خبر « انتفاضة في القدس – هل تحقق النبوءة ذاتها؟ »- نظرة عليا

الساعة 11:35 ص|21 نوفمبر 2014

ترجمة خاصة

"انتفاضة في القدس – هل تحقق النبوءة ذاتها؟"- نظرة عليا

بقلم: كوبي ميخائيل

(المضمون: إن كثرة الحديث عن مصطلح الانتفاضة الثالثة هو أمر ليس فقط غير صحيح وانما من شأنه أن يزيد من امكانية اندلاع الانتفاضة وأن تتحول هذه الكلمات الى نبوءة تحقق ذاتها - المصدر).

تمر على القدس أيام صعبة، فقد شهدت الاشهر الاخيرة احتكاكا متصاعدا بين الفلسطينيين وبين قوات الامن الاسرائيلية، وازدادت نسبة الاخلال بالنظام، ولا سيما داخل الحرم، والجهود للمس باليهود. والتعبير الاكثر تطرفا لذلك هو عمليات الدهس والطعن، والى ذلك الاحتكاك الآخذ في التزايد بين اليهود الذين يريدون بشكل استفزازي الصعود الى الحرم والصلاة فيه وبين الفلسطينيين الذين يعتبرون ذلك تهديدا للوضع الراهن في المكان.

الاغلبية العظمى من السكان الفلسطينيين في القدس تتحفظ من العنف، وتريد استغلالا أقصى للمزايا والفوائد التي تمنحها المواطنة الاسرائيلية. وليس صدفة أن عدد المتظاهرين عبارة عن مئات فقط، ولكن الاجواء في المدينة متوترة والنار قد تندلع وتتسع أكثر.

قتل الفتى العربي على يد يهود ردا على قتل الشبان الثلاثة في غوش عصيون شكل محفزا وشعلة متقدة في الاجواء المقدسية. شرارات البنزين هي نتاج لأساس نفسي، تقوم السلطة الفلسطينية برعايته، وبتأييد من جهات متطرفة ومحرضة من الحركة الاسلامية الجناح الشمالي في اسرائيل، التي تتعاون مع حماس. حماس من جهتها تنبش في القدس كونها محبطة من نتائج عملية "الجرف الصامد" وقُطعت جهودها بتوسيع تأثيرها في الضفة الغربية. هذه العناصر تريد الاستخدام الاقصى لامكانية الاشتعال الديني في القدس، من اجل زعزعة الاستقرار في المدينة وفي الساحة الاسرائيلية الفلسطينية ككل، وايضا تقوية مكانتها كلاعبة مهمة في القدس.

في واقع اليأس وغياب الأفق السياسي، من السهل تطبيق هذه الامكانية. اضافة الى ذلك ليس صحيحا ولا يمكن تجاهل غياب اللجم للاستفزاز اليهودي من قبل القيادة الاسرائيلية وبالتالي فان الرسالة غير واضحة حول الحفاظ على الوضع الراهن في القدس. هذا اضافة لغياب الحساسية في كل ما يتعلق بالاعلان عن البناء أو شراء الممتلكات في الاماكن الحساسة من المدينة.

التحريض الممنهج والمستمر لقيادة السلطة يخلق رواية فلسطينية تدمج بين الاقناع الداخلي العميق حول عدم وجود أية علاقة تربط اليهود بالقدس بعامة والحرم بخاصة، واتهام اسرائيل بمحاولة تغيير الوضع الراهن في الحرم (هذا الوضع الذي هو غير مقبول أصلا على جهات معينة في الساحة الفلسطينية)، ومحاولة اسرائيل تشويش علاقة الفلسطينيين بالمدينة من خلال التشديد على طابعها اليهودي. وترفع السلطة باستمرار هذه الاتهامات وتبرزها من اجل تبرير استراتيجية نشاطها الدبلوماسي أحادي الجانب، بواسطة زيادة اللاشرعية تجاه اسرائيل ودفعها نحو الزاوية في الساحة الدولية.

وفي المقابل يحاول محمود عباس احتواء العنف ومنعه من تجاوز الخطوط، الامرالذي قد يشكل خطرا على السلطة. اجهزة الامن الفلسطينية تبذل جهودا لمنع انتشار العنف الى مناطق السلطة، على أساس الفهم أن التطور بهذا الاتجاه قد يغير اتجاه العنف فيصبح ضد السلطة والقيادة، التي لا تتمتع أصلا بتأييد واسع. مثل هذا التحول من شأنه أن يكون قاتلا للسلطة نفسها. القيادة الفلسطينية تعيش في توتر بين التزامها بالأساس النفسي الذي شكلته في تحريضها ضد اسرائيل وما تقوم به في القدس – الامر الذي يؤيد خطواتها في الساحة الدولية – وبين الاهتمام ببقائها. قيادة السلطة تشعر بالأمان في هذا الوقت، لأن العمليات الارهابية لا يوجد لها بنية وأساس تنظيمي متواصل، وليس هناك وعي فلسطيني جماعي يؤيد ذلك، ولا توجد طاقات كافية في الشارع الفلسطيني من اجل انتفاضة. اضافة الى ذلك فان النشاط يتركز في اغلبيته في منطقة القدس، ورغم الاحداث المتفرقة في يهودا والسامرة فان الحديث ليس عن ظاهرة منتشرة في كافة مناطق السلطة. بالامكان القول إن الوعي الجماعي الفلسطيني يحافظ على دروس الانتفاضة الثانية التي دفع ثمنا كبيرا لها من الناحية الاجتماعية والاقتصادية وتسببت بالعودة الى الوراء بدون تحقيق أي انجاز سياسي. ومع ذلك يجب التذكر أنه وفي ظروف معينة يمكن أن يتحول العنف التلقائي الفردي الى أمر جماعي يجر معه الكثيرين ويصبح عملية منظمة وممنهجة أكثر ويحظى بتأييد الرأي العام الذي هو في حالة احباط ويشعر بالرغبة في الانتقام.

