خبر كتب د. جميل يوسف : لا تغلقوا بوابات القدس والضفة

الساعة 08:56 م|23 نوفمبر 2014

على امتداد مراحل الصراع مع المشروع الصهيوني المجرم كانت القدس والضفة وفلسطينيي 48 رافعة رائدة للمشروع الوطني الفلسطيني كل من موقعه والدور الأهم المطلوب منه, وفي كل مرة كان العدو الصهيوني يشن عدوانا على غزة كانت الضفة والقدس واهلنا في 48 يشكلون كابحا للعدوان الاسرائيلي كما حدث في حروب 2008-2009 و 2012 و اخيرا  2014 كما شكلوا داعما رائعا لصمود وانتصار المقاومة في غزة.

في الوقت الذي فشلت فيه جهود القادة والزعماء الفلسطينيين من توحيد الضفة وغزة جغرافيا وسياسيا بعد الانقسام البغيض, اكد الفلسطينيين في كل ساحات المواجهة انهم اكثر وعيا ومصداقية من زعمائهم, وحققوا وحدة سياسية ونضالية غير مسبوقة وتجاوز الفلسطينيون كعادتهم قياداته وفصائله, وفي السنة الأخيرة تعاقبت احداث كثيرة شكلت جميعها فرص جيدة للمشروع الوطني الفلسطيني وبدايات لمرحلة جديدة على صعيد تفعيل المقاومة وتحقيق الاهداف, لكن الملفت للنظر ان جميع هذه الفرص تتحول الى تهديدات نتيجة عدم القدرة لتفعيل هذه الفرص, وبدل ان نحصد منها المكاسب اصبحت مناسبات لدفع فواتير جديدة .

تنفس القلسطينيون الصعداء في ابريل الماضي بعد اتفاق المصالحة بين فتح وحماس والمعروف باتفاق الشاطئ, والآن بعد 7 اشهر فقد الفلسطينيون الامل والثقة بالمصالحة, فالحكومة الجديدة غير متحمسة او حتى راغبة في تحمل مسئولياتها تجاه شعبها في غزة وكانت الخطوة الاولى تفترض ان يتواجد الوزراء والرئيس بشكل متواصل في غزة كمنطقة منكوبة وتحتاج لكل الجهود لمواجهة آثار العدوان الاسرائيلي, وكذلك كان الملاحظ ان حماس كانت غير جادة في تسليم كل الصلاحيات للحكومة الجديدة وبقيت كل مقاليد الامور بيدها لدرجة انه لم يجر اي اتصال بين اي  مدير عام في غزة  والوزير المسئول في رام الله لاخذ التعليمات منه. المصالحة منذ ولادتها كانت عرجاء لأنها كانت مصالحة ومحاصصة بين فتح وحماس ولم تتم مع الكل الوطني, هذه المصالحة التي لم تنجح في اقامة مهرجان في ذكرى اغتيال الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات, بل استبدالها بتفجيرات طالت منازل 20 قياديا فتحاويا اضافة الى المنصة المعدة لذلك. هذه التفجيرات التي تم استحضار داعش فيها واضعة الفلسطينيين امام نفق جديد وخطأ استراتيجي سيضر بقطاع غزة بشكل كبير وسيشرعن الحصار الخانق حول القطاع , كان الواجب الوطني والاخلاقي لحماس وفتح ان يهرولا صوب بعضهما البعض لتدرك مصيبة التفجيرات والاصرار على احياء ذكرى استشهاد الرئيس عرفات. لقد تحولت المصالحة الى تهديد جديد ولا استبعد ان نقترب من اليوم الذي تصبح فيه المصالحة لعنة على الشعب الفلسطيني. ليس عيبا ان نبدأ جولة جديدة من الحوار الوطني تحت رعاية الاجماع الوطني والمكاشفة الحقيقية والايمان بالهم الوطني العام بعيدا عن المكاسب الحزبية او سياسة ادارة الازمات لحل المشاكل التنظيمية الخاصة, ان الحوار يجب ان يبتعد عن روح الانتقام والمحاصصة , المشروع الوطني الفلسطيني كبير ومقدس ويحتاج الى همم وقادة بحجم المشروع.

بعد التوقيع على المصالحة بين فتح وحماس بثلاث اشهر ارتكب العدو الصهيوني عدوانا غير مسبوق على السكان الابرياء والعزل في قطاع غزة ونفذت فيه كل اشكال الجرائم بحق الاطفال والنساء والبيوت وقدم الشعب الفلسطيني ومن خلفه قوى المقاومة الفلسطينية عملا رائعا في الصمود والمواجهة واثخنت العدو حتى اجمع المحللين والساسة ان الفلسطينيون حققوا انتصارا رائعا على مستوى الارادة والردع. هذا النصر كان فرصة هامة بيد مشروع المقاومة وفصائل العمل الوطني حيث اكد الجميع ان هذه الحرب ستؤسس لمرحلة جديدة وهذا لا يختلف حوله الفلسطينيون وعلى الفلسطينيين وكل قوى المقاومة ان تتفق على شكل المرحلة القادمة وتعيد بناء الواقع الفلسطيني على اسس وطنية سليمة وتعيد الاعتبار لمؤسسته الجامعة م ت ف باعادة البناء والتفعيل.

