خبر الاحتلال يعترف بعجزه في مواجهة انتفاضة القدس

الساعة 06:44 ص|19 نوفمبر 2014

القدس المحتلة - وكالات

تشكل عملية القدس، أمس الثلاثاء، تطوراً لافتاً في التصعيد الحاصل منذ جريمة اغتيال الفتى محمد أبوخضير، بعد أن كانت وسائل الإعلام الإسرائيليّة قد تحدّثت طيلة الفترة الماضية، على الرغم من استياء القيادة السياسية، عن اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، تحت مسميات شتّى، أولها "انتفاضة الأطفال"، مروراً بـ"الانتفاضة الهادئة"، وصولاً إلى "الانتفاضة الثالثة".

وبقيت القيادة السياسيّة والأمنية في إسرائيل، حتى عملية الدهس التي نفذها الشهيد عبد الرحمن الشلودي، قبل 3 أسابيع، وما تلاها من عمليات أخرى، ترفض الحديث عن انتفاضة، مكتفية بالإشارة إلى عمليّات محليّة مدفوعة بالتحريض الذي نسبه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى رئيس السلطة الفلسطينية وحركة حماس.

ومنذ محاولة اغتيال الحاخام يهودا غليك، على يد الشهيد معتز حجازي، وتوالي عمليات الدهس في القدس، على امتداد "خط التماس"، أي الشارع رقم واحد، الذي يفصل عملياً بين الأحياء العربيّة للقدس المحتلة عام 1967، وبين الأحياء الغربيّة للقدس المحتلّة منذ النكبة، تغيّرت لهجة ومفردات وسائل الإعلام العبريّة، ومعها القيادات السياسيّة والأمنيّة، لا سيّما بعد فرض نتنياهو مصطلح "موجة الإرهاب" على العمليات الجارية في القدس، من جهة، والإعلان عن جملة خطوات إسرائيليّة لمواجهة انتفاضات الأطفال، عبر فرض غرامات مالية على أهاليهم، وتقييد حركة الفلسطينيين، والتي وصلت إلى حدّ منعهم من قيادة السيارات، الأسبوع الماضي.

ويمكن لعملية الكنيست، التي وقعت أمس الثلاثاء، وأوقعت أربعة قتلى في صفوف الحريديم، أن تشكّل نقطة تحوّل مفصليّة في التعامل الإسرائيلي، بعد أن وصفها السياسي المحنّك، زعيم حركة شاس، أرييه درعي، بأنّها "حرب"، مطالباً الحكومة بأن تتعامل معها باعتبارها حرباً وليست مجرّد أحداث أو أعمال إرهابيّة، لا سيمّا أنّها تتخذ زخماً تصاعدياً في الانتقال من عمليات الدهس أو رشق القطار الخفيف في القدس بالحجارة، وصولاً إلى استخدام السلاح الناري كما حدث أمس.

في المقابل، يواصل المفتش العام للشرطة الإسرائيليّة، يوحنان دانينو، ووزير الأمن الداخلي، يسرائيل أهرونوفيتش، الحديث عن موجة "إرهاب شعبي" غير منظّم وغير موجّه، مع توجيه أصابع الاتهام إلى السلطة الفلسطينيّة ورئيسها محمود عباس، وتحويل ما يحدث في القدس إلى نتائج مباشرة لما يسميه نتنياهو وأقطاب حكومته "التحريض الفلسطيني الرسمي والشعبي من قبل سلطة محمود عباس وحركة حماس وشبكات التواصل الاجتماعية والصحافة الفلسطينية"، من دون أي إشارة إلى الاستفزازات الإسرائيليّة في المسجد الأقصى.

