خبر اغلاق آخر لن يجدي نفعا -هآرتس

الساعة 11:43 ص|21 نوفمبر 2014

ترجمة خاصة

اغلاق آخر لن يجدي نفعا -هآرتس

بقلم: عاموس هرئيل

(المضمون: كل الجهات الامنية موحدة في الرأي بأن العقاب الجماعي ومنع دخول العمال لن يعيد الأمن، والتقدير في هذه المرحلة أن موجة العنف لم تترسخ بعد ولكن يبدو ملحوظا تأثير داعش على اساليب وخطاب منفذي العمليات في القدس - المصدر).

هناك فجوة كبيرة – لولا الظروف الفظيعة لكان يمكن القول إنها تثير السخرية – بين الاعلانات الكبرى من جانب القيادة الاسرائيلية عن القبضة الحديدية ضد الارهاب واعادة الامن الى القدس، وبين المعنى العملي للخطوات على الارض. فلسنوات يُقسم رؤساء الوزراء الاسرائيليون بوحدة القدس الخالدة، ولكن نصب حواجز شرطية في مخارج الأحياء العربية والنية لنصب مكعبات اسمنتية على خط التماس القديم، مثله ايضا موجة الاقالات للعمال العرب في الأحياء اليهودية هذا الاسبوع تخدم بالضبط الحجة المعاكسة. فهذه الخطوات تساهم في التقسيم الفعلي للمدينة وتشدد كم تخاف المجموعتان السكانيتان الواحدة من الاخرى. فالمكعبات الاسمنتية تخدم الادعاء الفلسطيني بأن المدينة لم تكن ولن تكون أبدا موحدة تحت حكم اسرائيلي. ويخيل أنه لا ينقص سوى بوابة مندلبوم لتعزيز الحجة.

لقد ساهم في الواقع الحالي في العاصمة، من الجانب الاسرائيلي، خطوتان تاريخيتان: الاصرار على توسيع الحدود البلدية للمدينة الى القرى والبلدات المجاورة لشرقي المدينة بعد حرب الايام الستة، واقامة جدار الفصل في ذروة الانتفاضة الثانية. لقد كان الجدار حيويا. فقد جلب الأمن في المدى القصير لأنه جعل من الصعب عبور الانتحاريين من الضفة الغربية في ذروة الهجمة الارهابية. ولكنه ايضا فرض قطيعة اجتماعية واقتصادية على الفلسطينيين على جانبيه. فالقرى خلف الجدار بقيت حبيسة، بعيدة عن الخدمات البلدية، في منطقة سائبة عديمة السيادة العملية. أما الأحياء الفلسطينية التي داخل الجدار فقد قطعت عن الجمهور في غلاف القدس وفي الضفة، دون أن يكون سكانها في أي مرة من المرات مواطنين اسرائيليين.

على مدى بضع سنوات، تحت حكم رئيس البلدية نير بركات كان يمكن ربما الاعتقاد بأنه تحقق وضع انتقالي مريح وعاد الزوار اليهود والسياح من الخارج ليزوروا البلدة القديمة بجموعهم. ولكن الهدوء تفجر في الصيف. والآن، على خلفية موجة العمليات التي قتل فيها 11 مواطنا اسرائيليا ومن رجال الامن في ست عمليات في أقل من شهر (تسعة قتلى في القدس، واحد في غوش عصيون وواحد في تل ابيب)، يتطور خطر اضافي: أن ينتقل الواقع المقدسي بالتدريج الى وضع يشبه بلفاست حيث تستجاب هجمات الارهاب الفلسطينية بأعمال ثأر من متزمتين يهود، فقتل الفتى محمد أبو خضير فور العثور على جثث الفتيان الاسرائيليين الثلاثة الذين قتلوا في غوش عصيون في شهر تموز من شأنه أن يكون المؤشر الاول على الميل الناشيء.

