خبر على خط التماس بين العنف والاندماج - هآرتس

الساعة 11:50 ص|28 نوفمبر 2014

ترجمة خاصة

على خط التماس بين العنف والاندماج - هآرتس

بقلم: نير حسون

(المضمون: نظرة الى مزاج عرب القدس تبين تعزز الوطنية الفلسطينية ولكن ايضا الارتباط المتعاظم بشطرها الغربي. في المدينة يصعب تفسير اندلاع العنف - المصدر).

عندما وصل جرحى العملية في الكنيس في هار نوف قبل اسبوع ونصف الى مستشفى هداسا عين كارم عالجهم ايضا د. عبد خلايلة، الجراح الكبير في المستشفى. وفقط عندما خرج من غرفة الصدمة تبين له بان المخربين اللذين نفذا العملية جاء من قرية سكنه ومكان ولادته – جبل المكبر. "تمزق قلبي للتفكير بهؤلاء الجرحى"، يقول. د. حليلة، ابن 41، من كبار الجراحين في هداسا، أنقذ حتى اليوم حياة الكثيرين. وفي الحديث معه يرسم صورة اخرى عن تلك التي ترتسم في الصحافة عن جبل المكبر، الذي يعرفه معظم الاسرائيليين كحي للمخربين.

في عائلة حليلة سبعة أخوة، خمسة منهم أطباء او يوشكون على انهاء دراسة الطب. اما الاثنان الاخران فهما مهندسان. "اذا كنت أحصي في الشارع الذي اسكن فيه، دون أن ابالغ يوجد سبعة اطباء"، يقول ولكن يذكر ايضا بان ذات الشارع هو شارع بلا رصيف، مثل معظم شوارع شرقي القدس. وضد منزل أبيه يوجد أمر هدم. هو يحمل جنسية اسرائيلية، ولكن بسبب مشاكل بيروقراطية فان اثنين من خمسة ابنائه بلا جنسية. "ما الفرق بيني وبينك؟ أنا لا أستثمر؟ لا اعمل؟ لا اساهم كفاية في المجتمع؟ عندها تبدأ بطرح الاسئلة على نفسك، أين مكاني؟ اريد أن اعمل واربي اولادي، ولكن من جهة اخرى أنا فلسطيني وتوجد لي التزامات تجاه مجتمعي. معظم الناس يريدون أن يتلقوا ما يستحقونه وأن يعيشوا حياتهم". المعاضل التي يطرحها حليلة لا تقلقه وحده، بل تقلق كل فلسطيني في شرقي القدس تقريبا.

في الاشهر الاخيرة يعرض عرب القدس عبر منشور واحد – هو منشور العنف. ولكن صورة المجتمع في شرقي القدس اكثر تعقيدا من عدد العمليات ومن اجمالي الحجارة التي يرشقها اطفالها نحو الشرطة. نظرة عميقة لهذا المجتمع يمكن أن تكون صادمة، وذلك لانه من جهة يوجد فيه تعزز للنزعة الاسلامية والوطنية الفلسطينية ومن الجهة الاخرى سياقات الاندماج في المجتمع الاسرائيلي والارتباط المتعاظم مع غربي القدس.

ووجدت هذه الظاهرة تعبيرها مثلا في مجال التعليم: في الطلب المتصاعد على تعلم العبرية، البجروت الاسرائيلية (الثانوية) ومؤسسات التعليم العالي الاسرائيلية. في مجال العمل – بالعمال الفلسطينيين الذين ينخرطون ليس فقط في الاعمال البسيطة مثلما في الماضي بل وايضا في الوظائف الاكاديمية، كباعة في محلات الموضة بل وحتى كمستثمرين. كما أن الحظر على طلب المواطنة الاسرائيلية الكاملة، والذي كان يعتبر في الماضي كخيانة، انكسر وهناك ارتفاع في عدد الذين يطلبون جواز السفر الاسرائيلي. كما يمكن أن نرى بعيوننا – في القطار الخفيف، في مراكز المشتريات وفي شوارع وسط المدينة، حيث اختلط سكان القدس في السنوات الاخيرة ربما أكثر من اي وقت مضى في تاريخ المدينة. والفرضية الدارجة فيها هي أن هذه السياقات ترتبط بالقطيعة المفروضة على القدس عن الضفة بواسطة جدار الفصل وبالفترة الزمنية الطويلة – شبه يوبيل من السنين – التي مرت منذ الاحتلال والضم للقدس الشرقية.