الشعور بغياب الأمن وسلسلة الاحداث يدفع السياسيين والمحللين والصحفيين في اسرائيل الى منطقة الاحداث. استخدام مصطلح "الانتفاضة الثالثة" آخذ في الاتساع، رغم أن عمليات الدهس والطعن تمت من قبل أفراد وبمبادرة شخصية منهم، وبتأثير من الاجواء المتوترة في القدس، وليس باسم تنظيم أو نتيجة لتخطيط معين. هذه الميزة للاحداث تشكل عنصرا، اضافة الى عناصر اخرى تم ذكرها، يدفعنا الى التمييز – حتى الآن على الأقل – بين هذه الاحداث وبين الانتفاضات التي حدثت بين السنوات 1987 – 1993 و2000 – 2005 (رغم أن هاتين الانتفاضتين لم تكونا متشابهتين تماما).

استخدام مصطلح "انتفاضة" ينظم الاحداث بطريقة منطقية وسهلة الفهم. لكن يجب التأكيد على أن استخدام كهذا يعود بالتأثير السلبي على الوعي الفلسطيني والاسرائيلي. ويرفع من الاستعدادية الفلسطينية للصراع لأن الاطار موجود، وبالنسبة لاسرائيل فان المصطلح يتغلغل الى وعي الاجهزة الامنية. وهذه الاجهزة تحتك بالواقع بطريقة آخذة في التزايد، والتعامل مع الاحداث على أنها انتفاضة قد يدفعهم الى استخدام اليد القوية ضد المتظاهرين. لذلك هناك خطر، إن الاستخدام المتواصل للمصطلح قد يحول هذه الانتفاضة الى نبوءة تحقق ذاتها.

في غياب الثقة بين القيادتين الاسرائيلية والفلسطينية وفي ظل الجمود المطلق في العملية السياسية وغياب الشرعية للتعاون – باستثناء التنسيق الامني، الذي تراجعت شرعيته ايضا – فان احداثا محلية قد تتشعب وتزيد في القدس وخارجها.

اسرائيل من جهتها لم تقم بعد بكل ما تستطيع من اجل منع اللهب بأن يتحول الى نار، عليها أن تعمل بتصميم من اجل تخفيف حدة اللهب، والعمل بيد قوية ضد المستفزين والمحرضين اليهود، والتشديد ايضا على المخلين العرب بالنظام، وعليها أن توضح بأنها لا تنوي تغيير الوضع الراهن في القدس. الى جانب كل ذلك على القيادة الاسرائيلية العمل على تطوير رفاهية السكان الفلسطينيين في القدس وتحسين ظروف حياتهم في كل ما يتعلق بالبنية التحتية، التعليم والعمل. فهذا واجب سيادي واخلاقي ايضا.

في نفس الوقت يجب التوضيح للمجتمع الدولي أنه طالما تبنى الفلسطينيون الاساس النفسي الذي يستند الى الدمج بين الاعتراض على علاقة وحاجة اليهود في القدس وبين التحريض على نوايا اسرائيل فيما يخص القدس والعرب، فانه سيكون دائما من يطالب بزعزعة النظام والمس بالأمن. وهذه ستستمر بدون أي صلة بالجهود التي ستبذلها اسرائيل من اجل زيادة رفاهية السكان الفلسطينيين في القدس، واحيانا من اجل التشويش المباشر على هذه الجهود، والقول إن اسرائيل تريد أن تمس بالمقدسات الاسلامية. يجب أن لا يمنع هذا التحدي اسرائيل من الابقاء على التزامها بتحسين رفاه السكان الفلسطينيين بل على العكس. عمل مصمم بهذا الاتجاه سيزيد من شرعية اسرائيل في العمل بيد قوية ضد من يُخل بالنظام وضد الارهابيين. وسيكون هذا عاملا مهما في جهود منع الارهاب الشخصي والاحداث العنيفة – "انتفاضة ثالثة" – بالعكس، يجب أن لا نسمح بأن تتحول الفزاعة الى نبوءة تحقق ذاتها، الامر الذي لا تريده اغلبية الاسرائيليين والفلسطينيين.