وفي سياق ما تشهده القدس، يبقى الأبرز ما جاء على لسان عدد من المسؤولين الإسرائيليين، أمس الثلاثاء، ففي حين تحدّث درعي عن "أنّنا نعيش في حرب"، أقرّ عضو الكنيست نحمان شاي، الذي شغل خلال حرب الخليج الأولى منصب الناطق الرسمي بلسان الجيش الإسرائيلي، بأنّ "هناك فشلا وانهيارا أمنيا شاملا، يتجسد أيضاً في فقدان الإحساس بالأمن الشخصي"، على الرغم من الإجراءات الأمنية الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة، لناحية تكثيف تواجد الشرطة وعناصر حرس الحدود في القدس.

 

وتشكّل هذه النقطة عملياً، نقطة حسّاسة للغاية في رصيد نتنياهو، الذي استغلّ فقدان الإحساس بالأمن الشخصي عند الإسرائيليين، غداة اغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين، في عام 1995، وموجة العمليات الانتحاريّة التي شنّتها حركة حماس في ذلك الوقت، للفوز برئاسة الحكومة والتغلّب على شمعون بيريز، خلافاً لكلّ التوقعات.

ومع أنّ نتنياهو ووزير الأمن الإسرائيلي موشيه يعالون، عادا اليوم إلى الاسطوانة المشروخة ذاتها، لناحية إلقاء اللوم على التحريض الفلسطيني الذي يقوده عباس وحركة حماس، لكنّه أعلن أنّ إسرائيل ستردّ بقوة كبيرة على العمليّة لإعادة الأمن إلى القدس. وعلى الرغم من استبعاده أن تؤدي العمليّة إلى تحوّل في موقف الإسرائيليين والجنوح نحو اليمين، لكنّ ذلك لن يمنع حكومة نتنياهو من توظيف العملية لحصد المزيد من التطرف والمزيد من الهجوم على أبومازن. علماً أنّ رئيس الشاباك، يورام كوهين، أبلغ لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، أمس الثلاثاء، بأنّ رئيس السلطة الفلسطينية لا يحرّض ولا يشجّع على العنف، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، داعياً أعضاء الكنيست الإسرائيليين إلى وقف الاستفزازات في الأقصى.

وفي سياق التحليلات العسكريّة، يؤكّد المحلل العسكري في صحيفة "معاريف"، عمير رابابورط، أنّ الانتفاضة الجارية في القدس، والتي يمكن نسبها إلى مسألة "انتحار" السائق المقدسي يوسف الرموني، وفق الرواية الإسرائيليّة، وقتله وفق الرواية الفلسطينيّة، هي انتفاضة شعبيّة من دون تنظيم أو تخطيط مسبق، ويمكن نسب اندلاعها إلى جريمة قتل الفتى الفلسطيني محمد أبوخضير في يونيو/حزيران الماضي.

في المقابل، يحاول المحلّل العسكري لموقع "واي نيت"، رون بن يشاي، الادّعاء بأنّ إسرائيل أمام نمط جديد من العمليّات "الإرهابيّة"، وهو نمط العمليات المتأثّرة بعمليات "داعش"، مدعياً أنه "لولا ذلك لكان بمقدور منفذي العملية الاكتفاء بإطلاق النار على المتواجدين في الكنيست اليهودي والفرار من المكان".

وعلى ضوء عجز الشرطة الإسرائيليّة عن مواجهة العمليّات الفردية، وهو ما يقرّ به قادة الأجهزة الأمنيّة في إسرائيل، فقد أعلنت الشرطة رفع حالة التأهّب في مدينة القدس، وزادت من انتشار عناصرها، داعية الجمهور الإسرائيلي إلى الانخراط والتطوّع في الحرس المدني في المدينة. وفي الإطار ذاته، دعا وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، يتسحاق أهرونوفيتش، مجدداً الإسرائيليين، الذين يحملون السلاح المرخّص في إطار عملهم، خصوصاً رجال الأمن والحراس في المؤسّسات العامة والمؤسّسات التجاريّة، إلى اصطحاب أسلحتهم وعدم تركها في مكان العمل أو في البيوت، بل الإبقاء عليها معهم لاستخدامها في حال صادفتهم عمليّة جديدة.