قوى العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني حتى الآن لم تغادر دائرة القول "ان هذه الحرب ستؤسس لمرحلة جديدة" الى دائرة التخطيط والفعل ووضع الخطط والوسائل والأهداف حتى لا تضيع هذه الفرصة أيضا أو تتحول إلى تهديد, الشعب الفلسطيني في كل مكان خاصة الضفة وغزة وأراضي 48 ( كل فلسطين) ينتظر ان يتحول  هذا العدوان في عملية البنيان المرصوص الى عملية بناء داخلي وإزالة آثار العدوان

   تزامنا مع المصالحة والعدوان على غزة كانت الضفة الغربية والقدس يتحركان بالبركان الثائر وقد اشتدت ثورة البركان بعد الحرق البشع واللا إنساني على يد متدينيين يهود للطفل المقدسي محمد أبو خضير, الضفة الغربية لم تكن يوما ما غائبة عن مشروع المقاومة ونجحت في صد الكثير من هجمات المشروع الصهيوني عليها, ولولا هذا الصمود الرائع والوطني المقدس لابتلع الحلم الصهيوني الضفة الغربية  والقدس, وهذه الفرصة الثالثة للفلسطينيين خلال بضعة أشهر, هذه الفرصة التي ينتظر كل أحباب فلسطين ان تتحول الى انتفاضة ثالثة, كل الظروف مهيأة لذلك .

 القدس والضفة لم تنتظر ما وعدت به فصائل وقوى المقاومة في التأسيس لمرحلة جديدة لكن كما هو الشعب الفلسطيني في كل الأزمنة والمحطات والذي يشكل قوة المقاومة الأولى والأقدر التي لا يوجد لها حسابات صغيرة او ضيقة, انطلق في القدس والضفة يؤسس بنفسه ودمه ملامح المرحلة المقبلة وبوصلتها و ركضت القدس بشبابها لتعلن انطلاق مرحلة جديدة فكان الشلودي عملية دهس في  الشيخ جراح بتاريخ 22/10/2014 تلاه معتز حجازي ضد رمز الاستيطان في القدس في 30 /10/2014  ثم عكاري عملية دهس في القدس 5/11  واخيرا وليس آخرا الرد البطولي لعدي وغسان أبو جمل في كنيس في القدس بتاريخ  18/11 وغيرها الكثير .

 هذه العمليات التي تؤكد على هوية القدس واصحابها الحقيقيين اجبرت العدو الى اعادة حساباته من جديد بخصوص القدس ليس من باب التراجع عن مخططاته لكن للتأكيد ان المقاومة والارادة المباركة تخلط كل الاوراق وتعطل مشاريع التهويد, كل ذلك اجبر قادة التطرف في اسرائيل على تغيير خطابهم المتطرف واتهموا المستوطنون الذين يقتحمون الاقصى بالجنون!!, لكن الملفت للنظر ايضا ان هذه العمليات جاء بعضها بعد ايام من لقاء قمة في العاصمة الاردنية عمان بين الملك عبد الله نتنياهو ووزير الخارجية الامريكي كيرى في رسالة واضحة ان المجتمعين ليسوا ممن يقرر مصير القدس وان وضع قناع عربي على المؤامرة الصهيونية في القدس لن ينطلي على احد.  

من  المؤكد ان عملية تأسيس لمرحلة جديدة يجب ان تنطلق من نتائج المرحلة الممتدة من محطات المصالحة وحتى انتفاضة اهلنا في القدس والضفة والـ 48 وما قبلها, وان عملية مركبة للدمج بين المصالحة الوطنية الحقيقية لكل مكونات الشعب الفلسطيني واعادة الاعتبار للمرجعية السياسية الجامعة ( م ت ف ), اضافة الى ارادة الصمود والمواجهة وتحقيق توازن الرعب مع هذا العدو والذي اكدته عملية البنيان المرصوص والذي توج قبل ذلك وبعده ببركان الثورة المقدسة في الضفة الغربية. هذه هي مكونات المعادلة الجديدة للمرحلة القادمة.

ان عملية المصالحة التي تعني وحدة الشعب والهدف والبوصلة مسكونة بارادة الصمود والمواجهة بعيدة عن التنسيق والتفاوض مع العدو الصهيوني لتبدأ في ضرب المشروع الصهيوني في مركز حلمه وهو القدس والاستيطان هي مكونات المرحلة الجديدة, هذا يعني ببساطة دعم الانتفاضة الثالثة في القدس والضفة بكل الامكانات والوسائل هو فرض عين على كل فلسطيني بعيدا عن روح الفصلنة للعمل الذي يقوم به الشعب الفلسطيني وعلى الفصلئل ان تؤمن بعد هذه التجارب المريرة ان وضع الاعمال الجهادية والكفاحية تحت سقف الشعب الفلسطيني افضل مليون مرة من نسبها لهذا الفصيل او ذاك.

ان مهمة الفصائل والزعامات هي خدمة الشعب الفلسطيني ولا يجوز لها ان تتقدم على سيدها وهو الشعب الذي لا يخطئ في حقوقه ولا يرضى بانصاف الحلول ولا يعرف النصب ولا تهزة المخمصة والحصار وكل الزعامات والفصائل امام امتحان  الآن عند بوابات الضفة والقدس فأهلنا في القدس والصفة في انتظاركم فلا تغلقوا الابواب.

* باحث في الشأن الفلسطيني