في جهاز الامن يعارضون الاقتراحات التي طرحت في الكابنت وفي الكنيست لارسال سرايا الجيش الاسرائيلي الى شرقي القدس لتعزيز قوات الشرطة. وفي الجيش يأخذون الانطباع بأن الشرطة قادرة على مواجهة التحدي، وعلى أي حال فان رجالها اكثر جاهزية لصد مظاهرات العنف الجماهيرية. أما ادخال الجنود الى الاحياء فمن شأنه أن ينتهي بقتل زائد للمتظاهرين. وكل الجهات – الجيش الاسرائيلي، الشرطة، "الشباك" (المخابرات) ومنسق شؤون المناطق – متحدون حاليا في معارضتهم للعقاب الجماعي للطرف الفلسطيني. ففرض الاغلاق ومنع جارف لدخول العمال تبدو كخطوات من الافضل الامتناع عنها. وعمل عقابي شديد استؤنف رغم ذلك هو هدم منازل المخربين القتلة، وهي الخطوة التي كفت اسرائيل عنها (باستثناء بعض حالات شاذة في القدس) على مدى تسع سنوات. وهنا فُرض موقف القيادة السياسية، الذي يتغذى ايضا على الضغوط الحزبية، على رجال المهنة الذين يتحفظ بعضهم من هدم المنازل.

يوصي الجيش والشرطة بما يصفونه بأنه اعمال موضعية: اعتقالات موضعية، تحقيق مع المحرضين وتشديد جمع المعلومات الاستخبارية في شرقي القدس. وخلافا للوضع في الانتفاضة الثانية، لا تقف اسرائيل اليوم أمام جهاز مراتبي مرتب نسبيا من منظمات الارهاب لديه مراكز ثقل (مخيمات اللاجئين وأحياء القصبة في الضفة)، حيث يمكن العثور عليها ومهاجمتها مثلما في حملة "السور الواقي".

وفي مواجهة ارهاب هو حتى الآن عفوي في أساسه، يخيل أن لا معنى في هذه اللحظة لخطوات جارفة تتمثل باحتلال المنطقة واعتقالات جماعية. "فكرنا في ذلك، ولكن حاليا لا مبرر لوقف تدريبات عشر كتائب وارسالها الى الضفة أو الى غلاف القدس"، يقول ضابط كبير في الجيش الاسرائيلي. "هناك بصراحة تصاعد في المظاهرات وفي الاحداث في الضفة ايضا. فالميدان يرد على التوتر في القدس وفي الحرم، ولكن هذا لا يزال بعيدا عن الحجوم التي رأيناها في الضفة حتى في الصيف الماضي".

ويقلق الجيش الغياب التام للأفق السياسي، منذ فشل مبادرة كيري في الربيع الاخير. فالعمليات والمواجهات في القدس تسحق بالتدريج منظومة الكوابح التي عملت بنجاح نسبي في الضفة الغربية منذ استعادت السلطة الفلسطينية السيطرة في المدن في محيط العام 2007. والصعوبة في تصدي اسرائيل لموجة الارهاب الحالية تنبع ايضا من غياب يد موجهة في الطرف الفلسطيني. ففي الارهاب المنظم تعرف اسرائيل كيف تواجهه. أما هذه المرة فيبدو واضحا أن حماس لا تقود الاحدث في القدس بل تحاول الركوب على ظهرها. وفي مواقع الانترنت وفي التصريحات العلنية لزعمائها، دعت المنظمة المرة تلو الاخرى الفلسطينيين في القدس الى أن يأخذوا مثالا المخربين اللذين قتلا يوم الثلاثاء شرطيا واربعة مصلين في الكنيس في هار نوف. ولكن هذا كان تحريضا، وليس أمرا تنفيذيا للنشطاء.

وتشعل الشائعات العنف. فقد نفت اسرائيل، وعادت ونفت، كل خلفية قومية لقضية موت سائق إيغد الفلسطيني يوسف حسن الرموني، الذي وجد مشنوقا صباح يوم الاثنين في القدس. ويجد الفلسطينيون صعوبة في تصديق رواية الشرطة والمشرحين الجنائيين، وهم يتذكرون كيف نشرت الادعاءات الكاذبة بأن الفتى أبو خضير قتل على خلفية لوطية، ورأوا كيف يتملص زعران شارة الثمن من العقاب المرة تلو الاخرى بسبب خليط من الاهمال السلطوي والمصاعب في جمع الأدلة. وحتى عندما يعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن لا نية له لتغيير الوضع الراهن في الحرم، ففي شرقي القدس وفي الضفة يبقى الاشتباه على حاله. فالعرب في شرقي المدينة يرون طوقا سلطويا يغلق عليهم: حفريات في مواقع دينية – تاريخية، دخول مستوطنين الى المنازل في الاحياء العربية، بناء أحياء يهودية على اراضيهم المصادرة خلف خطوط 1967 وماراثون من الصلوات والزيارات في الحرم.

