء الطائفتين الدرزية والشركسية لنفس الغرض – فقد أبدت بعض العائلات الدرزية التي فقدت أبناءها في حروب اسرائيل معارضتها للقانون - ولم يسمّ هؤلاء ولم يذكروا فلسطينيي الـ 48 ولم يهدئ أحد من روعهم، وكأن في ذلك إشارة الى انهم هم المستهدفون من مشروع هذا القانون، ومن ينظر الى أوضاع هؤلاء منذ قيام دولة الكيان يعرف يقيناً انهم هم المستهدفين من سن مثل هذا القانون، ولا أدل على صحة هذا التفسير من عنوان مشروع ليبرمان الجديد للسلام الذي أطل برأسه في اليومين الأخيرين، والذي يقترح فيه تبادل الأراضي والسكان ليتسنى له الاعلان عن يهودية الدولة من ناحية، والاحتفاظ بمستوطنات الضفة من ناحية أخرى، والتخلص من شوكة الفلسطينيين التي تقف في حلق اسرائيل منذ قيامها.

إذاً فهل سينجح نتنياهو والأقلية المتطرفة – كما وصفها بيريس – في تمرير هذا القانون؟ لا يمكن التنبؤ جزماً بذلك، ولكن في حال أصبح هذا القانون نافذاً فما هي آثاره على الفلسطينيين في الـ 48؟ وما هي انعكاساته على المفاوضات مع الفلسطينيين؟ وهل للمقاومة الفلسطينية يد يمكن أن تلعب دوراً في ساحته؟

يأتي تبني نتنياهو لمشروع القانون وفقاً لاتفاق ائتلافي بين حزبي "الليكود" و"البيت اليهودي" في ولاية الكنيست الحالية متعلق بسن مشروع قانون أساس: إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي، وقد طرح هذا المشروع على الدورة الـ 18 للكنيست الحالية استناداً الى صيغة بلورها "مركز الاستراتيجيات الصهيونية"، وحظي حينها بموافقة ثلث أعضاء الكنيست، ولا بد من القول ان مشروع القانون المقترَح يعمّق التمييز بين اليهود والفلسطينيين في إسرائيل جهاراً، لا بل انه يقوم بتثبيت هذا التمييز وترسيخه، قانون يهودية الدولة هو حالة واضحة المعالم تنحاز فيها القاعدة القانونية ذاتها، وعلى رؤوس الأشهاد، لصالح مجموع الاغلبية على حساب الاقلية الفلسطينية، وترسخ بنوده قانونياً التمييز الرسمي الصريح والمعلن تجاه الفلسطينيين، ويكرس المكانة القانونية المتدنية للمواطنين الفلسطينيين وتقوض مكانتهم وتنتقص من شرعية حقوهم القومية واليومية.

أما على مستوى المفاوضات مع الفلسطينيين؛ فيخلص القانون في حال إقراره الحكومة الصهيونية من فكرة حق العودة كلياً أو جزئياً أو حتى بأعداد رمزية يمكن ان يتم الاتفاق عليها في إطار المفاوضات، ومن هنا يتعارض القانون مع قرار الأمم المتحدة المتعلق بحق العودة للفلسطينيين، كما انه يتعارض مع قرار التقسيم الذي ربما تجاوزته مراحل المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي على أساس فكرة تبادل الأراضي وتعديل الـ 67.

بناءً على ما سبق في الحديث عن الوضع الاسرائيلي الداخلي المتعلق بمخاوف بعض المستويات السياسية في اسرائيل من ان يجر هذا القانون إسرائيل الى حرب دينية مع الفلسطينيين، وخوفهم من بهوت صورة اسرائيل الديمقراطية على الساحة الدولية، وربما خشيتهم من ان تزداد عزلتها دولياً بسببه، وربما علم هذا البعض المسبق بأن طرح هذا القانون في مثل هذا التوقيت بالذات (حيث ارهاصات حرب دينية في القدس) ما هو إلا محاولة من قبل نتنياهو لرفع رصيده الانتخابي؛ ربما يجعلهم ذلك يضغطون باتجاه تأجيله لوقت مناسب أكثر من الوقت الحالي، وإلا فإن نتنياهو وائتلافه في حال اقتناع جميعهم بجدواه يمتلكون الأغلبية البرلمانية لتمريره.

فلسطينياً، وعلى مستوى من يتبنون استراتيجية المفاوضات، فليس أمامهم الا ضم هذا التوجه الاسرائيلي الى قائمة الاحتجاجات والشكاوى التي قد يتوجهون بها الى الأمم المتحدة، حيث يفغر الفيتو الأمريكي فاه في انتظار قدومهم، أما على مستوى المقاومة فلا نظن ان هذا الأمر سيجعلهم يتحركون عسكرياً تجاه المواجهة، فذلك لا شك سيكون دون جدوى على مستوى التأثير أو الضغط على إسرائيل لتغير من موقفها بهذا الخصوص، والمطلوب فلسطينياً في مثل هذا الوضع وكل الاوضاع المحيطة بقضيتنا التوافق على استراتيجية وطنية، تستثني المصالح التنظيمية والحزبية أو الشخصية، تكون قادرة على التصدي من خلال صيغة متفق عليها لجميع