عند محاولة شرح الفجوة بين د. حليلة وبين جيرانه، المخربين من عائلة ابو جمل، بين الاسرلة وبين العنف، تطرح تفسيرات مختلفة. التفسير الدارج هو أن سياقات التقارب لا تنبع من فكر ايديولوجي بل من بحث عن الحياة الطبيعية. ومثلما هو المجتمع العربي في اسرائيل اصبح اكثر تعليما واكثر اختلاطا، فان هذا لم يمنعه  ايضا من أن يصبح أكثر "فلسطينية" في فهم هويته. هكذا ايضا في القدس، حقيقة أن الفلسطينيين يعملون ويتعلمون مع الاسرائيليين، يتحدثون العبرية ويطلبون جواز سفر اسرائيلي، لم تجعلهم فلسطينيين اقل.

وفضلا عن ذلك، وبالذات على خلفية التنازل، ظاهرا، من السكان الفلسطينيين وموافقتهم ضمنا، على وضع القدس موحدة، برز أكثر الفارق بين شطري المدينة. واضح أن أحدا من الزملاء اليهود لحليلة في مستشفى هداسا لم يعد الى بيت يوجد في شارع غير معبد، دون رصيف ودون اخلاء منتظم للقمامة. وبالذات التقرب من غربي القدس شدد في أوساط الفلسطينيين الاعتراف بالجور وبالتمييز المؤطر والمستمر من جانب السلطات. ولا بد أن هذا لم يضف لتهدئة الميدان. والى هذه الاحاسيس ينبغي أن تضاف العناصر الاخرى لاندلاع العنف – استمرار التوسع الاستيطاني، الاداء العليل لجهاز التعليم، الفقر وال؟؟؟. على هذه الخلفية يجب أن يضاف عاملان هاما أشعلا او على الاقل شجعا الاشتعال – انهيار المحادثات بين اسرائيل والفلسطينيين مما ترك سكان شرقي القدس بلا افق سياسي وتعاظم الطلب في اسرائيل على تغيير الوضع الراهن في الحرم مما اتخذ صورة التهديد للنقطة الاكثر حساسية.

"هذه قصة قبول الحكم"، يجمل الباحث في المجتمع الفلسطيني، د. هيلل كوهين من الجامعة العبرية، "ولكن حتى لهؤلاء الناس بقيت هناك بقايا لاحترام ذاتي ومشاعر وطنية. فهم مستعدون لان يخفضوا الرأس، ولكن شريطة أن تكون خطوط لا يتم تجاوزها. فمثلا يعرف الجميع بان ليس للمنازل رخص ولكن اسرائيل لا تهدم، وهذا اتفاق غير مكتوب. صفقة غير مكتوبة اخرى وهامة للغاية كانت حول الحرم الشريف والفهم في أن إدارته عمليا تبقى بيد المسلمين. وهم يشعرون الان بان هذا العقد قد اخل به.

"يشعر المقدسيون بانهم وحيدون وان السلطة الفلسطينية تركتهم، وان العالم العربي تركهم وانهم يأخذون مصيرهم في ايديهم"، يقول جواد صيام، رئيس اللجنة الشعبية لوادي حلوة في سلوان ومن الزعماء البارزين في شرقي المدينة. "خذ الشلوي (عبدالرحمن الشلودي، المخرب الذي نفذ عملية الدهس الاولى في القطار الخفيف الشهر الماضي – ن.ح) مثلا. هو ابن 20، يفترض أن يحب الحياة. يفترض أن يكون له أمل. ولكن احدا لم يفكر كم من الضغط مارسوا عليه. قبل بضعة اسابيع من الحدث دخلوا الى بيته، اعتقلوه، ضربوه واهانوا أمه. لا أعتقد أن ما حصل بعد ذلك كان صدفة".