وصنف موقع "يديعوت" على الانترنت هذا الاسبوع الاحداث في اعقاب العملية في الكنيس تحت شعار احمر واسود – انتفاضة ثالثة. ولا يزال جهاز الامن الاسرائيلي لا يشارك في هذا التصنيف. فالعنف يعربد في القدس ويظهر علامات انتقال الى الضفة، ولكن الاستخبارات تصر على تشخيصها بأنه لم تترسخ هنا بعد موجة جماهيرية بعيدة المدى. وفي الاسبوع القادم ستبدأ هيئة الاركان وشعبة الاستخبارات العسكرية بالبحث في التقدير الاستخباري السنوي للعام 2015. هذه السنة، لاول مرة منذ عقد، ستتلقى الساحة الفلسطينية وزنا أكبر من الساحات الاخرى.

داعش هنا؟

قبل نحو شهرين، عندما عقد نتنياهو مداولات طواريء ليلية عن خطر تنظيم داعش وبعد ذلك شرح للعالم بأن حماس هي داعش وداعش هي حماس، كان في ذلك قدر من المبالغة. فالمتزمتون الملتحون وبالجلابيات من غربي العراق وشرقي سوريا لم يصلوا بعد الى الجدار الحدودي مع اسرائيل في هضبة الجولان. فلا ينقص هناك متزمتون اسلاميون آخرون، ولا سيما من منظمات سورية محلية تتماثل مع القاعدة. واذا ما وعندما يصل اعضاء داعش الى مقربة من الحدود، فان اسرائيل لن تكون بعد في مركز اهتمامهم، على الاقل طالما لم يتحقق هدفهم الاول – اسقاط نظام الاسد. والتشبيه بين حماس وداعش اشكالي من جانب آخر، مثلما لاحظ كثيرون: اذا كان الارهاب الاسلامي ملون بكامله بلون واحد من السواد فكيف لم يأمر نتنياهو الجيش الاسرائيلي باسقاط حكم حماس في القطاع في الحرب في الصيف؟.

ولا يزال، هناك ميلان مرتبطان بالتنظيم الاجرامي ينبغي أن يقلقا اسرائيل. ينبع الاول من اعلان "انصار بيت المقدس" الجناح الجهادي المتصدر الذي يعمل في سيناء، في بداية الشهر بأنه من الآن فصاعدا ينقل ولاءه من القاعدة الى داعش. والمعنى العملي في هذا التصريح ليس واضحا بعد، ولكن مع الأخذ في الحسبان المبالغ المالية التي يكسبها داعش من مخزونات النفط التي تحت تصرفه، من شأن هذا أن يكون تطورا خطيرا بسبب المساعدة الاقتصادية التي يمكنه أن يمنحها للتنظيم المصري.

أما الميل الثاني فيجد على ما يبدو تعبيره في العملية في الكنيس في القدس. فاختيار موقع ديني صرف، واختيار الاسلحة (سكين وبلطة، الى جانب مسدسات)، اللغة الدينية التي يستخدمها أبناء عائلة القتلة، مثلما فعل اقرباء المخربين الذين نفذوا العمليات السابقة في القدس – كل هذا يشير الى الهام معين من داعش. هذا لا يعني أنه ستكون هناك بطاقات عضوية في التنظيم في منازل المخربين قبل أن تهدمها اسرائيل، ولكن يخيل أنه يتطور هنا نموذج من التقليد. حين تكون اعمال الذبح الاجرامية على خلفية دينية هي موضوع يومي في الجلبة المعربدة هذه منذ اربع سنوات في العالم العربي؛ حين يحرص المتزمتون في سوريا وفي العراق على توثيق الفظاعة بالفيديو ونشرها على الانترنت، فمعقول أن يكون لذلك تأثير ايضا على الشباب الفلسطينيين المحبطين في القدس.

