خبر حدود الصبر في غزة ..فهمي هويدي

الساعة 12:19 م|26 نوفمبر 2014

فى حين استطاع قطاع غزة أن يتحدى ويصمد أمام الأعداء، إلا ان مشكلته الكبرى صارت مع الأشقاء. إذ بحلول اليوم (٢٦ نوفمبر) يدخل اغلاق معبر رفح شهره الثانى، ويصل عدد الراغبين فى عبوره لقضاء مصالحهم خارج القطاع إلى ٣٠ ألف شخص حسب اعلان الناطق باسم وزارة الداخلية هناك، ومن هؤلاء ١٧ ألف حالة إنسانية لمرضى أو مصابين بحاجة إلى العلاج. أما معاناة الباقين، الذين قارب عددهم المليونين، وتحول القطاع بالنسبة إليهم إلى سجن كبير فلا حدود لها وحدث فيها ولا حرج، حيث لا يُرى لها حل، بدءا من تدبير احتياجاتهم المعيشية اليومية، وانتهاء بتجاوز معضلة الإعمار وإيواء عشرات الألوف الذين شردهم العدوان الاسرائيلى بعدما دمر بيوتهم.

المدهش والمفاجئ فى الوقت ذاته ان أهل القطاع لا يعرفون لماذا حلت بهم اللعنة بحيث صاروا يتعرضون جميعا للعقاب والإذلال اليومى. صحيح ان وسائل الإعلام لا تكف عن توجيه الاتهامات إليهم وتحميلهم بالمسئولية عن شرور وجرائم كثيرة ارتكبت فى سيناء وفى غير سيناء. صحيح أيضا ان أسماء كثيرين من الرموز والناشطين فى القطاع تداولتها التقارير الإعلامية والدعاوى المرفوعة والتسريبات التى يتلقاها الناس بين الحين والآخر، إلا انهم يستغربون لماذا لم يستقبلوا محققين لتحرى الوقائع المنسوبة إليهم، ومسئولوهم يقولون انه لم يقدم إليهم أى طلب رسمى يدعوهم إلى تسليم أحد من المتهمين فى القضايا المثارة، ويضيفون أنهم يتمنون إجراء تحقيق محايد ونزيه فى هذا الصدد. بسبب ذلك فإن القائمين على الأمر فى القطاع ودوائرهم ما عادوا يأخذون ما تتداوله وسائل الإعلام بهذا الخصوص على محمل الجد. إذ صاروا يعتبرونه من قبيل الفرقعات والادعاءات التى لا دليل عليها، والتى يراد بها تحقيق أهداف سياسية اقتضت التضحية بالفلسطينيين وتقديمهم قربانا لتبرئة غيرهم.

فى حين يثار الضجيج حول اتهامات نسبت إلى بعضهم، فإن أبرز مظاهر اللعنة التى أصابت الجميع صارت ممثلة فى إغلاق المعبر، رغم انه يمثل البوابة الشرعية التى يمر من خلالها الخارجون والداخلون تحت الأعين المفتوحة بعد تعرضهم للتدقيق والتفتيش والمراجعة من جانب كل الجهات المعنية. ولذلك فإن من اقترف ذنبا وكان مشكوكا فيه لن يفكر فى الذهاب بقدميه إلى المعبر، الأمر الذى يعنى ان الراغبين فى العبور لن يقدموا على تلك الخطوة إلا إذا كانوا واثقين من براءة صفحتهم. وقد اضطرتهم ظروفهم إلى تكبد مشقة السفر والمثول أمام سلطة الأمن التى تدير المعبر.

بكلام آخر فإن الأبرياء من أصحاب الحاجات والمرضى هم الذين صاروا الضحية، إذ تغلق الدنيا فى وجوههم وتهدر مصالحهم جراء إغلاق المعبر.

من المفارقات التى تذكر فى هذا السياق انه أثناء العدوان الإسرائيلى على القطاع، وفى الوقت الذى كانت فيه المقاومة الفلسطينية تطلق صواريخ الرد والتحدى على الداخل الإسرائيلى، فإن سلطة الاحتلال ابقت على المعابر من جانبها مفتوحة (فى أضيق الحدود) سواء فى بيت حانون أو ايريز أو كرم أبو سالم. وفى حين تصرفت إسرائيل على ذلك النحو أثناء الحرب، فإن معبر رفح تم اغلاقه فى وجوه الفلسطينيين دون تفسير وفى غير الحرب.

وما دمنا بصدد المفارقات فإننا لا نستطيع أن نتجاهل الموقف المحير الذى تبنته السلطة الفلسطينية فى رام الله إزاء قطاع غزة، وإزاء المعبر ضمنا. ذلك انه بعد توقيع المصالحة مع حماس فى القاهرة وتشكيل حكومة التوافق فى شهر يونيو الماضى، فإن حماس خرجت من السلطة من الناحية السياسية والقانونية. ومن ثم فإن السلطة باتت مطالبة بأن تمارس صلاحياتها فى القطاع، بما فى ذلك الإشراف على الجانب الفلسطينى الذى يدير المعبر. ورغم ان حكومة التوافق ضمت أربعة وزراء من القطاع أصبحوا يمارسون مهامهم بصورة طبيعية فى غزة، إلا أن قيادة السلطة حتى الآن ممتنعة عن ممارسة تلك السلطة فى مجالى الصحة والأمن. وترتب على ذلك أنه لم ترسل رجالها لكى يتحملوا مسئوليتهم عند معبر رفح، لذلك فإن جهاز حماس لايزال يتحمل تلك المسئولية. وفهمت من الدكتور غازى المسئول عن ذلك الملف انه منذ شهر خاطب فى ذلك رئيس الحكومة السيد رامى الحمد لله، الذى يشغل منصب وزير الداخلية فى الوقت ذاته، لكنه لم يستجب لدعوته حتى الآن. ومن الواضح ان هذه الخطوة تتطلب إصدار قرار سياسى من رئيس السلطة السيد محمود عباس، لكن ذلك القرار لم يصدر بعد لحسابات غير معلومة، أو معلومة لدى البعض وغير معلنة على الرأى العام.

إن الشعور بظلم الأشقاء فى القطاع يراكم درجات مختلفة من المعاناة والغضب، ولئن اختبر القطاع فى معارك المقاومة والنضال، إلا ان اختباره فى معركة الصبر يبدو أكبر إيلاما وأشد قسوة. كذلك ثمة أسئلة كبيرة ومهمة تلوح فى الأفق الآن، منها على سبيل المثال: ما هى حدود الصبر التى يمكن أن يحتملها القطاع؟ وما الذى يمكن أن يحدث إذا ما نفد الرصيد وخرجت المشاعر عن السيطرة؟ ومن الذى يتحمل المسئولية فى هذه الحالة؟