إن الاحتلال الاسرائيلي المستمر في المناطق لا بد يؤثر على منفذي مثل هذه العمليات. وهكذا ايضا سنوات الاهمال والاحساس بانعدام المخرج في الاحياء السكنية الفلسطينية في شرقي المدينة. ووفر التوتر في الحرم خلفية اخرى لتصعيد الاجواء، ولكن الصورة البصرية التي تبقت من العملية الاخيرة – خرق الصلاة والكتب المقدسة الملطخة بالدماء – تعزز التقدير بأنه يتعاظم هنا دور العنصر الديني.

حين طرحت على مدى الاسبوع ادعاءات بحرب دينية محتملة في القدس وبالهام داعش اصطدمت بعدم ارتياح من جانب بعض الصحفيين الاجانب. ويمكن أن نفهم لماذا: فهي تشذ عن الرواية الدائمة، شبه المقدسة، عن الاحتلال الاسرائيلي بصفته كل شيء. ولا يزال، فان الحديث مع الخبراء في الغرب يظهر وعيا متزايدا للخطر الكامن في داعش، وإن كان التنظيم لا يقترب بعد لاضراره لما أحدثه أخوه الاكبر، القاعدة، في عمليات 11 ايلول في الولايات المتحدة.

إن التفوق الاساس لداعش على القاعدة هو في الاستخدام الذكي للشبكات الاجتماعية. فأفلام قطع الرؤوس، الاستخدام المنسق لحسابات التويتر، تبلور للتنظيم قاعدة دعم آخذة في الاتساع في اوساط الشباب المسلم في الشرق الاوسط، ولكن في الغرب ايضا. والآمال في الولايات المتحدة وفي اوروبا قبل بضع سنوات فقط في أن يكون الاسلام المتطرف هُزم بعد اغتيال اسامة بن لادن وأن الربيع العربي يعبر عن تغيير ايجابي باتجاه الانفتاح والديمقراطية، سرعان ما تبددت.

لقد جندت منظمات الثوار في سوريا، وعلى رأسها داعش، منذ الآن الى صفوفها متطوعين غربيين أكثر مما في كل سنوات الحرب في افغانستان. ويعود بعض هؤلاء المقاتلين من سوريا الى اوروبا للقيام بعمليات كالقتل في المتحف اليهودي في بروكسل. آخرون لا يسافرون على الاطلاق الى سوريا، ولكنهم يعتقدون بأن الجهاد العنيف يمكنه أن يتم على مقربة من البيت ايضا.

لا يمكن تجاهل امكانية أن تكون القدس وفي أعقابها ربما ايضا اجزاء من الضفة الغربية ستدخل الآن في معمعان العمليات واعمال الثأر. فمن تربى في القدس في الثمانينيات يتذكر التحذيرات المتواترة، ولا سيما على صفحات مجلة "كول هعير" لأن العاصمة في طريقها الى أن تكون بلفاست، حيث ضرب الارهاب على جانبي خط الحدود البلدي الطويل والملتوي. وفي زيارة الى شمال ايرلندة في 2001، حين كانت الانتفاضة الثانية بكامل زخمها، فوجئت إذ سمعت من رجال أمن محليين بأن في نظرهم الوضع في القدس كان دوما أكثر سوءً واخافة. "صحيح، كانت لنا هنا سنوات رهيبة"، قالوا في حينه. "عندنا اخترعوا ايضا السيارة المفخخة، ولكن على الاقل لم نضطر أبدا الى مواجهة المخربين الانتحاريين مثلكم".

ايرلندة الشمالية، منذ اتفاق "يوم الجمعة الصالح" في 1997، تتمتع منذ أكثر من عقد ونصف بالهدوء الامني. واليوم، ومثلما يبدو كانتفاضة بلدية تقع في شوارعها قبل بضعة اشهر، يمكن للقدس أن تحسد بلفاست.